طلّاب “العمارة” يضعون تصوّرًا لإعادة إعمار القرى الحدوديّة

على رغم مرور أكثر من نصف عام على دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ فجر الـ 27 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لا تزال إعادة إعمار القرى الحدوديّة أمرًا صعبًا ويشوبه كثير من المخاطر، إذ وفق الأرقام المنشورة عن الحصيلة الرسميّة للخروقات والاعتداءات الاسرائيليّة منذ ذلك الحين وحتّى صباح التاسع من حزيران/ يونيو الجاري، حصل 1643 خرقًا برّيًّا، 1774 خرقًا جوّيًّا، و88 خرقًا بحريًّا، أيّ ما مجموعه 3505 خروق.

مبادرة طلّابيّة للتعمير

ولكي نخطو خطوة باتّجاه إعادة تعمير هذه القرى التي دمّرتها إسرائيل بشكل ممنهج على مدى العامين السابقيّن، نفذت مجموعة من طلّاب كلّيّة الفنون الجميلة والعمارة، الفرع الأوّل، في الجامعة اللبنانيّة، مشروعًا أعادوا من خلاله رسم وتصوّر كيفيّة بناء هذه المنازل في قرى مثل ميس الجبل. وتبرز أهمّيّة هذا المشروع في كون الجامعة الوطنيّة تلعب دورها المجتمعيّ، على شكل اقتراحات موضوعة بين يديّ المعنيّين.

يُحدّثنا الدكتور حسين ونّوس عن المشروع فيقول: “هو إعادة إعمار الحيّ الرئيس في بلدة ميس الجبل الذي دمّره العدوّ الإسرائيليّ. وقد قام طلّاب السنة الثالثة هندسة معماريّة في الجامعة اللبنانيّة بانتقاء 40 منزلًا ووحدة عمرانيّة وأعادوا تصميمها”.

من مشروع إعادة إعمار بلدة ميس الجبل الذي نفّذه طلاب كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية

وعن الفكرة، كيف ومتى بدأت، يقول: “بدأت الفكرة فور انتهاء العدوان الإسرائيليّ على لبنان إذ قامت مجموعة من الطلّاب بتصوير وإحصاء الوحدات العمرانيّة التي سيشملها المشروع وقد شارك فيها 40 طالبًا”.

أنجز المشروع بالكامل “لكنّه لا يزال على الورق، عبارة عن خرائط وتصاميم، تحتاج أن يؤخذ بها من قبل المعنيّين كي تسلك طريقها إلى التنفيذ الفعليّ” وفق ونوس. علمًا أنّ طلّاب العمارة نفّذوا أيضًا عدّة مشاريع أخرى، مثل مشروع المركز الثقافيّ في مجدل سلم ومشروع محطّة للإطفاء في بعلبك ومشروع إعادة إعمار السوق التراثيّة في النبطية، وكلّها تصاميم تتطلّب التنفيذ عندما تبدأ ورشة الإعمار.

لخلق عمارة حديثة

وعن أهميّة الفكرة نفسها يقول ونّوس إنّها “تكمن في لحظ معالجة التعدّيات العمرانيّة وخلق صورة عمرانيّة حديثة للقرية المدمّرة والتخلّص من التشوّهات البصريّة واستخدام مبدأ الاستدامة في التصاميم، كالاستفادة من الطاقة الصديقة للبيئة، مثال تجميع مياه الشتاء وتركيب ألواح الطاقة الشمسيّة وغيرها”.

ويضيف ونّوس “هذه الخطوة ستشجّع أهالي القرى، على معرفة الصورة الإيجابيّة لقريتهم بعد الإعمار وإعادة تثبيتهم فيها”. وبحسب ونّوس، لاقى المشروع ترحيبًا ملحوظًا من قبل الأهالي الذين دمّرت إسرائيل منازلهم: “تفاجأنا بمدى تجاوب المواطنين وتعليقاتهم المرحّبة على وسائل التواصل الاجتماعيّ” يختم ونّوس.

في الحي الشماليّ في ميس الجبل، كان يسكن المختار محمّد شكر، هو وعائلته المؤلّفة من ستّة أفراد، في منزل بناه العام 2000، لكنّ إسرائيل أبت إلّا أن تدمّره كلّيًّا

هذا التدمير الكبير الحاصل على الحدود مع فلسطين المحتلّة، يفتح المجال أمام المتخصّصين والبلديّات المعنيّة من أجل السعي إلى وضع مخطّط جديد لبلداتهم فور البدء بإعادة الإعمار، علمًا أنّ التدمير طال بلدات غير حدوديّة أيضًا، في الجنوب والبقاع وكذلك أحياء الضاحية الجنوبيّة لبيروت.

لم يكن مجرّد بيت

في الحي الشماليّ في ميس الجبل، كان يسكن المختار محمّد شكر، هو وعائلته المؤلّفة من ستّة أفراد، في منزل بناه العام 2000، قبل أن يتوسّع فيه ليصبح مبنى مكوّنًا من طابقين يضمّ أربع شقق سكنيّة، كي يسكنها أولاده الثلاثة، لكنّ إسرائيل أبت إلّا أن تدمّره كلّيًّا.

“كانت لنا فيه أشياء تخصّنا، ذكريات وتفاصيل حياتنا، لم يكن مجرّد بيت، كنا نسكن فيه ويسكننا” يقول شكر لـ “مناطق نت”، ويتابع بتأثّر: “خسارته صعبة للغاية، حتّى أنّ زوجتي وابنتي لم تتقبّلا فكرة خسارته بعد”.

يقصد المختار بلدته ميس بشكل شبه يوميّ، يجلس على مقربة من أطلال منزله، ويتنقّل في أحياء البلدة التي تمّ تشويه معالمها بالكامل، يقول إنّ حاله “تشبه كثرًا من أبناء البلدة، ممّن يواظبون على زيارتها”. ويضيف: “لو أمكننا لبقينا فيها، ولم نتزحزح عنها، لكنّ العدوّ الإسرائيليّ يتقصّد استهدافنا نحن أبناء القرى الأماميّة، وكأنّه يقول للناس وجودكم غير مرغوب فيه، تحت قوّة التهديد”.

يعيش المختار راهنًا في منزل كان قد استأجره في النبطية منذ بداية النزوح، يتوقّع ألّا تكون العودة وإعادة التعمير في فترة زمنيّة قريبة، بسبب غياب الأمان وفقدان مستلزمات الحياة الأساسيّة في البلدة من كهرباء ومياه وغيرها، وكذلك عدم توافر الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، لكنّه ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يعود كي يستقرّ في بلدته.

واحدة من قصّص كثيرة

قصّة المختار حول كيفيّة تدمير إسرائيل منزله، ليست سوى واحدة من قصص لجنوبيّين كثر خسروا منازلهم لا سيّما في قرى الحافّة الأماميّة، التي دمّرتها إسرائيل وفجّرت منازلها وجعلتها غير قابلة لأيّ شكل من أشكال الحياة.

ووفق الباحث في “الدوليّة للمعلومات” محمّد شمس الدين: “بلغ عدد القرى والبلدات التي دمّرتها إسرائيل 22 من أصل 29 قرية وبلدة ممتدّة على طول الشريط الحدوديّ من الناقورة غربًا إلى شبعا شرقًا”. وعن حجم الوحدات السكنيّة المدمّرة بالكامل يقول لـ “مناطق نت”: “بلغ عددها نحو 22600 وحدة حتّى الآن”.

ففي بلدة ميس الجبل، على سبيل المثال، بلغ حجم الدمار مئة في المئة، وبحسب رئيس بلديّتها السابق عبد المنعم شقير، فقد “دمّرت إسرائيل بشكل كامل ثلاثة آلاف من أصل 4800 وحدة سكنيّة، أما البقيّة فقد تعرّضت لأضرار متفاوتة وجزئيّة”، كذلك شمل الخراب والدمار شبكات الكهرباء والمياه والاتّصالات والتربة والمواشي.

حسن: الأحياء الأربعة في البلدة تحتاج إلى إعادة تخطيط وجرف جميع البيوت وتوسعة الطرقات وفق نموذج جديد، وهذا ما تحتاج إليه غالبيّة القرى والبلدات هنا

الخروقات وأثرها

وفي هذا السياق، يجد إبن بلدة ميس الجنوبيّة (حسن) والذي تضرّر منزله بشكل كبير جرّاء الحرب ويحتاج حاليًّا إلى ترميم كي يصبح صالحًا للسكن، أنّ على المعنيّين في البلديّة معرفة كيفيّة التعامل مع مثل هذه الفرصة، من خلال إعادة تخطيط الطرقات الداخليّة في البلدة وتوسعتها وكذلك العمل على خلق نموذج جديد لمباني موحّدة، كأن يتألّف المبنى من طابقين أو ثلاثة بدلًا من طابق واحد، وذلك بالاتّفاق مع سكّان البلدة”.

ويعتبر حسن في حديث مع “مناطق نت” أنّ “الأحياء الأربعة في البلدة تحتاج إلى إعادة تخطيط وجرف جميع البيوت وتوسعة الطرقات وفق نموذج جديد، وهذا ما تحتاج إليه غالبيّة القرى والبلدات هنا، وليس فقط ميس الجبل”.

بالأرقام

لا يمرّ يوم إلّا وثمّة حديث عن إعادة التعمير في هذه القرى، وعن التهديدات الأمنيّة، لكن إلى جانب ذلك، لا تزال كلفة إعادة الإعمار خارجة عن قدرات الدولة اللبنانيّة، التي لم تحظَ حتّى الآن بأيّ دعم دوليّ في هذا الخصوص.

وفي كلمة ألقاها رئيس الحكومة نوّاف سلام، خلال مؤتمر إعادة بناء لبنان الذي عقد الثلاثاء في الـ 10 من حزيران الجاري، قال إنّ الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على لبنان “أدّت إلى تهجير مجتمعات بأكملها، وتدمير سُبل العيش، وإلحاق أضرار جسيّمة بالبُنى التحتيّة الحيويّة”.

وتابع سلام: “تشير التقديرات الأخيّرة، بما في ذلك تلك الصادرة عن البنك الدوليّ، إلى أنّ كلف إعادة الإعمار قد تتجاوز الـ 14 مليار دولار، ممّا يُضيف مزيدًا من الأعباء على كاهل دولة هشّة أساسًا”. ويعدّ قطاع الإسكان، وفق تقرير البنك الدوليّ الأخير حول لبنان، هو الأكثر تضرّرًا، إذ تُقدّر الأضرار فيه بنحو 4.6 مليار دولار”، ما يطرح تساؤلات حيال مدى قدرة لبنان على تأمين الأموال اللازمة للسير قدمًا نحو إعادة الإعمار في القرى الحدوديّة كي يعود الناس إلى بلداتهم وقراهم، أمّ أننا سنكون أمام سيناريو طويل وبعيد الأمد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى