مسارات المشي في “يحشوش” الخلابة مهدّدة بالفوضى والنراجيل

لا يملّ الزائر وادي يحشوش حينما يمارس رياضة المشي في أحضانه والسباحة في بركه الطبيعيّة التي باركت الوادي مذ خلقت معه، ليمدّهما نهر إبراهيم بالماء البارد العذب. ولا يتعب كذلك من طلعاته ونزلاته الحادّة، فالمشاعر التي يمكن أن يعيشها قاصد هذه المنطقة الخلّابة لا يمكن أن يشوبها تعب أو إرهاق.

تيمّنت يحشوش اسمها من أسطورة أدونيس القديمة، وهي الأسطورة التي تتحدّث عن مقتل الإله أدونيس من قبل خنزير برّي على ضفاف النهر في يحشوش. واكتسبت شهرتها من ثروتها المائيّة التي جعلتها أرضًا خصبة للزراعة، كزراعة التين والكرمة والدرّاق، وجعلتها أيضًا مقصدًا لمحبّي الطبيعة ورياضة المشي “الهايكينغ”، ففي يحشوش ما يزيد على خمسين عين ونبع ماء صالحة للشرب على مدار العام، أبرزها نبع الحانوت، نبع السيدة، عين الضيعة ونهر يحشوش وهو أحد روافد نهر إبراهيم.

المشي من شوان إلى يحشوش

اكتشف أهالي يحشوش أنّ وادي بلدتهم الغنيّ بالخيرات المائيّة والنباتيّة يشكّل مكانًا رائعًا لممارسة رياضة المشي في الطبيعة، كذلك جبلهم الذي يقع ضمن محميّة جبل موسى الشهيرة. منذ حوالي عشرين عامًا بدأت هذه الرياضة من شوان جارة يحشوش، التي تتمتّع ببحيرة رائعة، تشكّل جزءًا من نهر ابراهيم.

أحد مسارات المشي في الطبيعة في يحشوش (تصوير فاطمة ياسين)

بحسب إيلي كيروز مالك مشروع سياحي يُعنى بالطبيعة والتخييم في يحشوش، أنّه “عندما وصلت إلى محميّة جبل موسى في المنطقة، بدأت بتحسين وترتيب مسارات المشي، لتصبح ثلاث مسارات، كذلك كان هناك مسار قديم في البلدة يؤدّي إلى رأس الجبل. وفي العام ألفين تجدّد المسار بمبادرة من شبان يحشوش بعد رفعهم صليبًا كبيرًا على رأس التل، فتحرّكت هذه الرياضة في البلدة التي أضحت مقصدًا في الشتاء لزيارة رأس الجبل، وفي الصيف للسباحة”.

“الفضل بهذه الرياضة هو لبحيرة شوان” يؤكّد كيروز، ويردف: “وكذلك لمحميّة جبل موسى التي تضمّ جزءًا من يحشوش، وأيضًا لوسائل التواصل الاجتماعيّ التي ساهمت كثيرًا في شهرة البلدة ونشاطاتها، خصوصًا في خلال سنوات الحجر التي فرضتها جائحة “كورونا”، حيث كانت الناس تبحث عن ملاذ “طبيعي” آمن للخروج من المنزل.

ثروة مهددة بالضياع؟

في العام الماضي لم يعد زوار يحشوش وطبيعتها ينعمون بسعادتهم الكاملة خلال زيارة الوادي على الأقدام، السعادة نفسها التي كانوا يشعرون بها سابقًا، فالمكان الهادىء النظيف الحميم لم يعد كذلك، والسبب ببساطة غزو المنطقة من قبل لبنانيّين وغير لبنانيين من خلال رحلات ضخمة وكبيرة بهدف تجزية الوقت فيها، والمشكلة تكمن في كيفيّة تعاطي الزوّار الجدد مع براءة الطبيعة في تلك المنطقة.

في العام الماضي لم يعد زوار يحشوش وطبيعتها ينعمون بسعادتهم الكاملة خلال زيارة الوادي على الأقدام، السعادة نفسها التي كانوا يشعرون بها سابقًا، فالمكان الهادىء النظيف الحميم لم يعد كذلك.

أصبح إشعال النيران بهدف إقامة حفلات الشواء أمرًا متكررًا وبكثرة، وجلسات “النراجيل” صارت مشهدًا طبيعيًّا ومألوفًا، ناهيك عن هتك الأشجار لأجل إشعال أغصانها، ورمي مخلّفات الطعام والنفايات في الحقول، كلّ ذلك يضع المنطقة وثروتها على طريق الضياع، في حال لم تبادر البلديّة إلى حصريّة الزوّار بممارسي رياضة “الهايكينغ” أو المتنزّهين، ومراقبة كلّ النشاطات الأخرى.

في هذا السياق يؤكّد كيروز في حديث لـ”مناطق نت” أنّه “ومجموعة من أصحاب المشاريع السياحيّة ممّن يملكون أراض مُستثمرة في الوادي، نحاول قدر الإمكان منع إقامة هذا النوع من المشاريع في الوادي حفاظًا عليه، ونطبّق ذلك على مداخل المسار التي تعود ملكيّتها لأشخاص محدّدين، كما نقوم كلّ أسبوع بحملة نظافة أو حملتين للدرب والوادي، لكن هناك مداخل للوادي، من جهة نهر إبراهيم، لا توجد سيطرة كاملة عليها، فيدخل منها الزوّار ويُدخلون معهم ما يريدون”.

كذلك يُشير كيروز إلى “أنّ البلديّة تقوم بما يمكن لها أن تفعله، ولكن لا توجد جدّيّة كاملة للتعاطي بهذا الشأن، لأن الجوار ليس كلّه ليحشوش، ولا يعتبر جزءًا من محميّة جبل موسى”.

إلى جانب اهتمام أهل يحشوش بمساراتهم وطبيعتهم الخلّابة، هناك مسؤوليّة كبرى على الزوّار، إذ لا يمكن انتهاك الطبيعة بهذا الشكل، فهذه المنطقة العذراء بحاجة لمن يدلّلها وليس إلى من يسيء إليها ويقضي عليها.

حانب من نهر ايراهيم في يحشوش (تصوير فاطمة ياسين)
السياحة الدينيّة حاضرة

تقع يحشوش في قضاء كسروان الفتوح، في قلب محافظة جبل لبنان، وتبلغ مساحتها نحو 6.5 كيلومترات مربعة، غالبيتها تشكل لوحات طبيعيّة فنّيّة جميلة، أمّا ارتفاعها عن سطح البحر فيبدأ من 300 متر ويصل إلى 1300 متر في أعلاها.

برغم مساحتها المتدنّية نسبيًّا، تنتشر في بلدة يحشوش ثماني كنائس أثريّة قديمة، جعلتها كذلك مقصدًا لمحبّي السياحة الدينيّة، منها كنيسة مار سمعان التي تحتوي على كنيستين، وعمرها يزيد على 400 سنة، ودير مار جرجس الجبل الأثري وهو أقدم معلم سياحيّ دينيّ موجود في بلدة يحشوش، يستقبل زوّاره في عيد مار جرجس بشكل خاص.

كذلك هناك كنيسة “سيدة غوشريّا” وهي أمّ العجائب، بنيت العام 1885، وقد تمّ ترميمها أخيرًا، وفيها أيقونة نادرة رسمها أحد أبناء يحشوش ويدعى إبراهيم الجرّ، وترمز إلى ميلاد العذراء.

تتميز يحشوش بوجود محميّة جبل موسى المطلّة على أعالي البلدة والفريدة من نوعها في لبنان، في حزيران/ يونيو العام 2018 احتفلت بلدية يحشوش، بالتعاون مع وزارة السياحة اللبنانية وجمعيّة “اجمل بلدات لبنان”، باختيار البلدة من أجمل البلدات اللبنانية.

مشهد ساحر من بلدة يحشوش (تصوير فاطمة ياسين)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى