بسبب الحرب في الجنوب قطاع الدواجن يزدهر بقاعاً
أدّى العدوان الإسرائيليّ المستمر على لبنان منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى تضرّر مزارع الدواجن والدجاج في الجنوب وتوقّفها عن الإنتاج في رميش وعيترون وعيتا الشعب ويارون وبنت جبيل وميس الجبل وبليدا وغيرها، ما أحدث خضّة كبيرة في سوق الفرّوج والبيض، نتيجة ارتفاع الطلب وانخفاض العرض، فكانت طفرة كبيرة نشهدها اليوم في مزارع البقاع الشماليّ.
إذا هبت رياحك فاغتنمها
يقول “أبو علي” عبدو الحجيري في حديث لـ”مناطق نت”: “بدأت العمل في هذا القطاع منذ خمس سنوات، من هواية شخصيّة ورأس مال متواضع، إذ لست متموّلًا لأقوم بمشروع اقتصادي كبير. استأجرت مزرعة وبدأت بكمية محدودة، بنحو ألفي طير، والحمدالله الأمور سارت في السليم. حصلت بعض الانتكاسات سابقًا، أمّا اليوم فنجني أتعابنا والحال مستورة”.
يتابع أبو علي الحجيري: “بعد الحرب في الجنوب إرتفع الطلب كثيرًا على الفرّوج، وبات هامش الربح أكبر بأضعاف، فورًا قمت باستئجار مزرعة ثانية ورفعت العدد إلى عشرة آلاف طير، وبإذن الله سأبدأ قريبا ببناء مزرعتي الخاصّة”.
وبالاستفسار عن علاقة الحرب الواقعة منذ ستة أشهر بنمو مزرعته، يقول الحجيري: “نحن لا نتمنّى الأذيّة لأيّ إنسان كائنًا من كان، فكيف لأهلنا أبناء بلدنا؟ نتمنى توقّف الحرب والإجرام علينا جميعًا، أمس قبل اليوم، تفرحنا عودة الناس إلى بيوتها ومزارعها وأعمالها وأرزاقها، الرازق هو الله وهذا ما حصل معنا، وكما يقول المثل: “إذا هبّت رياحك فاغتنمها” وبسبب ما حصل في مزارع الجنوب، صار علينا تغطية احتياجات السوق، وهذا يحتاج إلى رفع رصيد الإنتاج والمواد الأولية”.
نموّ سريع بسبب الحرب
ليس إنتاج الفرّوج حكرًا على المتموّلين وكبار التجّار، بل يمكن الانطلاق به ثم العمل عليه وتطويره. في هذا المجال يقول نوفل كرنبي مدير مؤسّسة صوان للتجارة، والعمود الفقريّ لإنتاج الفرّوج في منطقة عرسال البقاعيّة لـ”مناطق نت”: “نحن حاليًّا نشكّل عصب القطاع في بلدتنا، لكن عندما بدأنا العام 1996 كانت مزرعتنا متواضعة، سواء بالفرّوج أو الأبقار والأعلاف، بالجدّ والاستمراريّة وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، مثلًا في أذار/مارس الماضي كانت دورة الإنتاج في بلدتنا لا تتجاوز 100 ألف فرّوج، أمّا حاليًّا فبلغت 400 ألف والعدد سيتضاعف قريبًا”.
وعن هذا النموّ السريع يقول كرنبي: “هما سببان وليس واحدًا، الأول من الحرب في الجنوب التي قضت على المزارع وإنتاجها هناك، أمّا الثاني فكلفة إنتاج الفرّوج في سوريا باتت أكبر بكثير من لبنان، اليوم نحن نبيع الفرّوج اللبناني في السوق السوريّة وليس العكس، كما كان سائدًا سابقًا”.
لا تهربوا من أوّل خسارة
حول كيفية تطوير القطاع وضمان استمراره يقول كرنبي: “هذا الأمر منوط بالمنتجين وليس بفرد، منذ أشهر جاءني عدد من الشباب من عمال المناشر بعد توقف قطاع الحجر، بدأوا الإنتاج بأعداد متواضعة بألف فرّوج وألفين، قمنا بمساعدتهم بكلّ ما يحتاجونه، من لحظة شراء الصوص إلى بيع الفرّوج، أمّنا لهم الأعلاف والدواء والطبيب والتاجر المشتري، لكن الاستمرار قرارهم وحدهم وليس قراري”.
ويلفت إلى “أنّني سأبدأ قريبًا بمشروع “الفقّاسة” ما يمكّننا من تأمين 600 ألف فرّوج في الدورة الواحدة، لذلك أدعو المربّين وخصوصًا الصغار والمتوسّطين، إلى عدم الهروب عند أوّل خسارة، هذا القطاع يشهد صعودًا وهبوطًا والشاطر الناجح من يصل إلى الحساب السنويّ وليس إلى فوج واحد أو فوجين”.
نوفل كرنبي: سأبدأ قريبًا بمشروع “الفقّاسة” ما يمكّننا من تأمين 600 ألف فرّوج في الدورة الواحدة، لذلك أدعو المربّين وخصوصًا الصغار والمتوسّطين، إلى عدم الهروب عند أوّل خسارة.
يختم كرنبي حديثه: “إنّ طفرة الفرّوج في الأشهر الأخيرة كان لها وجه جميل أيضًا، في العلاقات الاجتماعيّة وليس اقتصاديا فحسب. إنّ أكثر من نصف المنتجين من أبناء بلدتنا استأجروا مزارع في القرى والبلدات المجاورة لنا، مثل النقرة ومقراق والبزّالية والنبي عثمان وجديدة الفاكهة، ومنهم من تشارك مع أصحابها، وهذا يساهم في تقارب الناس من بعضها البعض وإزالة رواسب السنوات الماضية”.
تحوّل وجهة رأس المال
لقد عدّلت طفرة إنتاج الفرّوج وجهة أصحاب الرساميل والتجّار، خصوصّا بعد التوقّف القسريّ لقطاع الحجر الصخريّ الذي كان يشكّل جنوب لبنان سوقه الأولى.
يعمل رجل الأعمال الشاب رشيد الحجيري بمساعدة والده وشقيقه المقيمين في فرنسا على إنتاج الحجر وتجارة لوازمه من آليات وجرّافات ومولّدات وغيرها؛ اتّجه أخيرًا مثل كثيرين من أبناء المنطقة إلى قطاع إنتاج الفرّوج، عن ذلك يقول لـ”مناطق نت”: “كأن لم تكفنا أزمة البلد منذ سنوات، حتّى جاءتنا الحرب رصاصة موت، خربت بيوت الناس، مصالحنا كلّها تعطلّت، 4 آلاف عامل في قطاع الحجر باتوا في بيوتهم، فهل سنبقى مكتوفي الأيدي؟ دخلت هذا القطاع نتيجة ازدهار سوقه والطلب عليه، أكملت بناء مزرعة تتّسع لـ 15 ألف فرّوج، قابلة للتكبير بإذن الله، وتدخل في غضون أيام مرحلة الإنتاج والتوفيق من الله تعالى”.
يتابع رشيد الحجيري: “كنا مخطئين في تركيز أعمالنا واستثماراتنا في قطاع الحجر لوحده، بدلًا من تنويع مصادر الدخل. يمكن قطاع الدواجن سواء الفرّوج أو الأبقار أن يفتح لنا ثغرات في الجدار. كثيرون ممّن توقّفت أرزاقهم في الحجر سينحون باتجاه العمل في مزارع الدواجن لتأمين لقمة عيشهم وكفاية بيوتهم، كذلك متاجر الأعلاف والأدوية الحيوانيّة والأطباء البيطريّين، إضافة لتجّار مواد البناء والعاملين فيها”.
حول الديمومة يقول الحجيري: “دخلت إلى هذا القطاع لأبقى فيه، سأسعى كي أصل إلى إقامة مسلخ أيضًا. أتمنّى ممّن يتجهون للاستثمار فيه أن نتعاضد ونتعاون جميعًا للعمل بطريقة عقلانيّة علميّة تتجلّى باستشارة خبرائه واستخدام العمال من ذوي الخبرة والكفاءة، وأن نسعى إلى تطويره وأخذه في الطريق الصحيح ليشكّل مع غيره من الأعمال طوق نجاة للجميع”.
تريّث في مزارع الهرمل
تعرّض أصحاب المزارع في الهرمل إلى خسائر كبيرة بعد انهيار قيمة الليرة اللبنانيّة، توقفوا عن الإنتاج منذ سنوات قليلة وخوفهم لمّا يزل مستمرًّا. يوضح مدير مكتب وزارة الزراعة في الهرمل وصاحب مزرعة لإنتاج الفرّوج الأستاذ غازي ناصر الدين “أنّ منتجي الفرّوج في قضاء الهرمل ما زالوا تحت تأثير سلبيّات السنوات السابقة، إذ وقعوا في خسارات كبيرة، لذلك هم اليوم في حالة ترقّب وقلق، نسبة قليلة منهم غامرت في العودة، بفعل نشاط السوق أخيرًا، لكن غالبيتهم يتريّثون مؤثرين انجلاء الصورة”.
أمّا عن تشجيعهم العودة إلى الإنتاج وفتح مزارعهم، يقول ناصر الدين لـ”مناطق نت”: “كجهة رسميّة نحن لا نستطيع تبنّي أيّ خيار غير صادر عن الوزارة بشكل رسميّ، خصوصًا أنّ الموضوع فيه مغامرة، فهو قد يحقّق الأرباح، لكن في الوقت عينه احتمالات الخسارة موجودة، وقد يسبّب خسائر كبيرة لا يتحمّلها المزارعون، لذلك الأمر رهن التقدير الشخصيّ..
ضرورة الوعي والإنتباه
الحياة ليست أحلامّا وردية، وليست كلّها أرباحًا صافية، فعدم الانتباه والاستماع للمتخصّصين قد يكلّف ثمنًا غاليًا. يقارب الطبيب عمر نوح عمليّة انتاج الفرّوج بالتروّي والهدوء “وليس كما يفعل البعض الآن بطريقة الطفرة العشوائيّة”.
ويضيف في حديث لـ”مناطق نت”: “إنّ عمليّة الإنتاج السليمة لها مسار واضح، تبدأ من تجهيز المكان بالطرق العلميّة السليمة، كالتدفئة وأدوات الأكل والشرب ونوعيّة الأعلاف والأدوية ومقاديرها وغيرها”.
ويتابع نوح: “القصّة بدأت عندنا كموجة سريعة، فظنّ كثيرون أنّها مجالًا سريعًا للربح لكن في الحقيقة قد تكون خسائرها كبيرة أيضًا، في حال الارتجال والعشوائيّة، أمّا إذا أردنا بناء قطاع اقتصاديّ ناجح وسليم فهناك عدّة خطوات يجب اتّباعها:
– اختيار الأماكن الدافئة لبناء المزارع، لأن مناخنا شبه صحراويّ، وشتاءنا باردٌ جدًّا تتدنى فيه درجات الحرارة ويتشكّل الجليد، وهذا يشكّل خطرًا كبيرًا على الفرّوج، ويزيد تكاليف الإنتاج أيضًا، ولا أنصح بالربط خلال أشهر الشتاء.
– تدريب اليد العاملة المتخصّصة لأنّنا غرباء عن هذا القطاع، وقلّة قليلة منا تعرف آلية العمل به.
– اختيار التوقيت السليم للإنتاج، مثلا الصوم عند الأخوة المسيحيّين يقلّل استهلاك اللحم والبيض بينما يزيد في رمضان، كذلك مواسم الأعياد والسياحة وغيرها.
– اختيار الصوص الجيّد لأنّ بعض الموردين لا يعملون على تجديد الأمّهات بشكل دوريّ علميّ ما يشكّل خطرًا على وزنه وحياته”.
تقييم
وحول رؤيته لسير عمل القطاع يقول نوح: “قبل مرور سنة لا يمكننا التقييم فعليًّا، لأنّ المعرفة به ضئيلة عند الأغلبيّة، وأكبر مثال أنّ الصيدليّة البيطريّة عندنا عمرها أشهر معدودة، كثيرون سيملّون إذا خسروا فوجًا أو فوجين”.
في المحصّلة، يسمع المواطن اللبنانيّ منذ سنوات طويلة عبارة تتكرّر على الألسن: “البلد على كفّ عفريت”. لكن لا البلد مات، لا العفريت رحل، ولا الظروف غدت طبيعيّة، لذلك سيبقى اللبنانيّ ملزمًا بالتجارب من أجل الاستمرار، بانتظار فرج ما، قد يأتي وربّما لن يأتي.