مزارعو البطاطا في بعلبك يستغيثون.. الأسعار لا تُغطّي التكاليف!
يمتلك لبنان أعلى نسبة من الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط، فهي تغطي حوالي 65 % من الأراضي اللبنانية (أي ما يعادل 6800 كم² تقريبًا) وذلك نسبة لمساحته، ووفقاً لتقرير المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال). تتوزع أغلب هذه الأراضي في البقاع، حيث المساحة المزروعة تفوق الـ 40 % من مساحته الكلية ويتوزّع الباقي في عكار وفي سهل الخيام مرجعيون وفي السواحل الجنوبية والنبطية وجبل لبنان.
لطالما اعتمد سكان البقاع المتميّز بسهوله الواسعة والخصبة على قطاع الزراعة كونه المورد المعيشي الأول ومهنة الآباء والأجداد. تنوعت أصناف المزروعات الّتي يعتمد عليها البقاع عامة، ومزارعو بعلبك- الهرمل بشكل خاص، لكن شكّلت البطاطا باب الرزق الأول لأغلب المزارعين.
وفيما يتعلق بإنتاج الخضار، تحتل البطاطا الحصّة الأكبر من الإنتاج، حيث تشكّل 25% من الحجم الكلي لهذه المحاصيل، تليها البندورة (20%) والخيار (11%) فالليمون الحامض (5%)، وذلك بحسب الإحصائات الوطنية الصادرة عن وزارة الزراعة.
موسم البطاطا
يبدأ الموسم الأول لزراعة البطاطا في بعلبك-الهرمل من أوائل شهر شباط حتى آخره، على أن يحين موعد الحصاد بدءاً من منتصف شهر حزيران وحتى شهر آب. يعاني مزارعو البقاع اليوم في ظلّ الأزمة المالية وفرق سعر صرف العملة الوطنية من صعوبة في تأمين البذار والأدوات اللوجستية الأخرى كافة، التي تحتاجها الزراعة. إذ تُباع هذه المواد بالدولار أو وفقًا لسعر الصّرف. إضافة إلى غياب الدعم الحكومي للبذار وغيرها، وصعوبة تأمين المياه للري عن طريق المولدات الكهربائية، لما تحتاجه هذه المولدات من محروقات باهظة الثمن. كل هذه العوامل رفعت من كلفة إنتاج المزروعات وزادت من هموم المزارعين الّذين يؤمّنون قوت يومهم بالاعتماد على الزراعة.
نشر موقع “مزارعي البطاطا في لبنان” على مواقع التواصل الاجتماعي ڤيديو يظهر فيه مزارعو بطاطا في بعلبك وسهل البقاع وهم يشكون من تردي أسعار البيع واضطرارهم لبيع الكيلو غرام بأقل من سعر الكلفة وذلك بسبب منافسة أسعار البطاطا المستوردة من مصر وسوريا إلى السوق المحلي، محمِّلين المسؤولية للدولة، مناشدين وزارة الزراعة للتدخل وحماية موسمهم من الضياع والخسارة. الڤيديو انتشر بشكل واسع وسجّل تفاعلاً وتعاطفًا كبيرًا مع المزارعين.
يعاني مزارعو البقاع اليوم في ظلّ الأزمة المالية وفرق سعر صرف العملة الوطنية من صعوبة في تأمين البذار والأدوات اللوجستية الأخرى كافة، التي تحتاجها الزراعة، إذ تُباع هذه المواد بالدولار أو وفقًا لسعر الصّرف
يشرح “حسين شومان” وهو أحد مزارعي البطاطا في بعلبك لـ “مناطق نت” المشكلة فيقول “إن شراء البذور مرتبط بالعملة الصعبة (الدولار)، وتكلفة تأمين الكهرباء عالية بالإضافة إلى ارتفاع أجرة اليد العاملة نتيجة الأزمة، ما أدى إلى وصول تكلفة إنتاج الكيلو الواحد من البطاطا إلى أكثر من خمسين ألف ليرة، في حين يتراوح سعر البيع في السوق ما بين 20 إلى 25 ألف ليرة للكيلو، ما شكل خسارة فادحة للمزارعين وللموسم أيضًا.
التهريب غير الشرعي
يتابع شومان أن عوامل أخرى أدّت إلى ضرب الموسم، أهمّها عملية تهريب البطاطا عن طريق المعابر غير الشرعية من سوريا. ويشير شومان إلى أن المشكلة الأكبر تتثمثّل بعدم حماية الإنتاج المحلي من قبل الدولة وبالتالي المزارع، وذلك من خلال دراسة حاجة السوق، وضبط الإيقاع بين الاستيراد والإنتاج، بحيث يشكّل ذلك حماية للأخير.
ويوضح شومان أنه تم استيراد كميات كبيرة من مصر كانت أكبر من حاجة السوق، حيث استمر الإستيراد أكثر من ثلاثة أشهر وأغرق السوق المحلية بما يفوق الحاجة، الأمر الذي أدّى تلقائياً إلى هبوط الأسعار وجعل المزارع البقاعي في مهب الخسائر الفادحة التي لا يستطيع تحمّلها. وطالب شومان الدولة بالتدخل فوراً، وإيقاف الاستيراد أو تنظيمه بحيث لا يتجاوز حاجة الطلب في السوق، أو تحديد سعر للبيع وإلزام كلّ التّجار به وذلك للحد من المنافسة وإنقاذ الموسم.
من ناحيته طالب المزارع محمد شومان الجيش اللبناني بالتدخل لضبط الحدود والمعابر غير الشرعية وإيقاف التهريب، وشرح لـ “مناطق نت” التكلفة الإجمالية لزراعة الدونم الواحد من البطاطا فقال “تتراوح الكلفة للدونم الواحد ما بين 800 إلى 1000 $، في حين يُنتج الدونم الواحد خلال الموسم ما بين طن إلى 4 طن في أفضل حالاته، وذلك حسب جودة التربة والأرض”. وفي عملية حسابية بسيطة يتبيّن أنّ تكلفة إنتاج الدونم تتساوى تقريباً مع بيع كل الإنتاج خلال الموسم الواحد إذا افترضنا أن كل الأراضي ذات جودة عالية.
بدائل الطاقة والكلفة العالية
يتابع شومان “بعض المزارعين المتمكنين ماديًّا لجأوا إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية وتركيب الألواح الشمسية لتأمين الكهرباء لمحركات الآبار، بحيث تحتاج المحركات إلى قوة 100 حصان لكي تعمل ضمن مشاريع الزراعة الكبيرة و هذا يعني أنها بحاجة إلى 350 لوح طاقة تساوي قيمتهم الإجمالية مع التركيب حوالي 70000$”. وهو مبلغ كبير لا يستطيع أغلب المزارعين تأمينه، ما يجعلهم رهناً لتأمين محروقات المولدات الكهربائية.
يطالب المزارعون الجيش اللبناني بالتدخل لضبط الحدود والمعابر غير الشرعية وإيقاف التهريب
يبقى قطاع الزراعة في سهل البقاع وخاصة بعلبك-الهرمل، مثله مثل القطاعات الأخرى الّتي تعاني من التهميش المستمر وغياب التنظيم والاستغلال الصحيح من قبَل الجهات الحكومية. وبغض النظر عن دقة الأرقام التي يصرّح عنها المزارعون فإن صرخة هؤلاء ليست عبثية، لأن الواقع الاقتصادي يعيش الآن أصعب الظروف، زراعياً، صناعياً أو تجارياً. ولا شكّ أنّ المسؤولية كاملة تقع على عاتق الدولة، الغائبة لجهة تنظيم الاستيراد وضبط معابر التهريب، ولجهة دعم المزارعين وتحقيق التوازن في الأسعار بحيث لا يؤدّي ذلك إلى خسارتهم.