محطّة معالجة المياه المبتذلة في صيدا أعطال كثيرة وحلول ترقيعيّة

معظم محطّات معالجة المياه المبتذلة في لبنان متوقّفة عن العمل، وتلعب دورًا اساسيًّا في تلويث التربة والشاطىء اللبنانيّ. من هذه المحطّات، محطّة المعالجة في صيدا، المتوقّفة عن العمل الفعليّ والمنتظم منذ أكثر من عام ونصف العام. ويقتصر عملها على فصل المواد الصلبة والنفايات المرميّة في المجارير ودفع الموادّ السائلة إلى شاطىء البحر.

في أواخر كانون الثاني العام  2024، زارت إحدى الصحافيّات المحطّة المذكورة، كان الهدوء يسود المحطّة، لا عمّال ولا مشغّلين، الرائحة الكريهة هي الموجودة، تواصلت مع إدارة مؤسّسة مياه لبنان الجنوبيّ، بهدف تصوير المحطّة وإعداد تقرير عنها، وفي الموعد المحدّد، فوجئت الصحافيّة بوجود عدد كبير من العمّال، وقال لها أحد المسؤولين إنّ المحطّة تعمل بانتظام وطوال 24 ساعة يوميًّا، وإذا توقّفت آلة ما، فإنّ توقّفها لن يكون أكثر من نصف ساعة. وأنّ دفع المياه نحو البحر يتمّ حتّى مسافة 2 كيلومترين وعلى عمق 30 مترًا.

من مخارج محطة التكرير على شاطء صيدا
مشكلات بنيويّة

ختمت الصحافية تقريرها وغادرت المحطّة، لكنّها عادت بعد ساعتين لتجد أنّ الهدوء عاد ليسود المكان، وأنّ الموظّفين اختفوا من المحطّة، وبدا الأمر وكأنه مسرحيّة لإيهام الرأي العام أنّ المحطّة تعمل.

تستقبل المحطّة المذكورة  المياه المبتذلة من نحو 70 قرية وبلدة محيطة بمدينة صيدا بالإضافة إلى مجاري أحياء المدينة نفسها، وقد انتهت عمليّة بنائها في نهاية العام 2010، ومنذ ذلك الوقت وهي تعاني من مشكلات بنيويّة.

في الخامس من حزيران 2023، تمّ توقيع اتفاقيّة لترميم وتأهيل عشر محطّات لمعالجة المياه المبتذلة وذلك بين الاتّحاد الأوروبّيّ واليونيسف وبين وزارة الطاقة ووزارة البيئة، وجرى استثناء محطّة صيدا التي من المفترض أنّها تقدّم خدماتها لأكثر من 300 ألف إنسان يسكنون في منطقة عملها.

بدا أنّ اختيار المحطّات قد خضع لنظام المحاصصة كما يجري في معظم الأحيان. في ذلك الوقت نفى وزير البيئة علاقته بالموضوع وقال: “إنّ عمليّة الاختيار تمّت بين وزارة الطاقة والجهات المانحة”. كما أنّ النائب الدكتور عبد الرحمن البزري أشار إلى أنّه تواصل مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، ووزيري البيئة  والطاقة وممثّلي اليونيسف، وكلّهم وعدوه بتصحيح الخطأ لعدم إدخال محطّة صيدا مع المحطّات المقرّر ترميمها، لكن يبدو أنّها وعود عرقوبيّة.

في الخامس من حزيران 2023، تمّ توقيع اتفاقيّة لترميم وتأهيل عشر محطّات لمعالجة المياه المبتذلة وذلك بين الاتّحاد الأوروبّيّ واليونيسف وبين وزارة الطاقة ووزارة البيئة، وجرى استثناء محطّة صيدا التي من المفترض أنّها تقدّم خدماتها لأكثر من 300 ألف إنسان يسكنون في منطقة عملها.

محطة يُرثى لها

يقول الناشط المهندس بلال شعبان لـ “مناطق نت”: “من خلال زيارتنا للمحطّة تبيّن أنها بحالة يُرثى لها، لقد تمّ تشغيل محطّتي الضخّ الموجودتين على شاطىء المدينة بعد وصلها بخطّ الخدمات لتأمين التيّار الكهربائيّ، لكنّ ذلك لا يكفي، لأنّ المحطّة بحاجة إلى تصحيح كامل، واذا عملت فإنّ عملها لا يتعدّى 20 بالمئة من المطلوب”.

وعن الأشغال التي تمّت خلال الأسبوعين الأخيرين، أوضح شعبان: “إنّ ما جرى هو تأهيل جزئيّ لمجاري الأمطار، لكنّه لا يعني ذلك أنّ المحطّة ستعمل”.

ماذا عن وضع المحطّة الفعلي؟

ما أن تصل إلى شاطىء البحر قرب جامع الزعتري، حتى ترى بشكل واضح كيف مياه المجاري الممزوجة مع مياه الأمطار تنساب نحو البحر مباشرة، ووفق أحد المسؤولين في بلديّة صيدا، يجري إقفال هذا المجرور بواسطة أكياس رمليّة في خلال فصل الصيف، ويتمّ تحويل المياه إلى الأنبوب الذي يوصلها إلى محطّتي الضخّ الكائنتين قرب حديقة الشيخ زايد والمسلخ القديم. أمّا في فصل الشتاء فيجري فتحه وتنساب المياه المختلطة إلى شاطىء البحر بغزارة.

وفي مرفأ الصيّادين، فقد أقفل المجرور منذ أسبوعين مع دخول فصل الصيف، في حين أنّ مياه هذا المجرور كانت تلوّث مياه المرفأ وتقضي على الثروة السمكيّة. وفي المرفأ الجديد يُلاحظ وجود ثلاثة مجارير تصبّ مياهها المبتذلة في المرفأ المذكور.

ثقب في أنبوب البحر

أمّا في المحطّة المعنيّة فإن ما تقوم به حاليًّا، وبحسب مصدر مطّلع، هو إزالة الشوائب من المياه الواصلة التي ترسل إلى غرفة للتركيد بفعل تدوير المياه، ثمّ دفعها مباشرة إلى البحر في حين يستفيد مركز معالجة النفايات المنزليّة من الطمي المجمّع، بعد دفع المياه إلى البحر، لطمر النفايات غير المدوّرة، مع ملاحظة أنّ الأنبوب الممتدّ في داخل البحر لمسافة 2 كيلومترين، لا يعمل بشكل صحيح، فإنّ تقريرًا موجودًا في وزارة البيئة يشير إلى وجود ثقب كبير على مسافة 180 مترًا من الشاطىء وأنّ المياه المبتذلة تتسرّب منه.

مياه المجارير تصب في البحر الصيداوي

وما هو الحلّ بنظر هذا المصدر المطلع؟

يقول: “نحن بحاجة إلى فصل أنابيب مياه الأمطار عن أنابيب مياه الصرف الصحّيّ، كما يجب إيجاد حلّ لخطّ الأنابيب الممتدّ من بلدة عنقون إلى المحطّة، لأنّه جرى وضعه في مجرى نهر سينيق، وهو الآن يعاني من ثقوب عديدة يجعل المياه المبتذلة تتسرّب إلى مجرى النهر نفسه، كما أنّنا بحاجة إلى صيانة كلّ الخطوط الممدودة من البلدات والقرى، وتغيير الأنبوب الممتدّ على شاطىء صيدا لأنّه غير قادر على استيعاب حجم المياه الواصلة إليه.”

ولا يغيب عن البال تحديد آليّة التشغيل، وتأمين الموارد البشريّة لذلك. وهل يتمّ عبر مؤسّسة مياه لبنان الجنوبيّ أم عبر شركات متعهّدة تقدّم خدماتها عبر مناقصة ما؟”.

ضرر بيئي اقتصادي

يشير عضو تجمّع “علِّ صوتك” المهندس محمّد دندشلي لـ “مناطق نت”: “إلى أنّ كلّ الحلول المطروحة تعالج النتائج وليس الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع المزري، لقد ارتكب مجلس الإنماء والإعمار جريمة بحقّ المنطقة عندما بنى هذه المحطّة بهذه الطريقة، ما أوقع المنطقة بضرر بيئيّ واقتصاديّ”.

ويضيف: “وإذا كان هذا الوضع مفهومًا، وحتمًا مرفوضًا، من سلطات ألغت وزارة التصميم واستبدلتها بمجلس الإنماء والإعمار ضمن المحاصصة، فإنّ السلطات المحلّيّة تتحمّل مسؤولية لأنها لا تبادر إلى وضع حلول لمعالجة هذا الأمر. وما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين في المدينة من محاولة تأهيل مجاري مياه الأمطار ما هو إلّا عمل غير مدروس ومتقطّع كي لا نقول إنّه ترقيعي”.

تعمل الوزارات المعنية ضمن نظام المحاصصة، واتّحاد البلديات والبلديات المعنيّة في خبر كان، والتلوّث يزيد يومًا بعد يوم، ونسبة الإصابة بالسرطان إلى ارتفاع، فهل من جهة تبادر لاقتراح حلول ممكنة؟

محطة تكرير المياه المبتذلة في صيدا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى