انتفاضة الثانوي تقترب..وعود وزير “سد الرمق” للأساتذة ومكافآت السلطة للرابطة
يتجاذب انطلاقة العام الدراسي موقفان؛ فبينما يتمسّك الأساتذة بحقّهم في الإضراب اعتراضاً على ما آلت إليه أمورهم الحياتية المعيشية، اتخذت رابطة التعليم الثانوي في المقابل قرار العودة إلى الثانويات الرسمية، بعد مفاوضاتها الهزيلة مع الوزير. ما أفضى إليه الاتفاق مع وزير التربية، غيّب أصوات اعتراض الأساتذة وأنكر صرختهم التي يلحّون فيها على أنهم ليسوا هواة تعطيل، لكنهم يناشدون الالتفات إلى أحوالهم المزرية، وإيجاد حلول موضوعية لتدنّي أجورهم ورواتبهم وفقدانها أكثر من ٩٠ % من قيمتها الشرائية. ويستنكر الأساتذة الاستخفاف بحقوقهم من خلال العطايا والتقديمات الضحلة التي توصلت إليها الرابطة في جولتها المطلبية الأخيرة. هذه التقديمات التي أقر وزير التربية نفسه بأنها “لسدّ الرمق”.
الرابطة والأساتذة بين كر الاستبيان وفر المجالس العمومية
بعد اتفاق”سد الرمق” الذي أنجزته رابطة التعليم الثانوي، أصرّت الهيئة الإدارية الممددة لنفسها استمزاج آراء الأساتذة مستبدلة المجالس العمومية باستبيان إلكتروني، وهذا ما رفضه النقابيون المعارضون لأداء رابطة السلطة لأنه يطيح بأصول العمل النقابي وإجراءاته المعتادة. عكست نتيجة الاستبيان رغبة أكثر من ٧٠ % من الأساتذة بالاستمرار في المقاطعة وعدم العودة إلى التعليم. وعندما لم توافق النتيجة مزاج الرابطة ومكاتبها التربوية من ورائها، عادت لتطالب بانعقاد الجمعيات العمومية في الثانويات، طالبة من الأساتذة العودة عن قرارهم، محمّلة إياهم وزر ارتحال الطلاب من الرسمي إلى الخاص، مجتهدة فتوى نقابية مفصّلة على قياس التزامها ووعدها الذي قطعته للوزير، وهذه الفتوى هي “ربط النزاع” حتى تحقيق الوعود.
وفي حين تقتضي أصول التقليد النقابي، انتهاء الثانويات من المجالس العمومية ليبنى على الشيء مقتضاه، دعا عدد كبير من مديري الثانويات الأساتذة للالتحاق بالصفوف بدءاً من يوم الاثنين المقبل. حيث يبدو واضحاً أن الرابطة متجهة للضرب بعرض الحائط بنتائج الجلسات العمومية التي صوّتت بأغلبيتها ضد العودة إلى المدارس في مختلف ثانويات لبنان، غير آبهة لكسر إرادة قاعدتها، ومنتهكة إلى الحد الأقصى والفاضح والوقح التعبير الديموقراطي المشروع في العمل النقابي. وهذا ما يعكس الاتفاق بين ثالوث الوزير والرابطة وبعض المديرين المحسوبين على المكاتب التربوية لأحزاب السلطة. وهكذا بات الأساتذة وحدهم في مواجهة هذه الجبهة السلطوية، وصارت الرابطة امتداداً للسلطة وأداة لها، ففقد الأساتذة السقف النقابي الذي يستندون إليه ويفاوضون عبره ومن خلاله لنيل حقوقهم وتحصين موقعهم. وقد ظهر هذا الانكشاف المذل للأساتذة من خلال تهديد وزير التربية باتخاذ إجراءات محددة ضد المعلمين في حال لم يلتحقوا بثانوياتهم.
ويوصّف الأستاذ يوسف كلوت هذه التجاوزات والارتكابات التي تقوم بها الهيئة الإدارية المصادرة للرابطة بأنها”مهينة لجموع الأساتذة”، وهو يرى أن العودة عن الاستبيان هو لممارسة “ضغوطات مروّعة وسياسية على الأساتذة لإعادة التصويت”، ويلخص الأستاذ كلوت تصريح الوزير، بكونه معادلة جديدة للعبودية: العبودية مقابل سد الرمق”.
تعثّرات العام الدراسي ليست بسبب الإضراب وحده
ويلفت النقابي فيصل زيود، أنه لا يصح التصويب فقط على إضراب الأساتذة ومقاطعتهم العام الدراسي كحجر عثرة وحيد أمام انطلاقته.
فأخذ المسألة باتجاه الأساتذة وحصر المشكلة باعتراضهم المشروع، هو تعمية عن واقع تربوي متعثّر على أكثر من صعيد. والأساتذة الموضوعون في الواجهة ليسوا السبب الوحيد لإعاقة بداية التعليم. فالعراقيل كثيرة، لا سيّما في المدارس الرسمية التي ستواجه مشكلة غلاء أسعار المحروقات ما سيصعّب انتقال الأساتذة وسيشل قدرة المدارس على التشغيلات داخلها، كما أن كلفة التنقل ستكون باهظة وتثقل كاهل الأهالي والطلاب.
أعطاب بنيوية عميقة تشلّ النظام التعليمي
يستغرب النقابي حسن مظلوم حصر الاستعصاءات التربوية الراهنة في لحظتها الحاضرة التي ليست سوى نتيجة لتراكم أزمات التربية التي راكمتها السياسات التربوية المتعاقبة. هذه السياسات عمدت قاصدة إلى إضعاف التعليم الرسمي وإفقاره، وإهمال المدرسة الرسمية وعدم الاهتمام بتطويرها من ضمن خطة رؤيوية مطوّرة لها. وهذا الإفقار بحسب مظلوم ممنهج ومقصود، يهدف إلى إضعاف المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية لإنعاش المدارس الخاصة. والدليل على ذلك هو ما يتم تداوله والتهيئة له عبر قانون يدعم قطاع التعليم الخاص ورواتب معلميه من الهبات والمساعدات الخارجية، في المقابل سيحصل التعليم الرسمي على دعم ضئيل ومحدود.
من هنا يطالب مظلوم روابط التعليم الرسمي بأن تقوم بدورها في المطالبة ليس بحقوق المعلمين والأساتذة فقط، بل وأيضا بدعم التعليم الرسمي وإنهاضه وإنقاذه من التراجع والانهيار. وبما أن الروابط الحالية غير قادرة ولا تمتلك أصلاً لا الإرادة ولا القدرة ولا النية على التصدي وقيادة معركة الحقوق والتعليم، فلتتنح وتستقيل.
هذا ومن المفترض أن تشهد رابطة التعليم الثانوي انتخابات متدوبيها في الشهر المقبل، فعسى أن ينتفض الأساتذة الثانويون أسوة بالمهندسين وبنقابات أخرى، لتستعيد قرارها النقابي المستقل، الذي بامتلاك زمامه تستعيد دورها النقابي التاريخي الطليعي.