خضار رمضان في بعلبك تحلّق فمن يلجم جنون الأسعار؟
“هو شهر ارتفاع الأعمال وليس شهر ارتفاع الأسعار، خافوا الله وارحموا عباده”. بهذه الكلام الساخط عبّرت إحدى ربّات البيوت عن غضبها وهي تسأل صاحب متجر لبيع الخضار والفاكهة في منطقة البقاع عن سعر الخسّة الواحدة، إذ وقع الجواب عليها كالصاعقة: “بميّة ألف يا أختي.” قالها وهو في كامل “وعيه” التجاريّ وعن سابق تخطيط والتزام، بأنّ شهر رمضان هو الشهر الأكثر ربحًا وجمعًا للمال، كون الصائم ملزَمًا بشراء لوازم إفطاره مهما علا سعرها وقلّت حيلته.
أسعار خياليّة فوق الريح وقدرة الصائم، يفرضها تجّار الخضار في البقاع على المواطن، وهو لا حول له ولا قوّة إلّا بالرضوخ والشراء كي يصوم شهره، وإن كلّفه فوق طاقته الماليّة وقدرته الشرائيّة. فالمتاجر الخاصّة ببيع الخضار في المنطقة تشهد صنوف خضرتها وأنواعها ارتفاعًا جنونيًّا بأسعارها منذ بداية شهر رمضان، حيث تجاوز بعضها الضعف، وبعضها الآخر الضعفين، عمّا كانت عليه قبل شهر رمضان.
بين الأسواق والمستهلك
جالت “مناطق نت” على الأسواق ومحلّات بيع الخضار وسجّلت الفروق الشاسعة بالأسعار، وفقًا للنوع والسعر السابق والسعر الحاليّ، وأتت المعاينات بالآتي:
سعر الخسّة الواحدة 100 ألف ليرة، كانت قبل بدء شهر الصوم بـ50 ألف ليرة.
“ضمّة” البقدونس 50 ألفًا، قبلها 15 و20 ألفًا.
ربطة الفجل 60 ألفًا، قبلها 30 ألفًا.
“ضمّة” نعناع 100 ألف، قبلها 40 ألفًا.
“ضمة” كزبرة 70 ألفًا، قبلًا 30 ألفًا.
كيلو خيار 120 ألفًا، قبلها 60 ألفًا.
كيلو بندورة 100 ألفًا قبلها 60 ألفًا.
كيلو فليفلة 150 ألفًا قبلها 70 ألفًا.
أين البلديات والرقابة؟
ووفقًا لهذه الأسعار، فإنّ إعداد وجبة فتوش، وهي الوجبة الرئيسة على الإفطار لعائلة مؤلّفة من خمسة أفراد تبلغ كلفتها نحو مليون وثلاثمائة ألف ليرة لبنانية، عدا عن سواها من الأصناف الأخرى. “فكيف إذا كانت العائلة مؤلّفة من عشرة أفراد ولا معيل لها إلّا الوالد الذي يعمل كأجيرٍ يوميّ، بما لا يتجاوز مليون ليرة يوميًا”، تقول زينب حمية من بلدة طاريا والغصّة تخنقها.
تضيف لـ”مناطق نت”: “صحيح أنّ شهر رمضان هو شهر الخير والبركة ولكنّ هذا على المستوى الدينيّ العباديّ، أمّا على مستوى احتياجاته ومستلزماته المادّيّة فإنّ الأمر فوق طاقتنا وقدرتنا، لذلك يصبح لدينا شهر نحسب حسابه ونحمل همّ تأمين أغراضه كهمّنا في تأمين المازوت والدواء ومستلزمات المدارس.”
وفقًا للأسعار، فإنّ إعداد وجبة فتوش، وهي الوجبة الرئيسة على الإفطار لعائلة مؤلّفة من خمسة أفراد تبلغ كلفتها نحو مليون وثلاثمائة ألف ليرة لبنانية عدا عن سواها من الأصناف الأخرى.
وترى زينب أنّ رفع أسعار الخضار في هذا الشهر” كفرٌ ويُغضِب الله، لا سيما وأنّ كثيرين من البائعين هم من مجتمعنا وبيئتنا ويصومون”، مستدركةً، “لكنّ صيامهم جوعٌ وعطشٌ كجوع وعطش بقيّة المخلوقات ليس إلا.”
وتطالب زينب البلديات في المنطقة “القيام بواجباتها تجاه مواطنيها من خلال مراقبة الأسعار وضبطها وتسطير محاضر ضبط بالمخالفين، لا أن تتلطّى خلف تجاهلها وكأنّ الأمر لا يعنيها، إذ إنّ المسؤولية تقع على عاتقها ولن تكون بريئةً في سكوتها.”
صمت مطبق من المعنيين
من جهته، يرى محمد حيدر من بلدة تمنين، وهو ربّ أسرةٍ مكوّنةٍ من ثمانية أفراد “أنّ غلاء أسعار الخضار في هذا الشهر مردّه إلى غياب وزارتيْ الزراعة والاقتصاد عن حاجات وهموم الناس” متسائلًا: “ما دور هاتين الوزارتين في الحكومة إذا لم يكن لدينا زراعة ولا صناعة ولا تجارة؟”.
ويتابع محمد لـ”مناطق نت”: “أنا سائق ڤان عموميّ وهو مصدر رزقي الوحيد، فلا دولارات تأتيني من الخارج ولا من يحزنون، وخطّ عملي هو البقاع فقط، وأحيانًا لا أحصّل في اليوم الواحد ثمن مصروف مازوت الڤان، فهل من العدل أن أعمل طوال النهار لكي أؤمّن كلفة صحن فتوش عند الإفطار؟”.
ويطالب محمد رجال الدين بأن يقوموا بدورهم في هذا الشأن، “لأنّ القضيّة تتعلّق بالعبادة وغالبيّة التجّار ملتزمون بفتاوى قياداتهم الدينيّة. فحتّى الآن لم نسمع صوت رجل دينٍ واحدٍ حيال ما تشهده أسواق المنطقة من غلاء أسعار لاحتياجات شهر رمضان، فكيف سيجزيهم الله على صيامهم وهم عن حماية أبناء الله صامتون؟”.
يتساءل سامر علي حسن من بدنايل، عن أسباب جنون الأسعار في هذه الأيّام الكريمة من دون مبرّر “طالما أنّ الخضار والحشائش هي من إنتاج البقاع وليست آتية من الجنوب أو بيروت مثلًا، وما يحصل اليوم، طمعٌ وجشعٌ وقلّة دين وأخلاق من التجّار الذين يستغلّون هذا الشهر الفضيل ليراكموا أرباحهم من عرق المواطن وتعبه”.
جشع الكبار برعاية السلطات
ويرى سامر الذي التقته “مناطق نت” أنّ “الغلاء الفاحش الحاصل اليوم لا علاقة له بالدولار ولا بالخارج، فالسلطة بكلّ أحزابها مسؤولة عن الفلتان التجاريّ، واحتكار التجّار الكبار المدعومين من السلطة للأسواق تعلم به وزارة الاقتصاد الغائبة عن الصوت والصورة وكأنّها موجودة في دولةٍ أخرى.”
ويختم “بأنّ المواطن البقاعيّ يتحمّل، هو الآخر، مسؤوليّة ما يعانيه. لأنه يسير وراء زعيمه كالقطيع وهو يعلم أنّ زعيمه يجوّعه ليبقى لاهثًا وراءه، فها هم نوّابنا يفطرون على اللحوم و”الكبسات” والدجاج ولا يدفعون قرشًا واحدًا من أموالهم المكدّسة من تعبنا، بينما نحن نئنّ تحت تأمين كلفة صحن فتوش”.
ويرجّح حسن غصن من شمسطار، وهو صاحب متجر لبيع الخضار والفاكهة، لـ”مناطق نت” ما يحصل من غلاء بدأ عشيّة شهر رمضان المبارك “بأنّه يعود إلى تجّار الجملة، فنحن أصحاب متاجر صغيرة نشتري بضاعتنا من أصحاب المتاجر الكبيرة (الحسبة) الذين يتحكّمون بأسعار السلع متذرّعين بأنّ البضائع ارتفعت من مصدرها”.
سامر حسن: الغلاء الفاحش الحاصل اليوم لا علاقة له بالدولار ولا بالخارج، فالسلطة بكلّ أحزابها مسؤولة عن الفلتان التجاريّ، واحتكار التجّار الكبار المدعومين من السلطة للأسواق تعلم به وزارة الاقتصاد الغائبة.
ويضيف قائلًا: “أنا، مثلًا، أتسوّق من سوق الفرزل، مرّةً، حيث الأسعار خاضعة لذمّة التجّار الكبار وأُضطرّ أن أبيع البضاعة بأسعار مرتفعة. ولكنّني أتسوّق أحيانًا من سوريّا بنصف أسعار أسواقنا وعندها أبيع وفق أرباح تلائم المواطن العاديّ.”
ويرى “أنّنا نحن لسنا مسؤولين عن المشكلة، بل الجهات المعنيّة الغائبة عن المواكبة والمراقبة، وأنّ الحلّ بيد الدولة لا بيد التجّار الصغار الذين هم أيضًا، ضحيّة احتكار وجشع الكبار المعروفين من الجميع ولكنّهم يحظوْن بغطاءٍ من المسؤولين الرسميّين والحزبيّين.”
تبادل الإتهامات
ويلقي سمير الأشهب من رياق، وهو صاحب “حسبة” في سوق الفرزل بالمسؤوليّة حول ارتفاع أسعار الأصناف الخاصّة بالصيام، على المزارعين أنفسهم “فنحن وسيلة بين المزارع والمشتري ضمن أرباحٍ محدّدة، ونبيع بحسب السعر الذي يريده المزارع صاحب الإنتاج”.
وعن سبب ارتفاع أسعار الخضار، حصرًا دون سواها من الموادّ الأخرى في شهر الصيام يقول: “أسالوا أصحاب الإنتاج. فهم بالتأكيد يروْن في هذا الشهر فرصةً سانحةً لأرباحٍ عاليةٍ طالما أنّ الصائم يجد نفسه ملزَمًا بالشراء لتوفير إفطاره ولن يسأل عن الأسعار مهما بلغت”.
هل يصدق ترشيشي
اعتبارًا من الخميس المقبل، ستبدأ أسعار الخضار والحشائش بالانخفاض التدريجيّ لتعود إلى معدّلها الطبيعيّ، بل أقلّ من ذلك، وتصل إلى 40 و60 ألف ليرة في أسواق الجملة لا في سوق المفرَّق” هذا ما وعد به رئيس تجمّع المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي في حديث لـ”وكالة الأنباء المركزية”. واستند ترشيشي في توقّعه هذا، إلى عاملين اثنين: “الأوّل، ارتفاع حرارة الطقس في الأيام المقبلة كما هو مرجَّح، إذ يُتوقَّع أن تصل درجة الحرارة يوم الخميس المقبل إلى 27 درجة على الساحل، الأمر الذي يزيد من معدل الإنتاج بما يلبّي الطلب المرتفع على الخضار والحشائش حالياً”.
وأوضح ترشيشي أنّ ارتفاع الأسعار حاليًا، مردّه إلى “تراجع معدّل الإنتاج بفعل الصقيع والطقس البارد الذي أشرف على نهايته وبدأ بالتحسّن، قابله الطلب الكبير والتهافت على شراء المنتجات الزراعيّة في زمن الصوم، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار”، ويُشير إلى أنّه “في حلول الصوم عند المسيحيين والمسلمين يرتفع منسوب الطلب على الخضار والحشائش”.
إذًا، شهر رمضان، ككلّ عام، وإن كان بأبعاده العباديّة شهر الرحمة والتكافل والتضامن، هو شهر الاستغلال والجشع والاحتكار والربح اللامحدود لتجّارٍ يسرحون ويمرحون بأسعارهم على عين الدولة ووزاراتها وبلديّاتها المركّبة وفق أهواء القوى والأحزاب المسيطرة على الأرض، فأينها هي الأخرى من هذا الجشع الذي يطال كلّ مواطن “منتحب” في الصميم؟