جورج زريق ضحية فساد السلطة!
طانيوس علي وهبي
وإن كان هو الأداة المنفذة للانتحار. إلا أن جورج زريق ليس هو السبب في اقدامه على إحراق نفسه أمام ثانوية سيدة بكفتين الارثوذكسية في الكورة يوم أمس. لعجزه عن سداد مبلغا زهيدا متوجب عليه كبدل رسوم تسجيل ونقل عن أولاده المسجلين في هذا الصرح التربوي. للحصول لهم على افادات مدرسية تخولهم الانتقال إلى مدرسة رسمية اقل كلفة. ولم يقدم على هذا الفعل الفظيع مختارا او عن سابق تصور وتصميم. أو أن هوايته الانتحار احتراقا. وكذلك من الاجحاف تحميل إدارة هذه المؤسسة التعليمية مسؤولية هذا العمل الخارج عن المألوف. سيما وانها تساهلت في تخفيض الأقساط المدرسية المتوجبة على الضحية إلى آخر الحدود _ وكما جاء في بيان صدر عن الإدارة عقيب الانتحار _ يوضح هذا المعنى.
وأما الدافع الحقيقي والذي شكل حافزا كبيرا للاقدام على هذه الخطوة اليائسة. هو الواقع الأليم والمأساوي الذي يعيشه جورج في بلد يرزح تحت أعباء أزمات ومشاكل انعكست بشكل سلبي ومباشر على حياة المواطن التعيس. ففضل الهروب من هذا الواقع ومن معاناة يومية يهرم منها الكبير ويشيب من اهوالها الصغير. فرجحت عنده (في لحظة ضعف) فكرة الموت على الاستمرار في حياة حبلى بالمعاناة والهموم ونكد العيش.
واقدام جورج زريق على إحراق نفسه أمام الملأ هو فعل احتجاج صارخ وباهظ الثمن وكلفه حياته. بوجه السلطة الجائرة التي اغتصبت مفاصل الحكم والتي انتجت هوة سحيقة في المجتمع اللبناني بين طبقة تعيش في حالة ثراء فاحش وتمثل منظومة الفساد الحاكمة في البلد. وجمعت ثرواتها الخيالية على حساب طبقة مسحوقة وتمثل الاغلبية الساحقة من الشعب اللبناني والتي تتخبط في العذاب لتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الآمنة والكريمة.
وجورج هو النموذج العملي لكل مكونات هذه الطبقة المعدومة. وهو شهيد بامتياز. شهيد وطن مكلوم بجرح الفساد والتسلط والهيمنة وهدر الكرامات. وبالتالي فهو ليس الشهيد المظلوم الأول. وبالتأكيد لن يكون الأخير. إلا أن المؤسف ان حياة جورج زريق قد تضيع بثمن زهيد. وإذا استمر الحال على هذا المنوال فكل مواطن لبناني هو مشروع شهيد. وهو جورج زريق.