طلّاب الجامعة اللبنانيّة.. بين تعب الصوم والدوام الطويل
على وقع الدّوام الطويل والحرّ المفاجئ الّذي اجتاح لبنان من دون سابق إنذار، يقضي الطلاب أوقاتهم في الجامعة اللبنانيّة، في مختلف تخصّصاتهم، ومنها ما يتطلّب جهدًا جسديًّا وعمليًّا إضافيًّا، وأخرى تتطلّب جهدًا فكريًّا وإبداعيًّا، “وهو ما يتعارض قطعًا مع شهر رمضان والصوم وساعات الدوام الطويل”، يقول يوسف خليل، الطالب في الجامعة اللبنانية إلى “مناطق نت”.
تصادف شهر رمضان مع بداية الفصل الثاني من العام الدراسيّ في معظم الاختصاصات، ما أدّى إلى تغيير الدوام ومواعيد الحصص الدراسيّة. يقول المنطق هنا بوجوب جدولة مواقيت الحصص بما يريح الطالب ولا يرهقه، خصوصًا في شهر الصيام، وهذا ما لم يحدث، إذ يجزم كثيرون من الطلاب في حديثهم إلى “مناطق نت” بأنّهم يفتتحون نهاراتهم الدراسيّة في معظم الأحيان بدءًا من الساعة الثامنة صباحًا، ورأفةً بهم قرّر بعض الأساتذة تأجيل بدء الحصص إلى الساعة التاسعة.
قد يبدو الدوام الباكر مريحًا للبعض، ولكنّ المشكلة تكمن في موعد نهاية الدوام الذي يمتدّ أحيانًا حتّى الساعة الخامسة عصرًا فيهرول الطلاب للّحاق بموعد الإفطار، وربّما يمتدّ الدوام أحيانًا حتّى الساعة السادسة، فيسمع الطلاب آذان المغرب من قاعات الدراسة.
قد يبدو الدوام الباكر مريحًا للبعض، ولكنّ المشكلة تكمن في موعد نهاية الدوام الذي يمتدّ أحيانًا حتّى الساعة الخامسة عصرًا فيهرول الطلاب للّحاق بموعد الإفطار
الحلّ في الـ”ديليفري”
ليس أمام الطلاب ممّن يسكنون وحدهم، إمّا في السكن الجامعيّ أو في السكن الطلّابي قرب الجامعة، كثير من الحلول لتأمين لقمهم وتحضير إفطاراتهم، في ظلّ معاناتهم مع الدوام الطويل وعجزهم عن إيجاد وقت كافٍ للطبخ أو لتسخين الأطعمة التي أحضروها سابقًا من قراهم البعيدة، فلا يتبقّى أمامهم إلّا الطعام الجاهز ومواجهة المصاريف الزائدة.
“نبقى أحيانًا في الجامعة حتّى الساعة السادسة، وأحيانًا حتّى السابعة، نستطيع سماع الآذان من القاعات، وذلك اضطرارًا لإنجاز بحث ما أو للدراسة، فنطلب ديليفري”، يقول يوسف خليل الّذي يقطن في السكن الجامعيّ بعيدًا عن عائلته، ويضطرّ بغية تحضير لقمة إفطاره، أن يعود باكرًا إلى السكن، وهذا ما لا يحدث.
يتابع خليل: “أحبّ أن أعود إلى غرفتي في الساعة الرابعة عصرًا، وأن أجهزّ طاولة الإفطار، وأن آكل على مهل الأطعمة التي أحبّها. ولكنّني عادةً أصل على عجل في تمام الساعة السادسة، على وقع عبارة “الله أكبر”، وفي أحيانٍ كثيرة لا أفطر، أكتفي بجرعة ماء”.
ويختم خليل: “بالإضافة إلى الجوّ الحار الذي يزيدنا إرهاقًا، أنا متخصّص في المسرح، ما يتطلّب منّي ومن زملائي جهدًا جسديًّا مضاعفًا وتعبًا أكبر وعطشًا نحمله معنا طوال النهار”.
من كليّة العلوم، يقول الطالب وسام درويش لـ”مناطق نت”: “التعب الذي نتكبّده في الجامعة ودوامها الطويل، “عالفاضي”، تعب وعطش وجوع، لذلك نضطرّ إلى طلب الأكل الجاهز في معظم الأحيان، وبقدر ما يساعدنا الديليفري في حلّ أمورنا، بقدر ما يزيد علينا حملًا إضافيًّا من المصاريف الزائدة”.
يردف الطالب يزن حسنين من كليّة العلوم على كلام زميله: “البارحة أنهى الدكتور الحصّة قبل نصف ساعة لندرك الإفطار، ولكن الحال ذاته، لم استطع تجهيز إفطاري فطلبت طعامًا جاهزًا، ثم بدأت بالدراسة ليلًا ولم أغفُ أكثر من ثلاث ساعات”.
صيام على طريق الجنوب
“يبدأ دوامنا من الساعة التاسعة ويستمر إلى السادسة، آتي إلى الجامعة من النبطية، وأضطرّ إلى الاستيقاظ في الساعة السادسة، لكن مشكلتي في أوقات الفراغ بين الحصص، إذ نقضي معظم وقتنا لا نفعل شيئًا، إثر الإلغاء المفاجئ للحصص أو الخلل في الدوام، بحيث نقضي أحيانًا ساعتين أو ثلاثًا بانتظار الحصّة الدراسية”، تقول إسراء حيدر الطالبة في كليّة الصحافة والإعلام.
وتختم إسراء: “أحيانًا أترك الحصّة الأخيرة من الدوام لكي أدرك الإفطار مع عائلتي في الجنوب، أستقلّ الباص في الرابعة كي أصل إلى البيت في السادسة، وبحسب عجقة السير”.
“مشتاقة لأكلات ماما”
في حديثها إلى “مناطق نت” تقول غدير حرز (اختصاص السينما والتلفزيون)، إنّها تضطرّ إلى العمل ليلًا لتوفير مصاريفها في ظلّ انتقالها من الجنوب إلى بيروت من أجل الجامعة، “أحيانًا أفطر في الشّغل، لأنّ لا وقت لديّ للعودة إلى السكن، فأطلب الأكل الجاهز الذي يكلّفني نحو 15 دولارًا يوميًّا، وطبعًا مشتاقة لأكلات ماما، ولمساعدتها في تجهيز الإفطار” والكلام لحرز.
تقول “زينب وهبة” لـ”مناطق نت”: “فضلًا عن الصيام والدوام الطويل، ما عم نلحّق ناكل متل الخلق ولا عم نلحّق ننام متل الخلق، هذا إذا ما استثنينا الدرس والأبحاث التي لا نقدر على إنجازها في الوقت المحدّد”.
تروي ريم داوود الطالبة في اختصاص المسرح حكايتها مع تحضير إفطارها في ظلّ سكنها لوحدها في بيروت فتقول: “في السكن الجامعيّ غير مسموح بوجود الغاز، لا نملك إلّا “مايكرو وييف” لتسخين الطعام الّذي نحضره معنا من بيت الأهل، والمشكلة أنّ الطعام الذي ترسله لي أمّي لا يكفيني حتّى نهاية الأسبوع، فأضطر للجوء إلى الطعام الجاهز”.
على مشارف نهاية الشهر الفضيل، لم يبقَ أمام معاناة طلاب الجامعة اللبنانيّة إلّا أيّامًا قليلة، فالصعاب عبرت، وهم يتخطّونها كما يفعلون دائمًا، على رغم كلّ العجائب التي يراها طالب الجامعة اللبنانيّة خلال رحلته الدراسيّة؛ وربّما يردّد البعض “أنّ معاناة الصوم في الجامعة ليست سوى أمر هيّنٌ أمام قضايا الجامعة المخفيّة والتي لا يراها ولا يتحمّل أعباءها إلّا الطالب وحده، ويتخطّاها بصمت”.