مزارعو غرب بعلبك يصرخون الجفاف يهدّد آبار الريّ

في ظلّ غياب أيّ سياسة مائيّة تقي الناس حاجتهم إلى المياه والمزارعين ريّ مزروعاتهم، يطرق شحّ الأمطار هذا العام باب السهول في منطقة غربيّ بعلبك حيث بدأت مشكلة انخفاض نسب مياه الآبار تظهر بشكل واضح، وبعضها أصابها الجفاف، ما يُنذر بخسارة المواسم الزراعيّة المعتمِدة على مياه أو على الريّ من المياه المستخرَجة من باطن الأرض.
أصيبت بلدات غرب بعلبك التي يشكّل القطاعي الزراعيّ فيها المصدر الأساسيّ في الحياة الاقتصاديّة والمعيشيّة، بنكسةٍ زراعيةٍ بالغةٍ اليوم، جرّاء تدنّي نسب المتساقطات إلى مستويات دنيا، ما أدّى إلى خسائر فادحةٍ طالت المزارعين، وحَرَمتهم من خيرات مواسمهم الماضية، إذ تراجعت المساحات المزروعة لديهم، وأدخلتهم في وضعٍ اقتصاديّ صعب.
واقع المياه في المنطقة
جالت “مناطق نت” على عددٍ من البلدات، للاطّلاع على واقع المياه في منطقة غرب بعلبك بعد الأزمة المائيّة التي أحدثها انحباس الامطار في فصل الشتاء المنصرم، فالتقت عددًا من المزارعين فيها، وسجّلت الشهادات الآتية:
يقول المزارع محمّد حميّة من بلدة طاريّا إنّ ما أصاب البئر التي يملكها من شحّ في مياهها لم يعهده منذ سنواتٍ طويلة “إذ تراجعت نسبة المياه داخلها إلى نحو 80 في المائة ولم يعد باستطاعتي ريّ دونمٍ واحدٍ من مزروعاتي. حتّى إنّ كلفة استخراج المياه منها أصبحت أكثر بكثيرٍ من انتاجه. وهذا ما تسبّب لي بخسارةٍ يوميّةٍ بعد أن توقّفت عن قسمٍ كبيرٍ من الزراعات التي كنت أعتمد عليها سنويًّا.”

يتابع حميّة لِـ “مناطق نت” أنّه كان يزرع سنويًّا ما يزيد على 50 دونمًا من الأراضي بالبطاطا والقمح والعدس. “فبعضها يحتاج إلى مياه الأمطار خلال فصل الشّتاء لكي يرتوي ويكبر حتّى شهر حزيران (يونيو) موعد الحصاد، وبعضها الآخر يحتاج إلى الريّ الدائم. وكلاهما تضرّر بسبب شحّ الأمطار وتقلّص مياه البئر، وبالتالي كانت خسائري جسيمة.”
ويشير حميّة إلى أنّ ما هو حاصل من جفافٍ ظاهر جليًّا أمام العين ويمكن ملاحظته بحفر التربة “حيث الجفاف ملموس على عمق أكثر من 30 سنتيمترًا ما يؤكّد ألّا مزروعة يمكن أن تعيش في هذه التربة. وإن عاشت فلن تدوم طويلًا، وبإنتاجٍ طفيف”. ويختم بأنّه “قد يكون هذا العام هو العام الأخير في الزراعة.”
آبار توقّفت عن الضخّ
تفتقد منطقة غربي بعلبك إلى أي مشاريع مائية تساعد المزارعين على ري مزروعاتهم وتمكنهم من تطوير القطاع الذي يصارع وحده للبقاء على قيد الزراعة، التي تعاني غياب الدعم الرسمي والخطط التي من شأنها حماية صغار المزارعين وتثبيتهم في مناطقهم. لذا يعمد معظم المزارعون إلى الاعتماد على أنفسهم فيما خص تأمين المياه لمزروعاتهم، فيلجأون إلى حفر الآبار الارتوازية لتلبية احتياجاتهم المائية، وهذا ما يرتّب عليهم كلف كبيرة منها المازوت لتوليد الكهرباء وسحب المياه، ومنها أعمال الصيانة الدورية، ومنها ما يواجهونه هذا العام من شح في مياه الآبار.
في هذا الإطار يشير المزارع علي حيدر من بلدة كفردان إلى أنّ ما شهده هذا العام من تراجعٍ كبيرٍ في مستوى مياه آباره لم يشهده في تاريخ عمله الزراعيّ. ويؤكّد لِـ “مناطق نت” أنّ آباره الثلاث التي بقيت تضخّ المياه بمستوياتٍ عاليةٍ مدّة 30 سنةً متواصلة أصبحت في مستوياتها الأخيرة وتوقّفت عن الضخّ كون مياهها انخفضت إلى ما دون العمق المطلوب. وهذا بحدّ ذاته مؤشّر خطير ينذر بالجفاف الذي بات يتهدّد زراعاتنا ومصدر رزقنا.”
تفتقد منطقة غربي بعلبك إلى أي مشاريع مائية تساعد المزارعين على ري مزروعاتهم وتمكنهم من تطوير القطاع الذي يصارع وحده للبقاء على قيد الزراعة، التي تعاني غياب الدعم الرسمي والخطط
ويقول حيدر إنّه يملك 50 خيمةً زراعيّةً يزرع فيها مختلف أنواع الخُضَر وهي متتالية المواسم وتحتاج إلى ماء يوميًّا، “الآن وبسبب جفاف الآبار وارتفاع كلفة شراء المياه ألغيْتُ نصفها وما تبقّى منها بالكاد يقوم بكلفته، وإذا بقيَت الحال كما هي فقد اضطرّ إلى إلغائها كلّها.”
ويلفت إلى أنّ كثيرًا من الزراعات الشتويّة عنده وعند سواه في المنطقة “احترقت بأرضها وضاع تعبنا وما بذلناه في سبيل زراعتها .”
ويرى بضرورة وواجب وزارة الزراعة إيجاد حلولٍ دائمةٍ للمزارعين وللزراعة في منطقة البقاع بعد الذي طرأ من تبدّل في المناخ وما نتج عنه من كوارث على البيئة الزراعيّة “لأنّه لا يمكننا الوقوف عند الكارثة من دون تقديم حلولٍ بديلة، وإلّا فإنّ الزراعة في منطقتنا مهدّدة بالانقراض.”
ماذا يقول الخبراء؟
ماذا يقول خبراء المياه والزراعة في منطقة غرب بعلبك حول ظاهرة الجفاف التي طالت المنطقة في المياه والتربة؟
يقول المهندس الزراعيّ مصطفى غصن لِـ “مناطق نت”: “إنّ ما أصاب المنطقة من شحّ وجفافٍ في المياه بدأت ملامحه تظهر في السنوات العشر الأخيرة حتّى وصلت إلى هذا المستوى هذه السنة. إذ ارتفعت صرخات المزارعين الذين اشتكَوْا من شحّ في مياه آبارهم طال كثيرين منهم حتّى الآن. وهذا ما دفع بعضهم إلى الامتناع عن زراعة بعض الأصناف في الموسم الشتويّ الأخير. لأنّ كمّيّات المياه السابقة في آبارهم انخفضت إلى مستوى ينذر بالجفاف التامّ وخسارة أيّ موسم زراعيّ”.
ويشير إلى أنّ “الآبار المصابة بالشحّ والمهدّدة بالجفاف هي التي دون الـ 200 مترٍ من العمق، كون الآبار السهليّة لا تتعدّى هذا المستوى إلاّ أنّ الأمر خطير جدًّا لأنّ الكارثة ربّما تمتدّ عمقًا وبالتالي تُعرّض الآبار ذات عمق الـ 400 والـ 500 مترٍ إلى خطر الجفاف، عندها نَدخل مرحلة التصحّر الحقيقيّ.”
وعن الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة يوضح غصن أنّ “التغيّر المناخيّ الذي بدأ بالظهور منذ سنوات قليلة أخيرة، وقلّة كمّيّة المتساقطات في السنة الماضية والسنة الحاليّة التي لم تبلغ حدّها الأدنى، إلى جانب الحَفْر العشوائيّ للآبار من دون الالتزام بالمعايير الهندسيّة مع غياب الرقابة الرسميّة، هي أسباب مجتمعة رئيسة لِمَا أصابنا هذا العام”.
ضرورة التدخّل الرسميّ الوطنيّ
ويرى المهندس غصن أنّه “لا يمكن ترك المزارعين وحيدين في مواجهة الكارثة التي حلّت بهم”، ولذلك يقترح “حلولًا عديدة، منها التدخّل الرسميّ الوطنيّ من خلال وزارتيْ الأشغال والزراعة لحفر آبارٍ ارتوازيّةٍ بأعماقٍ تتجاوز الـ 500 مترٍ، وسحب المياه منها وضخّها إلى بُرَكٍ خاصّةٍ من صُنْع المزارعين أو من صنع الدولة. ومنها جرّ قسمٍ من مياه اليمّونة إلى بركٍ لتجميع المياه بشكلٍ مدروسٍ لاستخدامها من قبل المزارعين وفق شروطٍ محدّدة.”
ويقترح كذلك “الاستعانة بمهندسين خبراء للتدريب على كيفيّة ترشيد المياه عبر أجهزةٍ وأنابيب وتمديداتٍ ذكيّة ومتطوّرة.” ويحذّر غصن أخيرًا، من انعكاسٍ خطيرٍ على المواطن البقاعيّ بسبب الجفاف في المياه، قد يكون أوّله ارتفاع حادّ بأصنافٍ معيّنة من المزروعات، حيث سيكون الواقع الحاليّ هو المبرّر، وهذا ما يؤثّر في القدرة الشرائيّة وفي الأوضاع المعيشيّة لدى المواطنين.”