مبادرة تحاكي النساء النازحات وتكسر الخطوط الحمراء

أطعمة، أدوية، معلّبات وملابس، ربّما هي بعض ألعاب للأطفال أيضًا، هكذا تكون عادةً المساعدات والمساهمات المقَدّمة للنازحين والمهجَّرين، لكن ماذا عن حاجيّات النساء في هذه الحرب؟ ماذا تفعل المرأة التي هُجّرت من منزلها فجأة، وباتت لا تملك مالًا كافيًا لشراء حاجيّاتها النسائيّة وأبرزها الفوط الصحّيّة في أوان الدورة الشهريّة؟

هو موضوعٌ حسّاس ربّما يسبب حرجًا عند نساء نازحات، ولهذا آثرت الصحافيّة اللبنانيّة ناهلة سلامة أن تكسر الخطوط الحمراء، وتقوم بمبادرة فرديّة توزّع فيها للنساء النازحات، فوطًا صحّيّة حفاظًا على صحّتهنّ، فكيف بدأت الحكاية؟

مع موجة النزوح الكبيرة التي شهدها لبنان، تبرز النساء كفئة هشّة في هذا الوضع الصعب، إذ تتغاضى جمعيّات كثيرة ومبادرات تطوّعيّة وحتّى الدولة، عن ضرورة تقديم المساعدة لتلبية احتياجاتهنّ الخاصّة، فتحتوي المساعدات على حاجيّات أساسيّة من مأكل ومشرب وملبس، وتستثني أهمّيّة توزيع أو تقديم الفوط الصحّيّة النسائيّة.

لذا، أعادت ناهلة سلامة مبادرة كانت أُطلقت في العام 2021 إلى الواجهة وبشكل فرديّ، فقامت بتوجيه الأنظار نحو أهمّيّة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ والإعلام، لا سيّما مع بداية الحرب، حينما نزحت النساء والعائلات بشكل مفاجئ. ومن ثمّ قامت ناهلة بتجميع المال من المتبرعين وبدأت في توزيع الفوط على النساء المحتاجات، منطلِقةً من منزلها الذي جعلته مركزًا لاستقبال المهجّرات وتقديم العون لهنّ.

تُشير ناهلة لـ “مناطق نت” إلى أنّ “مهمّتي لم تعد تقتصر على توزيع الفوط الصحّيّة النسائيّة، بل أضفتُ إليها حصصًا غذائيّة وملابس وحصائر وأنواعًا مختلفة من المساعدات، ولا يتوقّف اليوم باب منزلي عن الطرق، فتأتي امرأة محتاجة وتذهب أخرى، والجميع يتلقّين حصصهنّ بعدلٍ وتساوٍ وبخصوصيّة تامّة منعًا لأيّ إحراج”.

الصحافية والناشطة ناهلة سلامة
المبادرة ليست آنيّة

تؤكّد ناهلة أنّ “المبادرة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى العام 2021 حين رفعت الحكومة الدعم عن الفوط النسائيّة الصحّيّة، فارتفعت أسعارها بشكل كبير، ممّا أدى إلى صعوبة تأمينها لدى بعض العائلات التي يغلب على أفرادها النساء والفتيات، آنذاك بادرت بعض الناشطات النسويّات إلى إطلاق حملة واسعة في لبنان تحت عنوان `نشّفتوا دمنا`”.

تتابع ناهلة “لمعت الفكرة في رأسي حيث بادرتُ إلى توزيع فوط صحّيّة بشكل مجّاني على العائلات الفقيرة، والتي تحتاج إلى أكثر من علبة فوط صحّيّة في الشهر”. تضيف “تعرّضت لتنمّر وتهكّم واسع وكأنّ الموضوع بسيط وسخيف لدى النساء”.

تردف قائلة: “كان هناك عديد من التعليقات المسيئة للنساء بعد رفع الدعم لا سيّما من الذكور، وصاروا يكتبون عبر وسائل التواصل كلمات مهينة، مطالبين المرأة بأن تستعمل “خِرقة” لتلبّي حاجتها في الدورة الشهريّة، متناسين أنّ ذلك قد يسبب كتيريا وضررًا صحّيًّا لها، ومن هذا المنطلق طوّرتُ الحملة بشكل فرديّ، وناشدتُ عبر وسائل إعلام عدة بضرورة توافر الفوط الصحّيّة ضمن المساعدات، وعدم الاستهزاء بهذا الأمر المهمّ لدى كلّ امرأة واعتباره `عيبًا`، فهو أمر طبيعيّ بيولوجيّ يحصل في جسم كلّ سيدة”.

الفوط الصحّيّة التي توزّعها ناهلة سلامة على النازحات ضمن مبادرتها

استمرّت المبادرة مدّة سنة كاملة ساعدها فيها مجموعة واسعة من النساء في مناطق مختلفة، حيث قمنَ بمبادرات فرديّة ضمن مناطقهن لتوزيع الفوط النسائية على العائلات المحتاجة ولو حتى على نطاق ضيق.

أهمّيّة الحملة وضرورتها

تشرح ناهلة أهمّيّة المبادرة وضرورتها “من نواحٍ عدّة منها ضرورة تكافل النساء مع بعضهنّ البعض في ظلّ هذه الظروف، حيث لا يمكن أن يعرف احتياجات المرأة سوى المرأة نفسها، لذا فإنّ هذا التعاضد الاجتماعيّ النسائيّ، يولّد نوعًا من الراحة والطمأنينة لدى النساء المهجّرات في أنّ هناك من يفكّر بهنّ ويهتمّ لأمرهنّ، كذلك أنّ هناك نساءً يخجلنَ من المطالبة أو حتّى الحديث عن حاجيّات الدورة الشهريّة فيخترنَ الصمت، وهنا يبرز دور النساء في مساعدة بعضهن البعض”.

ومنها أيضًا تعزيز وحماية الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة لدى المرأة، إذ تؤكّد ناهلة أنّه وفي مثل هذه الحالات الطارئة كالحرب لا يمكن للمرأة التي عندها أربع فتيات مثلًا أن تتحمّل وحدها كلفات شراء الفوط النسائيّة كلّ شهر، لا سيّما أنّ فترة الحيض قد تطول لدى بعضهنّ، بالإضافة إلى أنّ بعض مراكز الإيواء تفتقد إلى إمكانيّة العناية بالنظافة ولا يوجد فيها غسّالات مثلًا، أيّ لا يمكن للمرأة أن تستعمل “خِرقًا” و”تدبّر حالها” أثناء الدورة الشهريّة، وهو الأمر الذي قد يعرّضها أيضًا إلى أمراض تناسليّة أو بوليّة.

في مثل هذه الحالات الطارئة كالحرب لا يمكن للمرأة التي يوجد لديها أربع فتيات مثلاً أن تتحمل وحدها تكاليف شراء الفوط النسائية كل شهر، لا سيما أن فترة الحيض قد تطول لدى بعضهن

من النواحي المهمّة للحملة كذلك، يأتي تجاوُز الخطوط الحمراء التي رسمها المجتمع، إذ كثيرون من الناس للأسف يعتبرون أنّ هذا الموضوع سخيف ولا طائل من إعطائه هذا الحجم والأهمّيّة، ناهيك عن وصمه بالعيب والعار وغيرها من هذه العبارات، وكأنّ المرأة كائن فضائيّ، لذا كان من الضرورة تحدّي النظرة الدونيّة للمرأة وتقديم المساعدة لها بما يخصّ متطلّباتها الجسديّة ومنع تكريس الصور النمطيّة المجتمعيّة في ما يخصّ حاجيّاتها ومتطلّباتها.

استهداف النازحات في البيوت

ما يميّز الحملة أيضًا أنّها تستهدف البيوت، إذ إنّ المساعدات من الدولة أو الجمعيّات أو المبادرات تأتي في الغالب إلى مراكز الإيواء، لكنّ حملة ناهلة شملت بشكل أكبر النساء النازحات نحو بيوت أخرى لا يفكّر أحد بهنّ، إذ ترى الجمعيّات والمؤسّسات المساهِمة في المساعدة، أنّ العائلات التي نزحت إلى بيوت ثانية في مناطق آمنة، قادرة على تأمين حاجيّاتها بنفسها، لكنّ ذلك غير صحيح، ومن هذا المبدأ توجّهت ناهلة إلى تقديم المساعدة للنساء والعائلات النازحات في المنازل ممّا شكّل لهنّ نوعًا من الارتياح، لأنّ هناك من يهتم بشؤونهنّ.

في ظلّ حرب طاحنة تقسو على الجميع، يبرز دور المبادرات الفرديّة ومنها مبادرة ناهلة التي تستقبل وتساعد من خلال مبادرتها أكثر من أربعين عائلة جُلَّهم من النساء. تختم سلامة “دور النساء اليوم ضروريّ أكثر من أيّ وقت مضى، وعلى الرغم من أنّه كان مهمّشًا بشكل دائم تاريخيًّا، لكن لا بدّ من أن نصنع شيئًا يذكره التاريخ في ما بعد، ليقول إنّ النساء كُنّ قادرات على تجاوُز المِحن بتكافلهنّ وتعاضدهنّ”.

حاجيات أخرى تقوم ناهلة سلامة بتوزيعها على النازحين ضمن مبادرتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى