بعد العودة أيّ حياة في قرى الحافّة الأماميّة؟
لم ينتظر أبناء عديد من قرى الحافّة الأماميّة الجنوبيّة التي بقيت محتلّة على رغم انتهاء مهلة الـ 60 يومًا التي تضمنها الاتّفاق بين لبنان و”إسرائيل” برعاية أميركيّة وفرنسيّة ومصريّة لانسحاب القوّات الإسرائيليّة من القرى التي احتلّتها بعد الحرب المدمّرة التي نفذتها على لبنان، وتحديدًا في المناطق الجنوبيّة الحدوديّة؛ حتّى هرولوا عائدين إلى مساقط رؤوس الأهل والجدود ومساقط رؤوسهم التي غادروها قسرًا منذ أكثر من سنة وعدّة أشهر.
لكنّ هذه العودة اصطدمت بمجموعة معوّقات، نغّصت عليهم فرحتهم وأشواقهم إلى الأرض التي ولدوا عليها وترعرعوا في أرجائها، منها أوّلًا عدم انسحاب قوّات العدوّ من عدّة قرى وبلدات احتلّوها أو أعادوا احتلالها بدل انسحابهم في إبّان فترة مهلة الاتّفاق، وقاموا بتدمير مزيد من البيوت وتجريف أحياء وطرقات؛ وثانيًا استخدام جنود العدو المتمترسين في هذه القرى النيران والرصاص القاتل لمنع عودة الأهالي إلى قراهم ممّا أدّى إلى سقوط ما لا يقلّ عن 25 شهيدًا وعشرات المصابين في حصيلة غير نهائيّة، ناهيك ثالثًا بأنّ التدمير الممنهج الذي اعتمده الإسرائيليّون طوال أكثر من سنة ومن خلال الاحتلال المباشر جعل الحياة في هذه البلدات والقرى مستحيلة أو غير صالحة للعيش في المدى المنظور.
عيتا الشعب منكوبة
يقول رئيس بلديّة عيتا الشعب محمّد سرور لـ “مناطق نت”: “عدت إلى عيتا الشعب ثمّ تركت، لا يمكن البقاء فيها، فالوضع مأسويّ هنا، والناس على قدر فرحتها بالعودة وبحفظ حقّها في أرضها ووطنها، لكن في المقابل ثمّة نوعًا من الإحباط يخيّم على الجميع، إذ لا يمكن الاستقرار في البلدة أكثر من ساعتين ولا مكان حتّى للجلوس إلّا خارج البيوت وعلى الحجارة، فلا مقوّمات للحياة، بعدما قتلها الأسرائيليّون عن عمد، هكذا يشعر الناس”.
وحول حماسة الناس في العودة يضيف سرور “يمكنني القول إنّ إرادة الشعوب وثبات الناس أقوى من الرصاص والبارود والسلاح، هذا العناد يكرّس الولاء الوطنيّ الصحيح ويعطي الكرامة للأرض والوطن، ويحفظ الهويّة ويحافظ عليها ويحترمها في مسألة الانتماء ومعناه، وبالتالي هذا هو القرار السياديّ، وهذه هي السيادة الحقيقيّة في أن تحبّ وطنك وتعشقه وتحافظ على أرضه وأن يكون ولاؤك للمؤسّسات، وهنا العزّة والكرامة”.
ويلفت إلى أنّ “حجم الدمار لا يقلّ عن 90 في المئة، فهناك بيوت لم تزل منتصبة واقفة، هكذا تراها من بعيد، ولكن عندما تقترب منها ستجدها إمّا محترقة بالكامل أو متصدّعة وهذه غالبيّة بيوت عيتا الشعب، وهناك حذر شديد من الدخول إليها بسبب التصدّع وإمكانيّة سقوطها. نظنّ أنّ جيش العدو كان يلقي قنابل حارقة في هذه البيوت أو يطلق الرصاص على الجدران أو يفرغ البيوت من محتوياتها ويسرقها، حتّى باتت البلدة منكوبة بكلّ ما للكملة من معنى”.
مهلة للاحتلال والتدمير
ويشير إلى أنّ البنى التحتيّة دمّرت بالكامل “لا أنابيب للمياه، وشبكة تحت الأرض ماذا يريدون منها؟ لقد جرفوها بالكامل واقتلعوها. وبعد جولة على أحياء البلدة برمّتها يمكن معاينة تدمير المدارس والدوائر الصحّيّة والمساجد، كلّ ما في البلدة تعرّض للتخريب المتعمّد وجعله غير صالح، لذلك من حقّ الناس أن تُحبط وتسأل أصحاب القرارات في حفظ حقوق الإنسان: أين هم هؤلاء ممّا فعلته إسرائيل في قرانا؟ معظم عيتا الشعب دمّر بالكامل بعد وقف إطلاق النار ومهلة الـ 60 يومًا التي منحت لإسرائيل كي تنسحب، وبدل أن تفعل ذلك احتلّت قرانا ودمّرتها وجرّفتها. لقد فلحوا الشوراع والطرقات بحيث لا يمكن عبور السيّارات إلى وسط البلدة”.
رئيس بلديّة عيتا الشعب محمّد سرور: حجم الدمار في عيتا الشعب لا يقلّ عن 90 في المئة، من بينها البنى التحتيّة التي دُمّرت بالكامل، إذ لا أنابيب للمياه، وشبكة تحت الأرض جرفوها بالكامل واقتلعوها، إضافة إلى تدمير المدارس والدوائر الصحّيّة والمساجد، كلّ ما في البلدة تعرّض للتخريب المتعمّد وجعله غير صالح
ويضيف رئيس البلديّة سرور “لم يبقِ جيش الاحتلال على بنى تحتيّة في عيتا الشعب، لا كهرباء ولا مياه، حتّى خزانات المياه التي تغذي الشبكة تمّ تدميرها وهي تتّسع لمئات البراميل. لذلك نناشد المجتمع الدوليّ الذي يدّعي الحفاظ على حقوق الإنسان والجمعيّات التي تهتمّ بالبيئة أن يأتوا ويعاينوا ماذا فعل الإسرائيليّون بقرانا ومناطقنا- يا ويلهم من الله- أحرقوا الأحراج وأحدثوا خللًا بالطبيعة، والسلسلة الغذائيّة تبدّلت بشكل تام”.
أبناء عيتا مرتبطون بالأرض
لا ينفي سرور إمكانيّة عودة الناس إلى عيتا الشعب و”السكن بخيم لو أرادوا، وهي ليست صعبة عليهم، فالناس هنا صادقة مع نفسها، وما يميّز عيتا عن بقيّة مناطق الجنوب أنّها تتكوّن من مجتمع زراعيّ كامل، يعتمد على الزراعة في أساس عيشه وليس على الهجرة مثلًا، لذلك أبناء عيتا مرتبطون بالأرض، يعيشون ويسكنون فيها ويحرثون ويزرعون، وبشكل أساسيّ زراعة التبغ وإدارة الريجي تعلم بذلك وبأنّ مقومات إنتاج التبغ جنوبًا تعتمد على عيتا الشعب وعيترون ورميش، وهم لا يشكون من تعب، ومن أسف شديد لقد خسر أبناء البلدة موسمين زراعيّين متتاليين”.
ويختم سرور “على رغم كلّ ما حصل، أبناء عيتا سيعودون إليها متى يتاح لهم ذلك، وعندما يجدون يدًا تبني معهم، وأنا واحد منهم سأعود. عندما يخرج الإنسان قسرًا من بيته يصبح قلقًا، ومن يقل لكم إنّنا كنّا لا ننام منذ سنة وأربعة أشهر صدّقوه، مرّت أيّام علينا كالجحيم”.
تدمير الحياة الاقتصاديّة بالخيام
“قطَعت، والعدوّ إلى هزيمة، والناس سيستكملون التحرير ولن يبخلوا بتقديم أرواحهم على مذبح الوطن كي يدحروا الاحتلال، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى، والخزي للمجتمع الدوليّ الذي يراقب ولا يردع” بهذه الكلمات يستهلّ رئيس بلدية الخيام المهندس عدنان عليّان الحديث لـ “مناطق نت” ويردف ردًّا على سؤال حول حال مبنى بلديّة مدينة الخيام: “لم يبقَ من بلديّة الخيام غير هيكل البناء من الخارج، فهم دخلوا إليها ودمّروا أعمدة المبنى السفليّة ولم يبقَ منها غير الحديد، وهوى سقف الطابق السفلي وبات غير آمن، بينما سقط الدرج الذي يوصل الطبقات بعضها ببعض، المبنى آيل للسقوط ولذلك يجب هدمه وإعادة بنائه من جديد”.
أمّا حجم الدمار بتقدير المهندس عليّان “فيراوح بين 10 و15 في المئة إذا ما وزّعناه على كامل مساحة الخيام، مع أنّه يبدو ضخمًا، وذلك لأنّ الخيام مساحتها كبيرة جدًّا وواسعة وفيها نحو 6000 وحدة بنائيّة لكنّ العدوّ طال بشدّة البنية الأساسيّة في المدينة، أيّ الشارع الاقتصاديّ والمؤسّساتيّ فيها من المعتقل جنوبًا إلى حيّ الجلاحيّة، دمّر عن قصد المؤسّسات والمتاجر والبيوت والبنايات والمدارس: التكميليّة والمهنيّة والدور التربويّة والثقافيّة والرياضيّة، والمراكز الصحّيّة، حتّى المكتبة العامّة لم تسلم وكان فيها 11 ألف كتاب ومبناها تراثيّ، ومبنى مؤسّسة عامل الدوليّة ومركز الهيئة الصحّيّة ولم يتركوا شيئًا”.
إعادة تعمير متكاملة
ويضيف المهندس عليّان حول البنية التحتيّة في الخيام: “لقد جرفت بأكملها وهي تحتاج إلى الدولة كي تعيد بناءها إذ لا قدرة للبلديّة على ذلك. فشبكة الكهرباء لم تعد موجودة وتعلم شركة الكهرباء بذلك فنحن نحتاج إلى شبكة جديدة وإعادة زرع أعمدة، سنواكب وندعم ذلك لكن نحتاج إلى ميزانيّة من الدولة. لقد أراد الاحتلال قتل الحياة في الخيام، فلجأ إلى التدمير وتجريف الطرقات والشوارع. الوسط التجاريّ والسكنيّ في المدينة يحتاج كلّه إلى بناء من جديد، وكأنّه لم يكن سابقًا”.
ويشير إلى أنّه “لو افترضنا تمّت إعادة المياه والكهرباء وشبكات الاتّصالات إلى الخيام خلال شهرين أو ثلاثة، لكن تبقى مشكلة المدارس والمراكز المختلفة وعمليّة بناء البيوت المهدّمة، وهي تحتاج إلى وقت كبير كي نستعيدها وإلى ورش ضخمة وإلى معماريّين وبنّائين. لذلك الأمر بحاجة إلى دول تدعم الدولة اللبنانيّة كي تتمكّن من ذلك، إذ لا يكفي التعويض على البيوت المهدّمة والمدمّرة والمتضرّرة من دون إيجاد البنى التحتيّة التي تحتاج إلى أكثر من مليون ونصف مليون دولار، عودة الحياة إلى الخيام لا يمكن تجزئتها بل تحتاج إلى تكامل وتلازم”.
منذ أيام قليلة شيّع رئيس البلديّة والعائلة عمّته ليلى عليّان التي رفضت مغادرة البلدة وبقيت صامدة، فيما انقطعت اتّصالات العائلة فيها مدّة ثلاثة أشهر حتى عثر على جثمانها شهيدة في بيت “أبو خليل الخيّاط” المجاور لمنزل ابن شقيقها رئيس البلديّة.
العودة المستحيلة إلى الخيام
تروي الناشطة الاجتماعيّة صباح أبو عباس حكاية العودة إلى الخيام فتقول: “لحظة ولوج الطريق العام باتّجاه الخيام يبدأ العدّ العكسيّ من فرح العودة، لحظة مشاهدة المنازل والأبنية المدمّرة. تجد عائدين هنا وهناك يتفقّدون البيوت أو يجلسون في وسط الدمار، فثمّة من عضّ على الجرح وتقبّل الواقع، وثمّة من لم يتمالك نفسه فانهار وبكى على ما حلّ بالخيام. نصل إلى الساحة وهناك وقع الصدمة أكبر بكثير، أصلًا الطرقات إليها لم تعد هي نفسها، كما كانت سابقًا قبل الحرب، ولم تعد تكفي لعبور سيّارتين في الاتّجاهين من شدّة الضيق والازدحام”.
صباح أبو عباس: لحظة ولوج الطريق العام باتّجاه الخيام يبدأ العدّ العكسيّ من فرح العودة، لحظة مشاهدة المنازل والأبنية المدمّرة. تجد عائدين هنا وهناك يتفقّدون البيوت أو يجلسون في وسط الدمار، فثمّة من عضّ على الجرح وتقبّل الواقع، وثمّة من لم يتمالك نفسه فانهار وبكى على ما حلّ بالخيام.
وتتابع أبو عباس توصيفها لـ “مناطق نت”: “من باحة النادي الحسينيّ ومركز محمّد الطويل الثقافيّ يتّصل الدمار بالجهة الشرقيّة بشكل لا يصدّق، أحياء بأكملها سوّيت بالأرض، من ساحة الخيام حتّى الشارع الشرقيّ التحتانيّ، الركام متواصل كومة واحد من حجارة وأشلاء بيوت ولا يمكن إحصاء البيوت التي انهارت بكاملها، ولا يمكن أحد أن يعرف حدود بيته أو أرضه، ربّما ستحتاج الناس إلى مسح جديد لتبيان حدود العقارات وتفصل البيوت وحدائقها”.
أكوام من خراب
وتشير أبو عباس إلى أنّ “البيوت غير المهدّمة لا تصلح للسكن، دخلتُ إلى بيتي، رأيت الحيّ خلفه مدمّرًا بالكامل، لكن بيتي أصيب بقذيفة ربّما حارقة أو فوسفوريّة، لم تبقِ من أثاث غرفتين احترقتا شيئًا، كانت تحتويان على أغراض تكفي سبع غرف، لم يبقَ من أثرها أثر، كلّ شيء فيها ذاب حتّى البراغي ومسكات الحديد”.
وتجزم أنّه “لا مجال للمقارنة بين ما حلّ بالخيام في الحرب الأخيرة وبين ما جرى في عدوان 2006، كتبت على صفحتي –فايسبوك- ما حلّ بالخيام رأيناه في ستالينغراد وبرلين في الحرب العالميّة الثانية من خلال شرائط مصوّرة، وما استخدم من قنابل في العدوان الأخير لم يستخدم بأيّ حرب أخرى، ليس بالحرب العالميّة الثانية أو في حرب 2006، الدمار هائل جعلت الأبنية أكوامًا من خراب”.
جيش يدمّر ويخرّب
وتؤكّد أبو عباس أنّ إمكانية العيش “غير ممكنة في الخيام، أصلًا لا وجود لشبكات المياه والكهرباء ولن تكون موجودة في المدى المنظور. والجرّافات فلحت الطرقات وجرّفتها ولم تبقِ فيها حتّى شبكات الصرف الصحّيّ، لذلك الخيام تحتاج إلى بنى تحية كاملة وجديدة، ومن دونها لا يمكن الأهالي العودة إلى ما تبقّى أو سلم من بيوتهم، ثمّة أمور كثيرة كي تنتظم الحياة في المدينة وتحتاج إلى وقت طويل ومبالغ كثيرة”.
وتوصّف أبو عباس البيوت التي دخل إليها الجيش الإسرائيليّ “وعاث فيها تخريبًا وحرقًا، بخاصة في الجهة الشرقيّة من الخيام، لا همج ولا تتر ولا مغول فعلوا ما فعله الجنود الإسرائيليّون في بيوتنا، كسّروا كلّ شيء، لوّثوا الجدران، أخرجوا الثياب من الخزائن وصبّوا فوقها خوابي الزيت، خلطوا المؤن بعضها ببعض حتّى لا يمكن من يعود إلى بيته أن يجد ما يعينه على البقاء. دمار وخراب في كلّ مكان يضاف إليهما تكسير زجاج النوافذ والأبواب، لقد جعلوا البيوت غير صالحة للسكن. لا أتصوّر أن يستطيع أبناء الخيام السكن فيها قبل سنة أو سنتين، فإمكانيّة الحياة معدومة حاليًّا، خصوصًا وأنّنا في فصل الشتاء والبيوت مشرّعة على الفضاء”.
حولا والحرّيّة المخضّبة بالدماء
لم تكن محاولة العودة إلى حولا من دون تضحيات، إذ سقط صباح الأحد الفائت ثلاثة شهداء من أبنائها و10 جرحى و4 أسرى وهم يحاولون الدخول إلى بيوتهم وبلدتهم التي كمن في أزقتها جنود العدو ليقتلوا ويأسروا ويمنعوا عودة الحياة إلى ربوعها.
من بين العائدين الزميل الإعلامي والمهندس الفنّان طارق مزرعاني يؤكّد أنّ “محاولة العودة جاءت مخضّبة بدماء أبناء حولا، ولذلك لم تكتمل الفرحة، بل عمّ الحزن من جديد، وهو لم ينقطع أصلًا على جميع من سقطوا خلال سنة وأشهر عدّة من الحرب المتواصلة”. وأضاف لـ “مناطق نت”: “الدمار طال نحو 50 في المئة من حولا، ويتركّز في الجهة الشرقيّة منها وكلما اقتربنا من موقع العدو في العبّاد. الطريق العام إلى حولا، من حدود بلدة مركبا وحتّى المدرسة الرسميّة كلّ ما على جانبيه من أبنية ومتاجر ومؤسّسات دمّرت بالكامل، لكنّ حولا تبقى أفضل حالًا من كفركلا وعيترون وميس الجبل وعيتا الشعب”.
ويروي الزميل مزرعاني أنّ الطريق الصالحة للدخول إلى حولا من جهة الغرب “من شقرا، وادي السلوقي والحجير، كلّها مفلوحة والعبور فوقها صعب جدًّا، تمّ تجريفها بالكامل. الناس تحمّست للعودة، لكنّ إمكانيّة الحياة معدومة في حولا وجاراتها، حتّى لو قال البعض إنّه سوف ينصب خيمة على أنقاض بيته ويسكن في حولا. من يفكّر جدّيًّا بالعودة والسكن يعلم تمام العلم أنّ العيش في حولا مستحيل حاليًّا وليس قبل سنة أو سنتين، خصوصًا أصحاب البيوت المدمّرة، هذا إذا بدأت عمليّة دفع التعويضات للناس كي تصلح بيوتها المتضرّرة أو تعيد بناء ما تهدّم”.
أين مقوّمات الحياة؟
ويستبعد المهندس مزرعاني أن يلجأ الناس إلى السكن في بيوت جاهزة (كونتينرات) “لا يمكن لعائلة كاملة أن تسكن في بيت جاهز، إذ تحتاج إلى مقوّمات من ماء وكهرباء وخزّانات وجور صحيّة وربّما تضاهي كلفتها كلفة بناء بيت جديد، ولا أعتقد أنّ الدول المانحة لو مدّت يد العون أن تعوّض مرّتين، مرّة من خلال بيوت جاهزة ومرّة في إعادة بناء البيوت المدمّرة؛ وإذا جرى تأمين بيوت جاهزة، فأين المدرسة؟ وأين الدكاكين والمتاجر والطرقات وكلّ ما يحتاجه الإنسان للعيش في أيّ قرية أو مكان؟”.
ويأسف مزرعاني من أن “طبقة المزراعين من أبناء حولا رحلوا شهداء أو موتى في خلال الحرب ولم يعد منهم من يعيد نكهة الحياة الزراعيّة إلى حولا. إنّ كثرًا من أبناء حولا يفكّرون في السكن خارج المنطقة الحدوديّة، في منطقة النبطية أو في العاصمة بيروت، وبعضهم بدأ بذلك بعدما نقل مؤسّسته أو متجره إلى خارج البلدة ويسعى لأن يستمرّ بذلك. لن تعود الحياة إلى سابق عهدها في حولا، على الأقل قبل سنتين أو ثلاث هذا إن عادت، إذ إنّ مؤسّسات كثيرة منيت بخسائر جسيمة والدولة لن تعوّض على أصحابها، أمّا أصحاب البيوت المدمّرة، فلو أتيح لهم البناء على غير العقارات المستهدفة بالتعويض فلن يتردّدوا لحظة، وهذا ما سيشجعهم على ترك حولا إلى أمد طويل”.