حقول تجارب تختبر دورة حياة كاملة لنبتة الصبّار

إذا كانت الحاجة هي أمُّ الاختراع، فالهواية أمُّ ماذا؟ هواية سماح الأسعد (1978) كانت أمّ مشروعه، وهو كناية عن مشتل و”حاضنة” لنبتة الصبّار.

يعيش سماح في بلدة اللوبية (الزهراني- صيدا) حي البيدر، أيّ أنّه مطوّق بالطبيعة ونباتاتها وأشجارها، شأنه شأن كلّ من لا يسكن المدينة. لذا، فإنّ ارتباطه بالطبيعة أمرٌ مفروغ منه. السمكة تألف الماء لدرجة لا تراه “جسمًا” منفصلًا عنها، يصبح الماء امتدادًا لجسم السمكة فلا تدرك وجوده لشدة التصاقه بها. والألفة مع الطبيعة ونباتاتها لمن يعيشون في أحضانها أمرٌ بديهيّ، ممّا يجعل هواية سماح عضويّةً بامتياز.

يُعرف عن الصبّار أنّه نبات يتأقلم مع بيئته. ومشروع سماح كان حالًا من التأقلم مع الوضع الاقتصاديّ. فقد درس الإلكترونيك (BT – TS)، ثمّ الإلكتروميكانيك (دبلوم)، وسافر وعمل في هذا المجال قبل أن يعود ويبدأ عمله الخاص في المجال نفسه. في تلك الأثناء، كانت هوايته مع الصبّار تقتصر على تجميع أنواع مختلفة في خيمةٍ بجوار منزله، مساحتها لا تتجاوز الـ 80 مترًا مربّعًا. لكنّه سرعان ما حوّل هذه الهواية إلى مشروع زراعيّ عندما اضطرّ إلى تصفية عمله بسبب تفاقم الأزمة الاقتصاديّة العام 2018.

سماح الأسعد في خيمته لزراعة الصبّار
ولادة مشروع من مشروع

اسم المشروع Perma Plant، وهو قسم من مشروع أكبر اسمه Perma Ville، يتضمّن زراعة الأفوكادو والرمّان. في البداية، كان سماح يشتري ويبيع النباتات بكمّيّات قليلة، ويحتفظ بجزء منها لاستخراج البذور. لكن عندما ارتفع الطلب وأصبح يفوق الكمّيّات المتوافرة لديه، اعتمد على الزراعة في بيوت زراعيّة (Green House)، وتحوّل إلى زراعة البذور بدلًا من الشراء والتقصيف (Cutting).

عندما أصبحت الخيمة صغيرة على البذور والنباتات، ولم تعد مناسبة لهواية تحوّلت إلى مشروع تجاريّ، حصل سماح على دعم من منظّمة Mercy Corps، تمثّل في خيمة زراعيّة وأدوات نجارة لصنع قوالب وأحواض زراعيّة. كذلك شارك من خلالها في معرض زراعيّ في ضبيّة. لاحقًا، وعندما تنامى المشروع أكثر، حصل على دعمٍ ثانٍ عبارة عن خيمةٍ أكبر.

من الزراعة للحضانة فالسوق

تمرّ النباتات بثلاث مراحل، في الأولى تزرع البذور في قوالب أو أحواض من الفلّين، وتستمرّ هذه المرحلة سنة كاملة. في البداية، كان سماح يشتري البذور، لكنّه الآن يحصل عليها من نباتاته في الخيمة، باستثناء بعض الأنواع النادرة غير المتوافرة لديه.

في المرحلة الثانية تُنقل البذور إلى صوان، وتستمرّ هذه المرحلة من أربعة إلى ستّة أشهر. وأخيرًا مرحلة التجهيز للزبائن بعد أن توضع النباتات على طاولات سطحها عبارة عن حوض ماء للريّ من الأسفل، ومجهّزة بمصارف للتخلّص من الماء الفائض.

في البداية، كان سماح يشتري ويبيع النباتات بكمّيّات قليلة، ويحتفظ بجزء منها لاستخراج البذور. لكن عندما ارتفع الطلب وأصبح يفوق الكمّيّات المتوافرة لديه، اعتمد على الزراعة في بيوت زراعيّة

أمّا الزبائن فثلاث فئات: المشاتل الكبيرة التي لا تتولّى بالضرورة زراعة الصبّار، بل تبيعه أو لا تزرع جميع الأنواع المتوافرة في Perma Plant، ومتاجر بيع النباتات والأزهار وأصحاب الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعيّ. تشكّل هذه المراحل الثلاث دائرة زراعة وحضانة الصبّار، وعدم إتمام أيّ مرحلة ربّما يؤدّي إلى خسارة موسم كامل.

يسعى سماح إلى تأمين بيئة شبيهة ببيئة النبتة الأصليّة (بيئة المنشأ) كي لا تتغيّر خصائصها وصفاتها. وهذا يتضمّن أنواع التربة وخلطاتها (Potting Soil Mix)، وطريقة الريّ، وكيفيّة التعرّض للشمس.

أنواع الصبّار

يقسم الصبّار إلى نوعين: الشوكيّات (Cacti) ويحتوي على أشواك، العصاريّات (Succulents) ويحتوي على أوراق مليئة بالماء. هناك آلاف العائلات من الصبّار، وكلّ عائلة تتفرّع إلى أنواع كثيرة. التنوّع ليس فقط في الأشكال والأصناف، بل أيضًا في سرعة النموّ.

ينمو الصبّار في بلدان كثيرة، أشهرها أمريكا اللاتينيّة وجنوب إفريقيا. بعض البلدان تنمو فيها أنواع صبّار لا تنمو في غيرها بسبب اختلاف البيئة.

لماذا الاعتماد على البذور؟

مع أنّ تكثيف إنبات الصبّار من الفروع أو الأجزاء المقطوعة (Cutting & Offsets) سهل، ونباتات كاملة متوافرة في المشاتل، إلّا أنّ زراعة الصبّار من البذور لها مزايا أكثر، فكلفة البذور رخيصة أو مجّانيّة إذا جُمعت من النباتات الموجودة. وتضمن تنوّعًا أكبر، وأحيانًا تنتج أنواعًا نادرة حتّى إن تمّ شراء البذور من الخارج، فكلفة شحن البذور أقلّ من كلفة شحن النباتات. والأهمّ، بل الأجمل أنّ هذه الطريقة تتيح إتمام ومراقبة دورة حياة النبتة بالكامل.

في Perma Plant، يعتمد سماح على التلقيح المتبادل (Cross Pollination)، وبخاصّة في الأنواع الملوّنة، للحصول على ألوان جديدة من نبتتين لديهما أزهار بألوان مختلفة، ممّا ينتج سلالات (Breeds) خاصّة بألوان جديدة.

أضرار الحرب والتحدّيات

بعد أن أصبح كلّ الصبّار الموجود في  Perma Plant مزروعًا ومخصّبًا في خيم المشروع من دون الاعتماد حتّى على شراء البذور. وبسبب عدم القدرة على ريّ النباتات بشكل كافٍ خلال الحرب الأخيرة، خسر المشتل عديدًا من النباتات ومنها بعض الأنواع النادرة، كذلك تأخّر نموّ أنواع أخرى.

ولكي يكون المشروع مربحًا ويغطّي كلفه والجهد المبذول فيه، يجب ألّا يقلّ إنتاجه عن 15 إلى 20 ألف نبتة. في المشتل الآن أعداد كبيرة من البذور. لذلك، يحتاج المشتل إلى خيمة إضافيّة لاستيعاب النباتات التي ستنمو من هذه البذور، كون الخيم المتوافرة وصلت إلى أقصى طاقتها الاستيعابيّة.

الصبّار علاج جروح طفولتنا

عرفتُ الصبّار منذ الطفولة. في اللوبية، ينمو نوع آخر منتشر في الشرق الأوسط، هو النوع الذي ينتشر في الحقول البرّيّة، كنّا نسمّيه “الحواكير” أو “الحاكورة”، أو في “الحمّارة” حيث التربة حمراء. هذا النوع يحمل ثمرًا. يرتبط الصبّار بطفولتي المشتركة مع “سماح” وكلّ أبناء وبنات قريتي والقرى الأخرى، لأنّه كان علاجًا لجروحنا اليوميّة. أذكر عجينة الصبّار على ركبتي لسحب الالتهابات ومداواة خدوش اللعب والسقوط على الزفت (الأسفلت) أو في الحاكورة.

مع سماح ومشروعه، توسّعت معرفتي بالصبّار. رسمت كثيرًا منها، أستعيرها من مشتله، أرسمها وأعيدها إليه لأنّ “إيدي مش خضرا” مثل يد سماح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى