خطاب القسم.. التاسع من كانون يحاكي الـ 17 من تشرين

لا يضاهي أهمّيّة الاستحقاق الرئاسيّ وبلوغه خواتيمه السعيدة أمس، سوى الخطاب الذي ألقاه الرئيس المنتخب بعد إنجازه، من حيث تميّزه واستثنائيّته التي يستمدّها من اللحظة “الاستثنائيّة” التي نمرّ بها. وهي لحظة تأسيسيّة في تاريخ لبنان، تشبه إلى حدّ بعيد لحظة تأسيس الكيان، بغضّ النظر عن الفوارق الكبيرة والظروف المختلفة بين اللحظتين.

تكمن أهمّيّة الخطاب والذي يصلح لأن يكون نواة عقد اجتماعي جديد للبنان، أنّه يحاكي الـ 17 من تشرين (الأول) أكتوبر، وناسه وأصواتها وروحها وشعاراتها التي صدحت بها الحناجر مطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة التي أفسدت وسرقت وأغرقت البلاد في دوّامة الفوضى وأرست نظامًا زبائنيًّا قلّ نظيره، لتعود تلك المنظومة وتطيح بانتفاضة “17 تشرين” وبآمال الشعب اللبنانيّ في بناء وطن يشبه أحلامهم.

المفارقة في أنّ خمس سنوات مضت قبل أن تعود تلك المطالب والشعارات لتدوي من جديد قريبًا من الساحات التي نزل إليها اللبنانيّون، لتدوي هنا في قاعة المجلس النيابيّ على لسان الرئيس المنتخب العماد جوزاف عون. المجلس الذي أقفل أبوابه طويلًا وصمّ آذانه غير آبه بأصوات الناس، متنازلًا عن دوره وعن وظيفته كممّثلٍ للشعب وكالة وتشريعًا ومحاسبة.

وإذا كان من المبالغة بمكان، التوهّم بتطبيق ما ورد في خطاب القسم بين ليلة وضحاها، فإنّ مسألة حماية الخطاب والرئيس وتحصينهما في السياسة، وعدم السماح لمنظومة الفساد من إعادة تعويم نفسها من خلال تقمّص ما ورد في الخطاب، يجب أن يأتي في أوّل الاهتمامات راهنًا وأشدّها إلحاحًا.

لذلك ومن أجل حماية الرئيس وما يمثّل من خطاب وتوجّه، ينبغي على الذين نزلوا إلى ساحات “17 تشرين”، الالتفاف سريعًا، وأن يشدّوا الرحال صعودًا نحو بعبدا، وذلك لتأمين حاضنة سياسيّة وشعبيّة، تؤمّن توازنًا في وجه المنظومة الفاسدة، وتكون بمثابة قوّة ضغط ونفوذ من أجل السير قدمًا بما ورد في متن الخطاب وتنفيذه.

تكمن أهمّيّة الخطاب والذي يصلح لأن يكون نواة عقد اجتماعي جديد للبنان، أنّه يحاكي الـ 17 من تشرين (الأول) أكتوبر، وناسه وأصواتها وروحها وشعاراتها التي صدحت بها الحناجر مطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة التي أفسدت وسرقت

على ألّا تبقى تلك الكتلة أسيرة الشارع، بل أن تتحوّل إلى قوّة ناخبة تخوض الانتخابات المقبلة وفق قانون انتخاب عصريّ، عادل وشفّاف، يعكس صحّة التمثيل، يأتي بممثّليها إلى البرلمان لاستكمال مسيرة التغيير نحو الدولة التي يطمح كلّ اللبنانيّين إلى سطوع فجرها، وهي دولة القانون والمؤسّسات والعدالة الاجتماعيّة. الدولة التي عدّد مواصفاتها طويلًا الرئيس المنتخب العماد جوزاف عون.

يستحقّ خطاب القسم أن ينال صفة “الخطاب الحلم”، وفي الوقت عينه يستحقّ اللبنانيّون وبعد عقود من الحروب وويلاتها ونكباتها ومآسيها والاحتلالات التي حلّت بهم، واستعمال هذا الوطن ساحة للفوضى، أن يعيشوا واقع تحقيق الحلم نحو حقيقة، وأن يُترجم ما ورد في الخطاب القسم بدولة قويّة لا شريك لها، تكون مظلّة أمن وأمان لجميع اللبنانيّين.

دولة تحدّث عنها وعن مواصفاتها طويلًا خطاب القسم، لم يترك عنوانًا من عناوينها وهيكليّتها إلّا وتناوله بالتفصيل، من حصريّة السلاح بيد الدولة، إلى القضاء المستقلّ، إلى قانون الانتخاب، إلى المحاسبة والمساءلة والشفافيّة والعدالة الاجتماعيّة والسيادة والحدود والعلاقة مع المجتمعين العربيّ والدوليّ. إضافة إلى كلّ ذلك كانت لافتة المضامين “القيميّة” الحقوقيّة التي استعملت في صياغة الخطاب ومفرداته، بدءًا من طريقة المخاطبة “أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون”، مرورًا بتشديده على قيَم الحرية. “وفي مفهوم الديمقراطيّة وفي حكم الأكثريّة وحقوق الأقلّيّات، وفي صورة لبنان في الخارج وعلاقاتنا بالاغتراب، وفي فلسفة المحاسبة والرقابة وفي مركزيّة الدولة والإنماء غير المتوازن وفي محاربة البطالة وفي مكافحة الفقر والتصحّر البشريّ والبيئيّ”.

“لذا عهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا وليسمع العالم كلّه” قالها الرئيس جوزاف عون بجرأة لم نعتادها منذ أكثر من خمسين عامًا، جرأة على اللبنانيّين أن يتلقّفوها ويتلقّفوا معها خطابه القسميّ، فبه بداية الحلم الذي لا بدّ له أن يتحقّق، في حال أحسن اللبنانيّون التقاط الفرصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى