في مهرجان حركة “كافح” الأول.. الفنون الراديكالية تملأ الساحة
في ساحة متّشحة بالألوان، يقف حكواتي بقميص أزرق ونظارات حمراء، يروي سير متنوعة بأفكاره الراديكالية، محاولاً أن يعيد البسمة إلى وجوه ربما لم تعرف الضحك منذ أكثر من عام.
“اللعنة على تلك الرحلة التي سقتماني إليها” يقول رامز عوض عن لسان ولدٍ تذمّر من رحلة مدرسية إلى متحف ساقته عائلته للمشاركة فيها. ورغم العبرة التي نقلها عوض للمستمعين إلا أنّه استطاع أن يحافظ على تركيزهم دون ملل باستخدام حسّه الفكاهي ومظهره الملفت.
من على ذلك المنبر وجد عوض ومعه العديد من فنّاني الطبقة العاملة في مهرجان الفنّ الراديكالي (25 و26 و27 حزيران 2021) الذي نظمته حركة “كافح” في محلة مار مخايل مساحةً للتعبير عن أفكارهم التي لطالما كانت تفتقد لمثل تلك المساحة للتعبير عنها.
على مدى ثلاثة أيام شكّل المهرجان دعمًا للفئات المهمّشة ومنصة للتسويق لأعمالهم الراديكالية دون أي مقابل ماديّ. وقد شجّع المنظمون على اعتماد عملية المقايضة بين الفنانين والمشاركين في المهرجان، وذلك بأن يضع من يشاء ثياباً أو سلعة لا يحتاج إليها ويستبدلها مع ما يمكن أن يحتاجه من بين المعروضات.
يعبّر علي أحد المنظّمين للمهرجان عن سعادته بالإقبال الكبير عليه رغم أنها التجربة الأولى لهم، وهو ما يضعهم تحت ضغط ومسؤولية بأن يكونوا عند حسن ظنّ المشاركين وأن يلبّي المهرجان الأهداف المنشودة منه.
فنون بنكهةٍ ثوريّة
بين كتبٍ وُضعت للمقايضة ورسومات وأعمال يدوية تنوّعت الأفكار والهدف واحد، جميع تلك الإعمال جاءت لتعبر عن أفكارهم الراديكالية التي تثور على الثقافة السائدة في مجتمعنا. باللون الأحمر رسمت سيرينا عون لوحات يكاد يُسمع منها أصوات عويل. بلون الدمّ جسدت وحشية الإنسان في تعامله مع الحيوانات التي إما يقتلها وإما يطوعها وإما يدجّنها، وذلك إرضاءً وخدمة لنفسه. تشرح عون “أنا نباتية وأسعى في رسوماتي لتسليط الضوء على كيفية تعذيب الإنسان للحيوانات عبر استخدامهم في الأكل أو اللباس أو في تجربة منتجاتٍ عليهم”.
في الجهة المقابلة لتلك اللوحات، طاولة يضع عليها الفنان رامي عيناتي العملات النقدية التي صنع منها أشكالًا تحمل قصصًا مختلفة. من الـ 250 ليرة صنع عيناتي قبضة بمعنى الثورة وأخرى كالحجر المكسور تحت عنوان “قلب بلدي عالحجر” وقد اقتبس الفكرة من المثل الشعبي القائل “قلبي على ولدي وقلب ولدي عالحجر”.
وسط الزحام، لا يمكن إلا أن يلفتك مشهد ذلك الرجل الذي بقي متسمراً في زاوية من زوايا الساحة طوال الوقت. هدوئه الملفت، شجعني على الاقتراب منه أثناء فقرة موسيقية على أنغام أغنية “Shot Me Down” وكأن الأغنية جاءت في الوقت المناسب. حيث راح يحدّثني عن الكتاب الهزلي الذي أعدّه في العام 2018 بعد أن أصابه الاكتئاب، وكأنه قد “أطلق النار” على أوجاعه من خلاله. يتناول الكتاب شخصية رجلٍ مثليّ الجنس، ولم يتسنّ له أن ينشره مسبقًا سوى مرة واحدة ليجد في المهرجان الراديكالي اليوم فرصته الذهبية لإعادة نشره في المكان المناسب.
وفي سبيل تعزيز مبدأ التشاركية بين أبناء المجتمع والتخلص من هيمنة الدولة، كانت شبكة المساعدات التبادلية النباتية “Food Not Bombs” تحفز المشاركين في المهرجان على التطوّع معها، حيث تشجّع في عملها على التكافل الإجتماعي من خلال إنشاء مطبخ مجتمعي في منطقة معينة، حيث يأتي المتطوعون لإعداد الطعام معًا.
المهرجان في يومه الثاني كان مع الفنان جعفر الطفّار الذي يجمع بين الغناء الفولكلوري المحلّي والرّاب الممزوج بالعتابا. الطفّار أشعل الساحة بأغانيه الحماسية التي تندّد بالسلطة وتحكي بلسان المستضعفين. وأمام تفاعل الجمهور أدى الطفار أغنية “نيترات” التي أطلقها بعد مرور أشهر على تفجير 4 آب. انتهى الحفل بهتافات الحاضرين ضدّ السلطة برفقة الطفّار الذين استحضروا معه أغنية ثورة 17 تشرين الشهيرة “هيلا هيلا هو”.
منصّة لدعم الفئات المهمّشة
“كافح” هي حركة أناركية (لا سلطوية) تسعى لمجتمع يضع ضوابطه بنفسه بمعزل عن أي وصيّ مثل الدولة أو العسكر. وقد نظّمت هذا المهرجان بنزعتها الراديكالية لتشكّل حافزًا للفنانين الذين عجزوا عن التسويق لأعمالهم في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية. هذا ما أوضحه “علي” الذي يؤكّد أن “أي شخص يمتلك أفكار يرغب في أن يعبّر من خلالها عن غضبه ورفضه للواقع الذي فرضته السلطة علينا سيجدنا داعمين له”.
شكرا لكم على نشر هذه الأخبار، لكن اسمي الثاني هو عوض وليس عواد.