انتخابات قضاء بنت جبيل باردة بأرض ساخنة

ضيفٌ بارد في أرضٍ ساخنة؛ لعلّ هذا الوصف هو الأدقّ لحال الاستحقاق البلديّ والاختياريّ في قضاء بنت جبيل، حيث مآسي القرى والحزن والنزوح وركامها تعلو ولا يعلو عليها شيء. وسط ذلك، حطّ الاستحقاق البلديّ ثقيلًا، كأنّه ضيف غير مرحّب به، فالناس هنا ما زالوا يداوون جراحهم، يرفعون بيدٍ أنقاض بيوتهم، وبيد أخرى صور أحبّتهم الشهداء، فيما يتطلّع قسم كبير منهم إلى العودة حيث الديار ما دامت مهدّمة وكأنّها أحلام مؤجّلة.
يتبدّل المشهد في منطقة بنت جبيل بين بلدة وأخرى، وبين بلدات الحافّة الأماميّة وبلدات الخطّ الثاني، ففي حين يبدو باهتًا في بعضها، يظهر حاميًا في بعضها الآخر إذ تنطق كثافة الترشُّح بذلك. وعلى وقع ضغوط التزكية التي يعمل عليها ثنائيّ “حركة أمل” و”حزب الله” ليل نهار، تزداد البلدات التي تفوز بلديّاتها بالتزكية، خصوصًا بعد تمديد مهلة الانسحاب من الترشّح حتّى نهار غد الجمعة.
عشر بلدات فازت بالتزكية حتى اليوم من أصل 36 بلدة في القضاء، هي: رشاف، حاريص، خربة سلم، الغندوريّة، الطيري، برج قلاويه، قلاويه، كونين، مارون الراس ويارون.
مارون ويارون
في مارون الراس فازت اللائحة المدعومة من “الثنائيّ” بالتزكية بعد انضمام المرشّح المستقلّ نعمان علويّة إليها. وفي هذا الإطار ينتقد ابن البلدة (ب. ع.) غياب أصحاب الخبرات والاختصاصات عن البلديّة الفائزة. ويتساءل: “كيف لبلدة مدمّرة أن تنهض من دون هؤلاء؟” ويتابع لـ “مناطق نت”: “نحن بحاجة إلى بناء بلدة كاملة، وهذا يتطلّب بلديّات فيها متخصّصون في الهندسة والبيئة والتخطيط والشؤون الماليّة والاجتماعيّة وغيرها”، ويضيف: “اليوم وكي نبني بلداتنا علينا أن نزيح السلاح جانبًا ونحمل “لابتوباتنا” وعقولنا ونفكّر بذكاء كيف سنستعيدها”.

الأمر نفسه يتكرّر في جارة مارون يارون التي تسجّل فيها نسبة الدمار نحو 80 في المئة، وكانت ستشهد معركة انتخابيّة بعدما ترشّح تسعة مسيحيّين انسحب أربعة منهم، لتكتمل بذلك حصّة المسيحيّين في اللائحة المدعومة من “حزب الله” و”حركة أمل”.
انتخابات فوق الأنقاض
في عيتا الشعب المدمّرة كلّيًّا والتي سيقترع أبناؤها في بلدة الطيري، كادت البلدة أن تشهد معركة انتخابيّة بسبب مرشّح منفرد ومستقلّ واحد، هو ملحم سرور الذي قال لــ “مناطق نت” إنّه يخوض الانتخابات بوجه اللائحة، معتبرا أنّ “هذه الانتخابات هي استفتاء لمشروع سياسيّ كبير في المنطقة لم ينتهِ بالنزوح والدمار”. وقال: “ترشّحي هو موقف بوجه هذا المشروع الذي أرفضه، وسأخوض الانتخابات على رغم كلّ المحاولات والضغوط من جميع الأطراف السياسيّة لسحب ترشيحي”.
لكنّ سرور عاد ونشر بيان انسحابه على صفحة “أبناء بلدة عيتا”، جاء فيه: “انطلاقًا من إيماننا بضرورة الإصلاح ومبدأ التغيير الديمقراطيّ في النهج البلديّ السائد، ومبدأ اعتراضنا على طريقة الاستفتاء التي يقوم بها الثنائيّ حول نهج ومشروع لا يأخذنا إلّا إلى الحروب والنزوح وخسارة الأرواح والممتلكات، قمنا بالترشّح لمنصب عضويّة المجلس البلديّ في عيتا الشعب كموقف اعتراضيّ واضح”.
استثنائيّ هو المشهد الانتخابيّ في راميا، حيث تتعدّد اللوائح وتتنوّع الأسماء بين “لائحة الوعد والأمل” المحسوبة على “حركة أمل” و”لائحة أهل الوفاء” المحسوبة على “حزب الله”
وأضاف: “كم كنت أتمنّى ألّا أتعرّض لأيّ ضغط إن كان بوسيلة الاتّصال أو الحضور المباشر، كي أتابع ترشّحي لإيصال صوت اعتراضيّ بشكل أوسع وأكبر على نهج ومشروع لا طاقة لأيّ عاقل على تحمّله، إلّا أنّ حضور الأخوة الأعزّاء ليلة أمس كان عزيزًا، وإكرامًا لهم، ونزولًا عند رغبتهم، وتقديرًا منّي لأهل بلدتي الكرام ومختلف الأخطار والمشقّات التي تترتّب على إجراء العمليّة الانتخابيّة، سأعلن عزوفي عن الترشّح وأنسحب للمصلحة العامّة في البلدة، على أمل أن نلتقي في استحقاقات أخرى على مبدأ المساواة والعدالة”.
راميا والتنافس الثنائيّ
استثنائيّ هو المشهد الانتخابيّ في راميا، حيث تتعدّد اللوائح وتتنوّع الأسماء بين “لائحة الوعد والأمل” المحسوبة على “حركة أمل” و”لائحة أهل الوفاء” المحسوبة على “حزب الله”، وهي ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها راميا منافسة مثل الأخيرة، إذ لم تلتزم باتّفاق اللائحة الواحدة،فيها حيث الغلبة للعائليّة وقد تميّزت لوائحها بحضور شبابيّ طاغٍ”.
تجدر الإشارة إلى أنّ بلدة راميا من القرى المدمّرة كلّيًّا، وسيقترع أهلها في بلدة بيت ليف.
بنت جبيل تنتظر التزكية؟
في مدينة بنت جبيل، مركز القضاء برزت مقاربة حزبيّة محصورة ضمن الإطار التنظيميّ للثنائيّ، وقد تبلورت اللائحة المعتمدة لتشكيلة المجلس البلديّ فيها والمؤلّف من 21 مقعدًا، ستّة منهم لـ “حركة أمل” و15 مرشّحًا لـ “حزب الله”.
ترتكز اللائحة على التمثيل الحزبيّ بشكل أساسيّ، مع مراعاة البعد العائليّ في إطاره البروتوكوليّ، مع تأكيد رئاسة البلديّة لعائلة بزّي ونائب الرئيس لعائلة بيضون، وتمّت تسمية كلّ من محمّد ناظم بزّي (رئيسًا) وزياد بيضون (نائبًا للرئيس).
تحمل اللائحة بعض الوجوه الشبابيّة وعنصرًا نسائيًّا واحدًا، وتجمع بين أعضاء سبق لهم أن تولّوا مهامًا بلديّة، وأسماء جديدة، إلّا أنّ المشاورات مستمرّة لتثبيتها بشكل نهائيّ، في ظلّ وجود ترشيحين مستقلّين من أصل ثمانية، ويحاول الثنائيّ إقناعهما بسحب ترشيحهما، ليُحسم ما إذا كانت المدينة ستدخل في استحقاق انتخابيّ فعليّ أو تنضمّ إلى ركب التزكيات.
فرون وتعثّر المبادرة
في بلدة فرون، حيث يتألّف المجلس البلديّ من 12 عضوًا، جرى الاتّفاق بين الثنائيّ على توزيع المقاعد بواقع سبعة لـ “حركة أمل” وخمسة لـ “حزب الله”.
من جهته قال مسؤول اللجنة الانتخابيّة في “الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ” علي رمضان: “قبل إعلان أيّ ترشيح، توجّهنا بمبادرة نحو الفعاليّات والقوى السياسيّة لإخراج هيئة بلديّة على شكل توافقيّ عسى أن يكون بالتزكية، وتلقى ترحيب الجميع”.
ويتابع لـ “مناطق نت”: “خلال اللقاءات اصطدمنا بعقبات كثيرة، وحاولنا التواصل لاحقًا مع هذه القوى لإعادة إحياء المبادرة، لكنّها تعثرت”.
ويؤكّد رمضان أنّ “البلدة على الأرجح ذاهبة نحو الانتخابات مع وجود مرشّحين للحزب الشيوعيّ ومرشح مستقلّ، ويبقى المشهد قابلًا للتبدّل وفقًا للتطوّرات قبيل إغلاق موعد الانسحاب، وربّما يُعاد إحياء التواصل ضمن مبدأ الشراكة”.
حانين أولويّاتها مختلفة
في بلدة حانين، التي تسبب العدوان في تدمير نحو 25 في المئة منها، يغلب على المشهد شعور عامّ بالفتور تجاه الانتخابات. هذا ما يؤكّده ابن البلدة محمّد أبو جهجه لـ “مناطق نت” قائلًا: “يمكننا القول إنّ الناس -ما إلها نفس عالانتخابات- وليس لديها رغبة بالاقتراع، فالأولويّات مختلفة عندها، صحيح هناك كثرة مرشّحين، لكن لا أتوقّع نسبة اقتراع عالية”.
هكذا يُختصر المزاج العامّ في البلدة. وحتّى الساعة، لم تتبلور لائحة الثنائيّ بشكل نهائيّ، وسط وجود ترشيحات مستقلّة لم تلقَ قبولًا ضمن اللائحة، بينها مرشّحان للحزب الشيوعيّ وثلاثة مستقلّين، في حين يتألّف المجلس البلديّ من 12 مقعدًا.

حسان عباس، أحد المرشّحين المستقلّين، يقول: “ترشّحت بشكل مستقلّ لأنّني أؤمن بحقّي بالمشاركة، وأنّ لديّ ما أقدّمه لبلدتي، وقد جاء قراري نتيجة بعض الممارسات على الأرض والإستئثار بالرأي، والنتائج وحدها تتكلّم. ومن هنا أقول وأشدّد على أنّ ترشّحي بهدف التنافس على خدمة البلدة وأعمالها وليس له أيّ خلفيّة سياسيّة أو شخصيّة، وهو فقط من باب ممارسة حقّي ورفضًا للتزكيات التي تعطّل العمليّة الديمقراطيّة”.
تبدو عيترون متّجهة نحو معركة انتخابيّة من خلال تسعة مرشّحين بوجه لائحة الثنائيّ، يدعمهم الحزب الشيوعيّ، فيما يعمل الثنائيّ جاهدًا حتّى اللحظات الأخيرة على إقناع المرشّحين بالانسحاب
الثنائيّ يستبعد الشيوعيّين بعيترون
“في عيترون ثمّة 18 مقعدًا بلديًّا، في العام 2016 تمّ التوافق بين “الشيوعيّين” و”حركة أمل” و”حزب الله” على تأليف لائحة توافقيّة” بحسب ابن البلدة حسين مراد، الذي قال إنّ “ايجابيّاتها أكثر من سلبيّاتها وكانت هناك قناعة بأنّ الاستحقاق أكبر من أن يُخاض بوجه سياسيّ واحد، وقد سارت الأمور على ما يرام حتّى بدء الأزمة الاقتصاديّة وانهيار العملة الوطنيّة”.
وتابع لـ “مناطق نت”: “اليوم فُرض علينا هذا الاستحقاق الانتخابيّ في وقت عيترون فيه منكوبة، والانعكاس النفسيّ مع خطورة الواقع الأمنيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ سينعكس على واقع الانتخابات، إذ قرّر الثنائيّ اليوم خوض الانتخابات انطلاقًا من اتّفاق المحاصصة 11 للحزب وسبعة للحركة، بعد أن فشلت المساعي لائتلاف يضمّ الشيوعيّين ويحافظ على النسيج الاجتماعيّ لبلدة عيترون”.
أضاف مراد “بسبب تعنّت الثنائيّ والذي لا يمثّل بالطبع كلّ الشيعة، وإصراره على توجيه رسائل تعكس القوّة والوجود والنصر، من دون النظر إلى الواقع الذي يفرض علينا اليوم في أن نُرجّح كفّة العقل على المكابرة، وذلك بالعودة إلى حضن الدولة والمجتمع العربيّ، عسى أن ننجح وتنسحب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلّة وغيرها، فلم يعد اليوم أمام أبناء المنطقة الحدوديّة أهمّ من أولويّة العودة وإعادة التعمير”.
وعليه، تبدو عيترون متّجهة نحو معركة انتخابيّة من خلال ثمانية مرشّحين بوجه لائحة الثنائيّ، يدعمهم الحزب الشيوعيّ، فيما يعمل الثنائيّ جاهدًا حتّى اللحظات الأخيرة على إقناع المرشّحين بالانسحاب والفوز بالتزكية.
تبنين بمواجهة اللائحتين
لا يختلف المشهد في تبنين التي تضمّ الطائفتين الشيعيّة والمسيحيّة، عن غيرها من البلدات التي ستشهد مواجهات انتخابيّة، إذ ستتواجه لائحتان: لائحة “التنمية والوفاء” المدعومة من “الثنائيّ”، م٬لّفة من 18 عضوًا في مقابل لائحة مستقلّة غير مكتملة مؤلّفة من 13 عضوًا، يغلب عليها الطابع العائليّ، وتضمّ أصحاب خبرات وكفاءات في مختلف المجالات الإنمائيّة التي تحتاجها البلدة.
هيثم فوّاز، الرئيس السابق لنقابة أدلاء السياحة في لبنان، والذي سبق أن ترشّح في انتخابات العام 2016 ونال حينها 24 في المئة من أصوات المقترعين، يعود اليوم إلى خوض الانتخابات ضمن اللائحة التي شكّلها مع عدد من المستقلّين.
يقول فوّاز “بداية أعلنت ترشيحي انطلاقًا من خبرتي في العمل النقابيّ في مجال السياحة والسفر، وذلك وفق رؤية تتطلّع نحو نقل البلدة إلى مستويات أفضل، مع التأكيد أنّ خطّي السياسيّ هو عدائيّ لإسرائيل، وحليفي هو كلّ من يحاربها، وهويّتي هي انتمائي لوطني، فلا مجال للتخوين. الكلّ يعرف أنّني ضدّ نمط التفكير السائد ولست ضدّ أشخاصه”.
يتابع لـ “مناطق نت”: “ترشّحت في العام 2016 بهدف تثبيت موقف وحضور، ومنذ ذلك الوقت بنيت علاقات طيّبة مع مختلف النسيج الاجتماعيّ في البلدة. وكنت قد عرضت خدماتي – ومجّانًا – على البلديّة السابقة، ولكنّ استئثارهم بالرأي واستبعاد أيّ تعاون جعلني أعاود الترشّح في 2025، لأنّني أرى أنّه من حقّي أن أقدّم خدماتي، ومن حقّ أهل بلدتي أن يستفيدوا من رؤيتي. فالعمل البلديّ بالنسبة إليّ تنمويّ وليس سياسيّ”.
ويختم فوّاز قائلًا: ” تمتلك تبنين كلّ المقوّمات الثقافيّة والبيئيّة والتنموّية والاجتماعيّة لتكون بلدة جاذبة للسياحة على امتداد الوطن والعالم. أنا فقط أمارس حقّي الديمقراطيّ من منطلق وطنيّ، وربّما يُعزّز فرص نجاح لائحتنا التوافق الشخصيّ الذي أحظى به من أبناء البلدة والمرشّحين على اللائحة نفسها”.
القرى المسيحيّة ما بين بين
في القرى المسيحيّة التابعة لقضاء بنت جبيل، سلكت بلدة عين إبل طريق التوافق، إذ فازت بالتزكية من خلال لائحة منفردة ذات طابع عائليّ، بعيدًا من الاصطفافات الحزبيّة.
في رميش، تتنافس لائحتان بعد انقسام العائلات، ويُلاحظ أنّ كلتا اللائحتين اعتمدت صيغة لتوزيع ولاية الرئيس على أكثر من شخص، بحيث وزّعت لائحة الفترة على رئيسين والثانية على أربعة بالتناوب.
أمّا في بلدة القوزح، التي كانت من أكثر القرى تعرّضًا للأضرار خلال الحرب الأخيرة، فالوضع مختلف تمامًا. فبعد أن شهدت انتخابات في العام 2016، استمرّت البلديّة المنبثقة عنها سبعة أشهر فقط قبل أن تستقيل نتيجة خلافات حادّة واختلافات في الرأي، لتُدار شؤون البلدة منذ ذلك الحين بتكليف من قائمقام بنت جبيل، وسط غياب تامّ للمرافق الحيويّة، فلا مبنى بلديّ ولا صالات استقبال، ما زاد من تفاقم المعاناة في ظلّ غياب الإنماء، وتراكم الإهمال عبر ثلاثة استحقاقات بلديّة متتالية، إضافة إلى النزوح الطويل لأهلها نحو بيروت ومدن أخرى.
يقول شربل رزق، أحد أبناء القوزح: “سعيتُ إلى تأليف لائحة توافقيّة، مع غياب الحماس على الاقتراع بسبب الظروف العامّة والحرب الأخيرة. كنّا قد قطعنا شوطًا كبيرًا في مسار تشكيل اللائحة، لكنّنا فوجئنا بحماس الترشّح من قبل أطراف من البلديّات السابقة، ممّا أدّى إلى تشكيل ثلاث لوائح انتخابيّة”.

ويوضح أنّ “اللائحة الأولى كاملة مؤلّفة من تسعة أعضاء ومختار، والثانية غير مكتملة وتضمّ ثمانية أعضاء بدون مختار، أمّا الثالثة فمكوّنة من سبعة أعضاء مع مختار”. ويضيف: “بهذا الواقع، يبدو أنّ القوزح، التي يقدّر عدد ناخبيها بحوالي 450 صوتًا، تتّجه نحو استحقاق انتخابيّ فعليّ، سيقترع فيه أبناء البلدة في ساحة الكنيسة داخل غرف تابعة للوقف”.
دبل ورميش انتخاباتها عائليّة
أمّا في بلدتيّ دبل ورميش، فالمعركة الانتخابيّة تحتدم بكلّ معنى الكلمة، لكن بطابع مختلف، إذ يغلب عليها الطابع العائليّ وتغيب عنها الاصطفافات الحزبيّة بشكل شبه كامل.
في رميش، تتنافس لائحتان بعد انقسام العائلات، ويُلاحظ أنّ كلتا اللائحتين اعتمدت صيغة لتوزيع ولاية الرئيس على أكثر من شخص، بحيث وزّعت لائحة الفترة على رئيسين والثانية على أربعة بالتناوب.
أمّا في بلدة دبل، فالصورة لا تختلف كثيرًا، إذ تشهد بدورها منافسة بين لائحتين تمثلان مختلف العائلات، وكلّ واحدة منهما تضمّ ثلاثة رؤساء بالتناوب أيضًا، في نموذج يعكس مدى تعقيد التوازنات الاجتماعيّة والعائليّة التي تحكم الاستحقاق البلديّ في هاتين القريتين.
في بقيّة بلدات قضاء بنت جبيل، يواصل الثنائيّ الشيعيّ العمل الحثيث وعقد الاجتماعات المتواصلة بهدف تأمين تزكيات حيث أمكن، لضمان فوزه من دون خوض معارك انتخابيّة. ومع ذلك، تبقى بعض القرى مرشّحة للتوجّه نحو صناديق الاقتراع في حال تعذّر التوافق، وذلك في الموعد المحدّد للاستحقاق.
تعب وترقّب وتشعّب
تكشف التحضيرات الانتخابيّة في قضاء بنت جبيل عن مشهد انتخابيّ متشعّب، تتقاطع فيه العوامل السياسيّة بالعائليّة والاجتماعيّة. ففي حين يسعى الثنائيّ الشيعيّ إلى تثبيت نفوذه عبر توافقات وتزكيات، تظهر بوضوح محاولات مستقلّة وأخرى حزبيّة (لا سيّما من الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ) لخرق هذا الاصطفاف التقليديّ. في المقابل، تتقدّم العائلات في القرى المسيحيّة لتكون الحَكَم والمحرّك الرئيس، وسط واقع إنمائيّ هشّ وخراب خلّفته الحرب الأخيرة ولم تستفق هذه المناطق منه حتّى الآن.
بين العزوف الشعبيّ، والخيبات المتراكمة، وتراجع الحماسة، تبقى المشاركة في هذه الانتخابات مرآة لحال الجنوب اليوم: تعب وترقّب وتشعّب ومحاولات فرديّة لإعادة تعريف العمل البلديّ خارج الاستقطاب السياسيّ، لعلّ البلديّات تتحوّل إلى مساحات فعليّة لإعادة الإعمار والخدمة العامّة.
لا حماسة ولا طموح
تتكرّر التزكية في قرى كثيرة، كتعبير عن هيمنة سياسيّة لا تحتمل التنوّع، أو كحلّ عمليّ في غياب أيّ حياة ديمقراطيّة فاعلة. تُطبخ لوائح “توافقيّة” داخل الغرف المغلقة، فيما الناس في الخارج لا يشعرون أنّهم معنيّون. لا حماسة، لا طموح، ولا إيمان بأن هناك من سيُحدث فرقًا. حتّى الترشّح بات فعل تحدٍّ أو مبادرة فرديّة، أكثر منه مشروعًا تغييريًّا مدعومًا.
إنّه مشهد انتخابات باردة في أرض ساخنة، لا يُشبه صراع صناديق، بل أقرب إلى طقس عبور إجباريّ في حياة قرى لم تعد تشعر أنّ لها صوتًا. فهل نلوم الناس على غياب إرادتهم، أم نسأل من صادرها؟ وهل التزكية انتصار فعليّ، أم هزيمة خفيّة للحياة السياسيّة؟