بعد دمار سوقها ارتفاع إيجار المحلات يرهق تجّار النبطية

لم يقع أثر الحرب والغارات الإسرائيليّة على الآمنين في بيوتهم والحجر فقط، ولم يتوقّف عند مشهد الركام والخراب، بل تمدّد إلى ما هو أعمق وأكثر قسوة، إلى أرزاق الناس وسبل عيشهم. ففي كلّ يوم تتكشّف تبعات إضافيّة ما زالت تتفاقم وتثقل الحياة اليوميّة للسكّان، وبخاصّة على الصعيدين الاجتماعيّ والاقتصاديّ، حيث طالت انعكاسات الحرب القطاعات الاقتصاديّة التجّاريّة وأصحاب المصالح في واحدة من أبرز الأسواق الشعبيّة في الجنوب هي سوق مدينة النبطية.

أكثر من 300 متجر مدمّر

بحسب الإحصاءات الأخيرة، دمّرت الغارات الإسرائيليّة أكثر من 300 متجر في السوق التراثية للنبطية المعروفة باسم “المربّع التجاريّ”. فاق حجم الأضرار التوقّعات، والمشهد على الأرض بعد الهدنة تخطّى الصور التي تناقلها من بقي في المدينة والصحافيّون خلال الحرب. فالدمار شمل المحال التجاريّة، الطرقات الداخليّة، والمباني التراثيّة التي كانت تشكّل النبض التجاريّ للمدينة.

ارتفاع الأسعار بعد الخراب

لكنّ الصدمة لم تتوقّف عند حدود الدمار، إذ ارتفعت بدلات الإيجار في السوق التجّاريّة بنسبة مضاعفة عمّا كانت عليه قبل الحرب، ما أثار موجة اعتراضات واسعة من قبل التجّار والمستأجرين على حدّ سواء.

جانب من السوق التجارية في النبطية (تصوير كامل وهبي)

علي فرّان، صاحب محلّ تجاريّ في شارع الديماسي، كان من أوائل من رفع الصوت. يقول لـ “مناطق نت”: “كنت أدفع 1100 دولار قبل الحرب، وبعد وقف إطلاق النار طلب المالك منّي 2100 دولار. اضطررت إلى ترك المأجور لأنّ السعر لا يتناسب مع الإيرادات”.

فران، الذي جاهر باعتراضه على وسائل التواصل الاجتماعيّ، أوضح أنّ تبرير المالك كان وفق المعادلة التجاريّة المعروفة القائمة على “العرض والطلب”، فيما أوضحت جهات معنيّة بملف إيجار المحلّات التجاريّة لفرّان أنّ هذا الأمر لا يخضع لأيّ ضوابط قانونيّة، وهو قائم على التعاقد الحرّ، وهذا ما يشجّع بعض المالكين على المغالاة في رفع بدلات الإيجار للمحلّات التجاريّة.

تفاوت كبير في الإيجارات

في الشارع نفسه، تتفاوت الأسعار بشكل كبير، من 700 دولار في بعض المحال إلى 1000 دولار أو أكثر في أمكنة أخرى. علمًا أنّ الإيجارات قبل الحرب كانت تراوح بين 300 و400 دولار كحدّ أقصى، وكانت الحركة التجّاريّة نشطة. أمّا اليوم، فالسوق تعاني من ركود نسبيّ بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة، ما يجعل رفع الإيجارات بهذا الشكل غير منطقيّ بالنسبة إلى التجّار.

تجّار من القرى الأماميّة

يُشير فرّان إلى أنّ عددًا كبيرًا من تجّار النبطية هم في الأصل من القرى الأماميّة التي تعرّضت إلى الدمار مثل ميس الجبل وبنت جبيل وغيرها، وهؤلاء وجدوا في سوق النبطية ملاذًا لإعادة بناء أرزاقهم. لكنّهم اليوم أمام تحدٍّ جديد: كيف يستمرّون في العمل وسط ارتفاع الإيجارات وضعف الحركة الشرائيّة؟

سوق النبطية (تصوير كامل وهبي)
45 عامًا في السوق…

صاحب متجر Rasha Moda خليل ترحيني يضمّ صرخته إلى صرخة فرّان، فقد دُمّر متجره في شارع المسجد قرب “السلطان” خلال الحرب بالكامل مع البضائع التي كانت في داخله، ما اضطرّه إلى استئجار متجر جديد في السوق.

يقول لـ “مناطق نت”: “إيجار المحلّ نفسه قبل الحرب كان 600 دولار، وبعد الحرب أصبح 1000. قالوا لي: عجبك خود، ما عجبك فلّ. لديّ اسم في السوق منذ 45 سنة ولا يمكنني أن أنسحب، أنا مضطرّ للوقوف من جديد، لكنّ الغلاء غير مبرّر”.

ويتابع متسائلًا بمرارة: “هل نحن محسوبون على الدولة اللبنانيّة في ظلّ عدم الاستقرار الذي نعيشه وتعيشه سوق النبطية؟”.

في الشارع نفسه، تتفاوت الأسعار بشكل كبير، من 700 دولار في بعض المحال إلى 1000 دولار أو أكثر في أمكنة أخرى

“الوجع الحقيقي تراجع المبيعات”

من جهته يقول رئيس جمعيّة تجّار النبطية، موسى شميساني، إنّ “الاعتراض ليس فقط على ارتفاع الإيجارات بل على تراجع الحركة التجّاريّة في السوق بنسبة تفوق الـ 60 في المئة، لذلك ارتفعت الصرخة، بخاصة وأنّ بعض التجّار خسروا متاجرهم. صار في ناس عم تشتغل وناس لا”.

يتابع لـ “مناطق نت”: “معظم التجّار رمّموا متاجرهم على نفقتهم الخاصّة قبل الحصول على أيّ تعويضات، والتي لم تشمل خسارتهم للبضائع”. ويضيف “منذ حرب العام 2006 لم يُعوّض على التجّار خسائر البضائع”، موضحًا أنّ “الوجع الحقيقيّ اليوم هو في تراجع المبيعات، أمّا الإيجارات فلم ترتفع كثيرًا، وإن ارتفعت فبشكل منطقيّ لأنّ المنطقة تعرّضت إلى نكبة والغلاء لحق بكلّ شيء”.

ويرى أنّ الإيجارات المنطقيّة يجب أن تراوح بين 700 و800 دولار، وأيّ مبلغ يتجاوز ذلك “يدخل في إطار الجشع”.

لا إعفاء من الرسوم

يشير شميساني إلى أنّ تجّار النبطية لم يُعفوا من رسوم الكهرباء والمياه كما جرى في أسواق مناطق أخرى مثل بنت جبيل وجزّين وحاصبيّا وصور، على رغم أنّ النبطية كانت الأكثر تضرّرًا.

ويكشف أنّ الجمعيّة بصدد تنظيم وقفة احتجاجيّة للتعبير عن الاعتراض على الواقع الاقتصاديّ الصعب الذي وصلت إليه المنطقة.

ما يجري في النبطية بعد الحرب يعكس واقعًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا معقّدًا: من جهة دمار هائل ضرب البنية التجاريّة، ومن جهة أخرى غياب أيّ إطار قانونيّ ينظّم الإيجارات التجاريّة في الأزمات، ما يترك التجّار رهائن جشع بعض المالكين وتقلّبات السوق.

وبين أنقاض المربّع التجاريّ وأسعار الإيجارات الجديدة، يقف عشرات التجّار أمام مفترق طرق: إمّا الانسحاب وإقفال محالهم، أو الاستدانة والاستمرار في معركة اقتصاديّة لا تقلّ قسوة عن الحرب نفسها.

تصوير كامل وهبي

تصوير كامل وهبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى