حسن شحيتلي: أطمح لأن أدخل موسوعة غينيس العالمية

في العاشرة من عمره إذ كان ما يزال فتًى صغيرًا راح يتفحّص الأشياء من حوله فرأى فيها ما لا يراه غيره من أدواتٍ لصناعة صوَرٍ تعنيه في أشكالها وأنواعها، وراح يصنع منها ما يخطر بباله من رسوماتٍ يدويّةٍ يجسّدها أشكالًّا على هيئة ألواحِ فنّيّة.

أوّل صناعة

وبعد أن تأكّد الشاب حسن شحيتلي، من بلدة شمسطار البقاعيّة، من قدرته على تحويل الأشياء البسيطة إلى قطعٍ حرفيّةٍ مصنوعةٍ بعناية موهبته التي تفتّحت مبكّرًا اتّخذ قرار الاستمرار صانعًا أشغالًا يدويّةً أكبر من سنيّ عمره، كما يقول لِـ “مناطق نت”، فكانت باكورة أعماله منزلًا ريفيًّا صغيرًا على هيئة عرزالٍ مصنوع من قصَبٍ وقشٍّ وخشبٍ، ليخرج من بين يديه عملًا فنّيًّا مميّزًا “حيث لم تتجاوز مساحة المنزل الـ ٥٠ سنتيمترًا، مشغولًا بدقّةٍ عاليةٍ وبحرفيّةٍ قلٍّ نظيرها وبوقتٍ طويلٍ جدًّا، ولكن لم أكن يومها عازمًا على المثابرة وتطوير ذاتي، فأهملت هذا العمل سنواتٍ عدّة لأعود بعدها بهمّةٍ أقوى وقرارٍ بتحقيق هدف من خلال أفكارٍ أستطيع تحويلها إلى مصنوعاتٍ مذهلةٍ وبأدواتٍ غير تقليديّة.”

موادّ تستحيل أشغالًا

أمّا بخصوص المواد المستخدمة في أشغاله ومصنوعاته الحرفيّة فيعدّد شحيتلي أهمّها وهي: “حبّات خرز وحبّات نحاس مجدول وبودرة العاج وتبر الفضّة وإبر القنفذ وورد القشّ الصينيّ وحبوب الفلّين وغيرها من الموادّ النادرة، والتي تُستخدم لأوّل مرّةٍ في صناعة أنواعٍ كهذه من الحِرف اليدويّة على مستوى هذا الفن”.

حسن شحيتلي في مشغله لصناعة الحرف اليدوية

والحصول على المواد الأوّليّة في الصناعة ليس أمرًا سهلًا وميسَّرًا فمنه ما أشتريته من الخارج نظرًا لعدم وجوده في بلادنا، ومنه ما قطفته من أرضنا كإبر القنفذ الدقيقة التي تحتاج إلى تجفيفٍ وتقليمٍ قبل استخدامها، كونها دقيقة إلى أبعد الحدود، والتعامل معها يجب أن يكون بمنتهى الدقّة والعناية.”

ونظرًا إلى دقّة المصنوعات وحرفيّتها فإنّ بعض الأدوات المعروفة في العمل كالمطرقة العاديّة “لا تفي بالغرض، وغالبًا ما تكون قاصرةً عن الاستخدام في الأماكن الحسّاسة في المادّة المصنوعة، لذلك أقوم بصناعة مطرقةٍ بنفسي يتناسب عملها مع صناعة القطعة الفنّيّة، وهذا طبعًا، يحتاج إلى وجود روح الابتكار لدى الصانع كي يأتي عمله في غاية الروعة والجمال من دون المساس بجوهر المصنوعة من الناحية الفنّيّة.”

إحياء التراث اللبنانيّ

يجمع شحيتلي في مصنوعاته الفنّيّة بين الماضي والحاضر، محافظًا على إبراز التراث اللبنانيّ، وحريصًا على أن يبقى فنّه فريدًا ومتميّزًا عن سواه “فأنا إن لم آتِ بجديدٍ أبقى في دائرة التقليد، وهذا ما لا أسعى ولا وأطمح إليه لأنّ الفرادة في عملي هي أساس موهبتي التي صقلتها بأفكاري دون أن أدخل معهدًا للتعلّم على الإطلاق، لأنّني مؤمن بأنّ الإبداع موهبة فطريّة لا تُكتسب عن طريق التعلّم”.

ومن أشغاله صناعة أجران الكبّة اللبنانيّة التراثيّة ومهابيج القهوة والهيل ومدقّات الثوم وطاولات صغيرة للمطاعم، وكلّها مصنوعة من شروش (جذور) أشجار الزيتون الضاربة عميقًا في الأرض. إلى جانب التلبيس على جرار الفخّار للجمع بين الفنّ الماضي والحاضر من خلال مادّة النحاس وقشّ الورد الصينيّ والرمل القديم “الذي أنا أبذره مدةً من الزمن حتّى يأتي ضمن الحقبة التاريخية التي أريدها”.

ويضيف: “تضاف إليها صناعة الثريّات الكهربائيّة المنزليّة من خشب دوالي العنب وحبال الليف وعيدان القصب والبودرة الملوّنة التي أستخرجها من الأرض وأُجري عليها بعض الإضافات لتصبح ملائمةً لمصنوعتي، وغيرها من الموادّ النادرة والمميّزة، وهي بغالبيّتها ليست موجودة في الأسواق، بل أصنّعها بيدي من ألِفِها إلى يائها، حتّى المواد اللاصقة هي من صنعي ولا يمتلك سرّها سواي.”

التفرّغ للإنتاج

منذ سنواتٍ تفرّغ حسن شحيتلي لعمله وجعله شغله الشاغل وأراد ان يتحوّل من هاوٍ إلى محترفٍ كما يقول ويضيف: “لقد أصبح عملي وصناعة أفكاري أشكالًا هندسيّةً لأشياء بسيطةٍ في تكوينها همًّا وقضيّةً وجدانّيةً أرى من خلالها نفسي وفنون الحياة. ومن أجل ذلك أكرّس وقتي وإمكاناتي وقدراتي كي تخرج المصنوعة من بين يديّ تحفةً فنّيّةً رائعةً.”

ويشير إلى أنّ بعض أعماله “يستغرق أكثر من شهرين بمجهودٍ كبيرٍ وتركيزٍ عالٍ يتطلّب ساعاتٍ طويلةً مضنيةً خلال اليوم؛ هذا عدا عن استخدام الملايين من عيدان القشِّ الرفيعة والدقيقة مثلما يحصل في صناعة الثريّات المنزليّة ويمكن تأكيد ذلك بالعدّ لمن يستغرب.”

من أشغاله صناعة أجران الكبّة اللبنانيّة التراثيّة ومهابيج القهوة والهيل ومدقّات الثوم وطاولات صغيرة للمطاعم، وكلّها مصنوعة من شروش (جذور) أشجار الزيتون الضاربة عميقًا في الأرض

ويأسف لعدم الاهتمام بمثل هذا الفنّ لدى بعض المجتمعات اللبنانيّة “التي تنبهر بالمستورد البسيط وتهمل المحلّيّ بما يحمله من أبعاد فنّيّة وتراثيّة وتاريخيّة تمثّل الحياة اللبنانيّة وتقاليدها وتحاكي جوانب الحياة الوطنيّة.”

الطموح لـ ِ”غينيس العالميّة”

المرّة الأولى والوحيدة التي شارك فيها شحيتلي بمعارض وطنيّةٍ كانت في سنة 2002 في عين المريسة ببيروت، في معرض”البيت اللبنانيّ الحرفيّ” و”الذي لم يلقَ اهتمامًا وتقديرًا كما يجب من المجتمع البيروتيّ، حيث تغيب عن مجتمعاتنا مفهوميّة وأهمّيّة ودلالة هذا الفنّ. لذلك أنا أطمح لأن أكون موجودًا بأعمالي في المجتمعات الخليجيّة التي تُقدّر وتثمّن هذه الفنون. مع طموحي وسعيي لأن أدخل موسوعة غينيس العالمية، ولديّ ثقة كاملة بذلك كوني أمتلك أفكارًا بكرًا لم يطرقها أحد من قبل، والأمر بالنسبة إليّ يسير ويحتاج إلى دعمٍ وتبنٍّ وظهور.”

حسن شحيتلي يرفض أن يُطلَق عليه لقب فنّان “لأنّ الفنّ مدرسة بحدّ ذاتها والتعلّم فيها مفتوح مدى الحياة، وكلّما تعلّمنا نشعر بحاجة إلى أكثر مفتوح على الإبداع الدائم”. ويدعو جميع المهتمّين بمثل عمله سواء أكانوا أفرادًا أم جهاتٍ معيّنة أن يطّلعوا على أعمالي عن كثب ويُصدروا أحكامًا فنّيةًّ عليها ويقوموا بما يمليه عليهم حسّهم ومسؤوليّتهم الفنّيّان.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
document.addEventListener("DOMContentLoaded", function() { var blockquotes = document.querySelectorAll('blockquote, q'); blockquotes.forEach(function(blockquote) { var beforeContent = window.getComputedStyle(blockquote, '::before').content; if (beforeContent === '"\\f10e"') { blockquote.style.setProperty('content', '"\\f10f"', 'important'); } }); });