كيف تصبح فنّانًا معروفًا في بيروت دون أن ترسم شيئًا؟

أعلم أنك مُنهك، لا تفارق الـ “سكيتشبوك” الخاص بك طوال النهار، وتمضي الليالي في محاولة استلهام أفكار جديدة ومبتكرة للوحاتك وأعمالك الفنّيّة. رأيتك مرارًا تزور المعارض، وتُقدّم ملف أعمالك لأصحاب الغاليري، ورأيتهم كذلك كيف يخذلونك، لا يعيرونك أدنى اهتمام، على رغم أنّ أعمالك تتّسم بالاحترافيّة، وتتمتّع بقدراتٍ وتقنيّاتٍ خاصّة، وكذلك أفكارك، أوووه، كم هي مختلفة وجريئة!
لكن… لِمَ كلّ هذا التعب والالتزام؟ بتُّ أشفق عليك، عزيزي الفنّان! الوضع في بيروت مختلف تمامًا عمّا تظنّ. لا داعي لكلّ هذا الإنهاك والمثابرة. اليوم، أضع بين يديك خطواتٍ بسيطة، تضمن لك أن تصبح فنّانًا معروفًا في بيروت، من دون أن ترسم شيئًا!
وفاةُ قومٍ عند قومٍ فوائد!
هل سمعت يومًا بالعبارة العربيّة الشهيرة “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”؟ من الآن وصاعدًا، ستصبح هذه العبارة بوّابتك إلى الشهرة. في عالم الفنّ، تتحوّل هذه العبارة لتُصبح: “وفاةُ قومٍ عند قومٍ فوائد”. ابحث عن فنّان أجنبيّ متوفّ وغير معروف، انسخ جميع أعماله، وأضف عليها لمسات بسيطة تُحاكي أعمال فنّان آخر… أيضًا متوفّ وغير معروف.
حاول أن تختار أعمالًا بسيطة، لا تتطلّب منك كثيرًا من الجهد، كي تتمكّن على الأقلّ، من نسخ ثلاث لوحات يوميًّا. في ظرف عشرين يومًا، يصبح لديك معرضٌ كامل من ستّين عملًا! وهكذا، تصبح جاهزًا لمعرضك الفرديّ الأوّل، الذي يحمل عنوان: “إعادة تخيّل الصمت”.
هل يخطر ببالك أنّ أحد المثقّفين سيكشف سرّك؟ بالطبع! سيواجهك، سيفضحك، سيحاول إحراجك أمام الوسط الفنّيّ. يا إلهي، كم هم مزعجون أولئك الذين يظنّون أنفسهم عباقرة! ببساطة، انظر إلى الأفق، وردّ عليه دون أن تلتقي أعينكم: “لا أعرف هذا الفنّان الذي تتّهمونني بسرقة أعماله”.
الاستحمام مضيعةٌ للوقت
توقّف عن إضاعة وقتك بالاستحمام والاعتناء بملابسك. هل أنت موظّف بنك؟ أمّ فنّان صاحب رسالة؟ الاستحمام هو هواية السُذّج، الذين لا يفكّرون إلّا بمظهرهم. أمّا أنت، فلست بهذه السطحيّة. أنت أعظم من ذلك. أنت مرآة الوجود!
لا ترتدِ ملابس مرتّبة. ارتدِ أيّ شيء، حرفيًّا. عندما يسألك أحد عن السروال الذي ترتديه، أجب بثقة: “لا أعرف، وجدته على الكنبة”. دع قشرة رأسك وزيوت شعرك تخوض حفلًا جماعيًّا فوق جمجمتك. أمّا الـ “تي-شيرت” الزرقاء المصبوغة بالصفرة، فاحتفظ بها كتحيّة لماضٍ كنت تستحمّ فيه.
لا تتكلّم أبدًا… أو تكلّم كثيرًا
الأمر يعتمد على مكان وجودك. إن كنت في غاليري محاطًا بالبرجوازيّين، فالتزم الصمت. حدّق مطوّلًا في الأفق. دعهم يعتقدون أنّك تحاور الأرواح. اعصر عينيك وارفع ذقنك نحو الأعلى. اختر لوحة لا تخصّك، وانطق ببطء: “رأيت عملًا مشابهًا، في سياقٍ مختلف”.
عزيزي الفنّان، هذه خطوات بسيطة نحو الشهرة. أتمنّى عليك أن تعمل بها، وأن تتخذها على محمل الجدّ. في بيروت، لا تحتاج إلّا إلى دفتر أسود، وكيس تبغ أصفر “غولدن فرجينيا”
أمّا إذا كنت في أحد مقاهي بدارو، فعليك بالكلام من دون انقطاع. قلّ أيّ شيء، أيّ هراء، لكن اجعله يبدو عميقًا. إن لم تفهم ما تقول، فهذا ممتاز. عندما ترى بقعة من ضوء الشمس تنعكس على سيّارة أو شجرة، توقّف فجأة عن الكلام وتأمّل الضوء مطوّلًا، ثمّ تمتم بحزن: “الرحمة على مونّيه”.
تبنَّ الماضي… ليس ماضيك
آه، كم أنت حزين. لا تخرج من المنزل دون حزنك. هو ليس حزنًا عاديًّا، بل «ميلاكونيا» تتوارثها الأجيال. حين يصرّ عليك أحدهم أن تشرح سبب حزنك، تنفّس ببطء، ثمّ ابدأ الحكاية:
كان جدّك رسّامًا خلال الحرب الأهليّة، يختبئ مع لوحاته داخل فرنٍ بيروتيّ. ذات يوم، نفد الطحين، فاضطرّ إلى التهام إحدى لوحاته من شدّة الجوع، ومات. منذ ذلك الحين، تشعر أنّ عليك إنهاء ما بدأه. أنت ترسم لأجل جدّك الشهيد الذي مات شهيقًا بين ضربات الريشة والخبز المحروق.
عزيزي الفنّان، هذه خطوات بسيطة نحو الشهرة. أتمنّى عليك أن تعمل بها، وأن تتخذها على محمل الجدّ. في بيروت، لا تحتاج إلّا إلى دفتر أسود، وكيس تبغ أصفر “غولدن فرجينيا”، وبعض الأصدقاء المتاحين. دعك من مشقّات الإبداع؛ كلّ ما تحتاجه هو قليل من الجرأة، جرعة من الغموض، وصورة قديمة لجدّك البطل.