حياة فارسة.. أحلام يوسف: الفروسية حق للنساء
بين ربوع الضنية الخضراء، تتنقل أحلام كاتبةً فصولاً من حياة فارسة “تأخرت في تحقيق حلمها إلى مرحلة ما بعد الزواج”. الحلم تحقق بتأسيسها مدرسة لتعليم ركوب الخيل والتدريب على قيادته. مشهد أحلام يوسف وهي تتنقل على ظهر الخيل داخل قرية عاصون، حطّم “الصور النمطية” حول المرأة. خصوصاً أنها تعيش في منطقة قروية “لم يألف أهلها مشهد سيدة تركب الخيل”، لكن الزمن كان كفيلاً في تغيير هذه النظرة المتقادمة. تطورت أحلام الشابة رويداً رويداً لتشكل مدرستها حاضنة لمحبي الخيل من صغار السن، وترسخت “قصة الحب التي لا تنتهي بين الحصان والإنسان”.
تحقيق حلم الطفولة
تعود أحلام إلى مرحلة الطفولة، عندما كان أحد جيرانهم من المصطافين لديه حصاناً. على مدار العام كانت أحلام تعد الأيام بانتظار موسم الصيف، فهناك رابطاً روحياً يجمعها مع الخيل. “تمضي النهار بأكمله تساعد الجيران لكي تبقى قريبة من الحصان وتهتم به”. تستذكر أحلام أنها كانت ترافق أحد المزارعين الكبار في السن إلى بستانه لرعاية الحمار، ليس لشيء إلا لكي يسمح لها بالعودة على متنه في طريقهم إلى المنزل.
عارض أهل أحلام فكرة أن تكون فارسة انطلاقاً من معايير اجتماعية قائمة على “العيب والخطأ”. أعاق ذلك تحقيق ما تحب، وتؤكد أن “حلم أن تصبح فارسة، لم يغادرها يوماً، وكان بمثابة الهاجس الذي رافقها باستمرار”.
دور إيجابي لعبه زوج أحلام في مسيرتها، فخطت خطوة إضافية مع شرائها لـ “أمل”، وهي باكورة الخيول التي امتلكتها. بدأت مرحلة جديدة من تحدي التقاليد الاجتماعية، وتحديداً بعد “التنقل داخل القرية على صهوة الجواد”. تباينت وجهات النظر حول ذلك، وبالرغم من بعض التحفظات إلا أنها تمكنت من كسب رهان “الاستمرارية”. وفتحت الباب أمام جيل جديد من هواة رياضة ركوب الخيل، حيث تجتذب الصغار والشبان.
يتناوب الشبان والشابات على امتطاء الفرس الشقراء “أمل”، وتلك السوداء “عبير”، وكذلك الإهتمام بالمهر المولود حديثاً. تشعر أحلام برباط وثيق بين هؤلاء والخيول، فقد اعتادوا مع الوقت على الإهتمام بهم، وتحولوا من زبائن إلى أصدقاء في حب هواية ركوب الخيل. ويحظى صغار السن والجدد منهم على تشجيع ورعاية من أحلام التي تهدىء من روعهم، وتطمئنهم إلى أنهم “سيحظون بتجربة مميزة”، وأن “الحصان حيوان لطيف، ولا يمكن أن يخذلهم البتة”.
انتقل حب أحلام للخيل إلى أبنائها، حيث تساعدها إبنتها “رزان” في الإهتمام بها، ومساعدة الأطفال في ركوبها والتجوال ضمن المضمار. وتعتبر أن “هذه الرياضة من التقاليد العربية التي أقرّها الإسلام، وحضّ عليها”، لذلك يجب على الجميع ممارستها لما تغرسه في النفس من قيم وقوة بدنية، ووفاء لأن “الخيل حيوان وفي، ويحافظ على صاحبه، ولا يسبب الأذى المقصود”.
عمل احترافي وأنشطة
دفعت الحياة الشابة نحو القطاع الصحي، فهي تعمل في قسم التمريض، ضمن مستشفى سير الحكومي. ولكن بالرغم من ذلك، استمرت في تخصيص جزء كبير من حياتها للإهتمام بالخيول. منذ عامين، استأجرت أحلام أرضاً، استصلحتها لتتحول إلى مضمار. وتلفت إلى أنها تخطط لتحسين الأرضية وكسوها بالرمال لتتحسن خدماتها، وتوسع نشاطاتها. حالياً، تستقبل العشرات من الشبان بين سن السادسة، والخامسة عشرة من العمر، ليمارسوا هواية ركوب الخيل والجري.
يؤمن هذا المشروع حداً أدنى من الدخل، يساعد أحلام في تربية عائلتها والإهتمام بالخيول. وتشير إلى تأثير ارتفاع صرف الدولار على تربية الخيل، فقد “تضاعفت كلفة وثمن الأعلاف أضعافاً مضاعفة، بحيث أصبحت تستلزم ميزانية كبيرة”، لذلك اضطرت أحلام لرفع رسم التدريب من ألفي ليرة إلى ثلاثة آلاف ليرة للجولة اليومية، ومن 200 ألف إلى 250 ألف بالنسبة للرسم الشهري.
تبرر أحلام ذلك بأنه “زيادة ضئيلة جداً من أجل الاستمرار والحفاظ على حياة المهور الثلاث”. وتوضح إلى أن هناك تكاليف كبيرة تحتاجها الرعاية الصحية والطبية للخيل، بالإضافة إلى العناية بالمظهر الخارجي واللمعة للحصان.
تنصح أحلام الأهل بتربية أولادهم على حب الخيل، لذلك فهي تحتضن المواهب الشابة طوال فترة الصيف. وتقوم إلى جانب تدريبهم على الجري بمشاركتهم في “مشاوير المشي والهايكنغ” ضمن مسير درب الجبل، لأن المشي وركوب الخيل صنوان من أجل صحة بدنية ونفسية قوية. كما تنظم لهم “ترويقة بلدية” من أجل ترسيخ الأواصر والروابط بين الشبان الصغار من أهالي البلدة والمصطافين.
خيالة الضنية
تعتبر أحلام الشابة الفارسة الوحيدة ضمن “خيالة الضنية”. تتألف المجموعة من قرابة العشرين فارساً، حيث تتشارك في التجوال ضمن أحراج المنطقة الخضراء، والانتقال من منطقة عاصون إلى داريا والجرود. يستشكف هؤلاء أهمية التنوع البيئي، والحفاظ على الثروة الطبيعية التي تمتلكها الضنية التي تعد أحد أكبر خزانات المياه في الشرق الأوسط، وتضم القرنة السوداء أعلى قمة جبلية في لبنان. تتطلع أحلام إلى أن تُفتح الطريق أمام شابات أخريات ليمارسن الرياضة، وتعبر عن سعادتها بأن “أعداد متزايدة من الشابات يقبلن على ركوب الخيل، حتى بعض الفتيات المنقبات يأتين إليها للتدريب، فهنّ يرتحن لها لأنها أنثى”.
تتطلع أحلام يوسف إلى تطوير مسيرتها المهنية، ونشر ثقافة ركوب الخيل في مجتمعها والمحيط. وتأمل أن تتحسن الأوضاع في لبنان، لتنعكس على نواحي الحياة كافة، بما فيها تربية الخيل العربي الأصيل. وإلى ذلك الحين تخشى من أن يتحول الحصان من شريك رياضي، إلى وسيلة نقل بديلة في ظل شح المحروقات. في المقابل تتطلع لأن تتحول “هواية ركوب الخيل إلى عادة شائعة في المجتمع”، لربما يحظى الشبان بفرصة لتحريك الحواس والمخيلة.