حفر الطرقات في النبطية مصيدة للسائقين وإعطاب سيّاراتهم
ولّى زمن ترقيع الحُفر في نطاق منطقة النبطية، اختفى أكثر الزفت من الطرقات، بعدما عجز عن الصمود أمام الشتاء الطويل والغزير، لتحلّ الجور وتنتشر بشكل كبير ولافت في معظم الطرقات الداخليّة للبلدات والقرى، منها كفررمان، كفرجوز، النبطية، حاروف، تول، عدشيت، الدوير، القصيبة وغيرها.
باتت الحفر بمثابة أفخاخ للسيارات، تصطادها والمواطنين على حدّ سواء، ومعها اهتزت السلامة المروريّة، لأسباب شتّى، تأتي في طليعتها حال الطرقات المهترئة، المتروكة بلا صيانة، تأكلها الحفر والتشقّقات والانهيارات، ما رفع من نسبة حوادث السير وبشكل متكرّر يوميًّا.
هذه النسبة من حوادث السير تضاعفت ثلاث مرّات وأكثر عمّا كانت عليه في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم 2023، إذ سُجّل أكثر من مئة حادث سير في شهر آذار/ مارس الماضي بسبب الحفر، “وهو رقم صادم” بحسب خبير السير قاسم المصري الذي قال لـ”لمناطق نت”: “إنّ الأمور تتّجه نحو الأسوأ طالما أنّ الصيانة معدومة، والبلديات تخلّت عن مسؤوليّاتها، ووزارة الأشغال في خبر كان”.
مصائب قوم فوائد
ووفق المثل الشائع “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”، ومع تكاثر الحفر ومطبّاتها، بات هذا المثل ينطبق تمامًا على أصحاب المهن المتعلّقة بتصليح السيارات من “الميكانيكيّ” و”البنشرجي”، إلى أصحاب متاجر قطع السيارات (الجديدة والمستعملة) والحدّادين و”الدهانين”، بعدما سمت نسبة “ارتزاقهم” أضعافًا مضاعفة، وازداد الطلب عليهم جرّاء حوادث السيارات ووقوعها في الحفر.
كثر هم ضحايا حفر الطرقات، الكبيرة منها والصغيرة، منهم هدى دياب المقيمة في كفرجوز (النبطية)، والتي لم يمضِ يومان على إصلاح إطار سيارتها جرّاء وقوعها في حفرة، حتّى وقعت مرة ثانية في حفرة أخرى تلفت الإطار نهائيًّا، ما دفعها إلى شراء آخر مستعمل بـ50 دولارًا، في حين أنّ راتبها الشهريّ لا يتعدّى مئة دولار أمريكيّ. تسأل هدى: “من المسؤول المباشر عمّا آلت إليه طرقات النبطية ومنطقتها؟ وما يقلق أكثر أنّ الحفر تزداد يومًا بعد يوم وكذلك مخاطرها”.
حديث الحفر، حديث كلّ سائق لا يخلو من العتب والشتم والشكوى “للواحد الأحد” إذ لمن يشتكي المواطن وكل أصحاب المسؤوليّات غائبون؟ وعاد إلى الواجهة الكلام الذي يتكرر في المواسم السياسيّة “أنّ الزفت لا يزور الطرقات إلّا في المواسم الانتخابيّة”، وهو تقليد قديم معتمد من قبل الزعامات في لبنان ومن قبل المرشّحين في كلّ انتخابات.
بلديات على الصدمة
“لكن المفارقة أنّ هذا التقليد تعطّل هو الآخر في الانتخابات الأخيرة، فالأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2109، كانت ذريعة كي ينسى السياسيون الزفت الانتخابي أو يتجاهلونه، والناس متلهّون في مشاكلهم الحياتيّة، فلم يسألوا عنه” تقول هدى وتضيف: “لكن ما نعيشه اليوم يذكرنا بأن حياتنا المليئة بالمشاكل المتفاقمة والمتعّددة، وآخرها الحرب الدائرة جنوبًا، باتت تشبه الزفت باسمه ولونه المفقودين من الطرقات”.
وفق المثل الشائع “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”، ومع تكاثر الحفر ومطبّاتها، بات هذا المثل ينطبق تمامًا على أصحاب المهن المتعلّقة بتصليح السيارات من “الميكانيكيّ” و”البنشرجي”، إلى أصحاب متاجر قطع السيارات (الجديدة والمستعملة) والحدّادين و”الدهانين”.
بالرغم من أنّ صيانة الطرقات هي مسؤوليّة كلّ من وزارة الأشغال العامّة والبلديات، وذلك بحسب الطرقات والشوارع وتبعيتها، إلا أنّ كلتا الجهتين عاجزتان عن القيام بواجباتهما، بسبب الأوضاع الكارثيّة التي تعيشها مؤسّسات الدولة.
لكن الناس تعتبر أنّ المسؤولية الأكبر تقع على كاهل البلديّات المسؤولة عن معظم الطرقات الداخليّة، والأخيرة عاجزة عن القيام بالحدّ الأدنى من مهامها ومنها صيانة الطرقات، ويردّ المعنيّون في البلديات ذلك إمّا للشحّ الماليّ الذي تعاني منه البلديّات، وإمّا لغياب الخطط الإنمائيّة، وهذه هي حال غالبيّة بلديّات النبطية، إذ تعمل “عالصدمة” كما يقول ربيع جابر من النبطية “حين تقع الكارثة”.
لا دولة ولا أحزاب
تضاعفت زيارات ربيع “كراج” الميكانيكي، وبات يمضي وقتًا أطول في تلك الزيارات. يقول لـ”مناطق نت”: “أعطال السيارة تزايدت بسبب الحفر، لكلّ واحدة منها وحجمها عطل، فبتّ ما أنتجه أُنفقه على صيانة سيارتي”.
تكلّف كلّ زيارة للميكانيكي ربيع بين 50 دولارًا و100 دولار، وذلك بحسب حجم العطل، “لكن الكارثة أنّ الأمر بات يتكرّر شهريًّا”. يسخر ربيع ويتابع: “لو كان هناك زعيم سيزور المنطقة لكنّا شاهدنا ورشة صيانة فوريّة للحفر، لكنّ الناس ومعاناتهم لا أحد يسأل عنها، ومثل الدولة تفعل الأحزاب فلا تزورنا إلّا قبل الانتخابات، وبعدها تستمرّ المعاناة كما كانت عليه”.
أنعشت الحفر النشاط في ورشة الميكانيكيّ محمّد عاصي في المدينة الصناعيّة (في النبطية) ورفعت من منسوب عمله وإنتاجه. سبعون بالمئة من زبائن “المعلم” محمّد باتوا ممّن كانت سياراتهم ضحيّة جورة هنا أو خندقٍ هناك.
يأسف محمد في حديثه لـ”مناطق نت” أن “يكون الرَّقَم مرتفعًا”، مؤكّدًا أنّ “ما وصلنا إليه سببه الإهمال المتعاقب للبلديّات والوزارات”. مضيفًا: “إنّ أقلّ كلفة صيانة لسيارة لا تقلّ عن خمسين دولارًا أميركيًّا، وقد تتكرّر زيارتها مرة كلّ شهر أو مرّتين”. معلّقًا: “إنت وحظك والجور ومساحتها”.
المواطن هو الضحيّة
يتابع محمد المنشغل في إصلاح “كوابح” إحدى السيارات حديثه لـ”مناطق نت” قائلًا: “بالإضافة إلى ما تسبّبه الحفر من أعطال في السيارات، هناك أيضًا زحمة سير باتت من المشاهد المألوفة في المنطقة، سببها محاولة فرار السائقين من الحفر، ما يؤدي إلى عجقة وحالٍ من الفوضى وعدم الانتظام”.
ما أشار إليه “المعلّم” محمد يمكن معاينته بوضوح في محلّة مرج حاروف، حيث أكبر “المدن الصناعيّة” في منطقة النبطية، إذ تشهد زحمة سير خانقة باستمرار، مردها إلى الحفر الكثيرة المزروعة على طول الطريق.
تقول كميليا شحرور من بلدة حاروف: “للأسف ندفع ثمن فشل القوى السياسيّة عبر البلديات، فلا بلديّة زبدين تحرّكت لصيانة الطرقات ولا حتّى اتّحاد بلديات الشقيف، والكل يتقاذف المسؤوليّات، بحجّة أن لا اعتمادات متوافرة، والضحية نحن ندفعها فواتير مرتفعة لصيانة سيّاراتنا”.
“الحفر لا تشكّل خطرًا على المارة فحسب، بل تؤدّي كذلك إلى ازدحام السير ما يعيق حركة المرور”. يقول خبير السير قاسم المصري ويضيف لـ”مناطق نت”: “السلامة المروريّة معدومة على طرقات منطقة النبطية، سابقًا كانت غياب الإنارة، التقاطعات العشوائيّة غير المدروسة على “الأوتوسترادات” سببًا في الحوادث، أضيفت إليها الدرّاجات الناريّة، ثمّ “التوك توك” وأخيرًا الحفر التي باتت عاملًا إضافيًّا وخطيرًا”.
تفاقم المعاناة
تكاد تكون طرقات منطقة تول وتلك المتّصلة بكفرجوز، غير صالحة للسير بسبب الحفر الكبيرة، إضافة إلى الطريق الرئيس الذي يربط النبطية بمحلّة “أبو الأسود” على خط مدينة صور، مرورًا بحاروف والدوير وأنصار، وصولًا إلى أبو الأسود، والتي تتخللها الكثير من الحفر خصوصًا في محلة مرج حاروف وصولًا إلى الدوير وأنصار، باستثناء المتبقي منها والمؤدي إلى أبو الأسود فهي بحالة جيدة.
ويعتبر أوتوستراد النبطية- الزهراني ليس بحال أفضل، فالحفر في أجزاء عديدة منه، لا سيّما في دير الزهراني، وصارت تشكّل ذعرًا للسائقين ممّن يحاولون الهروب من حفر كامنة في الطريق المشهورة أصلًا في أيام الطرقات السليمة بالحوادث الكثيرة.
تكاد تكون طرقات منطقة تول وتلك المتّصلة بكفرجوز، غير صالحة للسير بسبب الحفر الكبيرة، إضافة إلى الطريق الرئيس الذي يربط النبطية بمحلّة “أبو الأسود”.
” يفرّ السائق من حفرة ليسقط في أخرى، أو يطير بسببها من مسار إلى مسار، فتكون حياته ضحيّة الحفر” يقول الخبير المصري ويحمّل “البلديّات ووزارة الأشغال العامّة مسؤوليّة ما يجري على طرقات النبطية، فإهمال الصيانة منذ أكثر من ستّ سنوات أوصلنا إلى حالٍ مزرية، زادت نسبة الحوادث أضعافًا كثيرة عمّا كانت عليها قبل عام”.
فشل اتحاد بلديات الشقيف
شكّلت الخلافات الحزبيّة التي أصابت المجالس البلديّة بغالبيتها، وعطّلت عملها وشلّتها نهائيًّا، عائقًا أمام تنفيذ مشاريع إنمائيّة في البلدات والقرى. ربّما يكون اتّحاد بلديات الشقيف الأفشل إنمائيًّا بين اتحادات بلديّات الجنوب، بعدما أسهمت “الصراعات الحزبيّة” في تعطيله وشلّه نهائيًّا، إذ برز الأمر في غياب الإنماء الفعليّ لطرقات النبطية، إلى درجة عجز الأتحاد عن تعبيد الحفر المنتشرة على أوتوستراد النبطية\_حاروف\_أبو الأسود، وتحديدًا في مرج حاروف حيث المنطقة الصناعيّة التي يقصدها يوميًّا الآلاف من مختلف المناطق اللبنانية بحثًا عن قطع غيار للسيارات، ناهيك بورش الميكانيك والحدادة وطلاء السيارات.
“حفر الموت” عبارة يطلقها الخبير المصري على جور الطرقات، واصفًا حال الطرقات “بالصعب والسيّئ جدًّا، فارتفاع نسبة الضحايا بسببها يفترض أن يدفع بالمعنين للتحرّك سريعًا، لكن ما يحصل، أنّ الجميع أدار الأذن الطرشاء وترك الناس لمصائرهم”.