من يغلق مدرسة حزّين الرسمية منذ عشرين عاماً؟

الإجابة على هذا السؤال هي الحال الذي باتت عليه المدرسة الرسميّة في بلدة حزّين قضاء بعلبك إذ أقفلت أبوابها في العام 2004 ولمّا تزل، بعد أن تعاقبت عليها أجيال على مدى نحو نصف قرن، أيّ منذ تاريخ إنشائها في خمسينيّات القرن الماضي.

فمن دون سابق إنذار، وعلى غفلةٍ من أهالي التلامذة، وبعد إحالة مدير المدرسة الرسميّة في حزّين إلى التعاقد فوجئ أبناء البلدة بأنّ مدرستهم الوحيدة أُقفلت أبوابها ممّا ألزم أولياء التلامذة بنقل أولادهم إلى مدارس أخرى مع ما يتطلّب ذلك من مشقّةٍ جسديّةٍ وزمنيّةٍ لِبُعد المسافة وارتفاع كلفة النقل ومستلزماته.

لماذا أقفلت المدرسة؟

“ثمّة سببان رئيسيّان كانا وراء إقفال المدرسة الرسميّة في بلدة حزين” بحسب تعبير المعلم علي الضيقة لـ ِ”مناطق نت”. ويردف “الأوّل أنّ هناك توجّهًا مستجدًّا لدى أولياء التلامذة نحو تعليم أبنائهم اللغة الإنكليزيّة، في حين أنّ اللغة الأجنبيّة في المدرسة كانت الفرنسيّة. إلاّ أنّ هذا السبب كان مقدمةً للسبب الثاني والأخطر، ألا وهو فرض سياسة قوى الأمر الواقع في المنطقة التي أرادت تحويل تلامذتنا إلى مدارسها الخاصة.”

منذ عشرين عامًا أغلقت مدرسة حزّين الرسمية أبوابها

ويشير الضيقة إلى أنّ “أبناء البلدة راجعوا في حينه، وزارة التربية مرارًا وتكرارً لافتتاح قسم للغة الإنكليزيّة، إلاّ أنّهم لم يلقَوْا تجاوبًا من المعنيّين ما دفعهم قسرًا، إلى التوجّه نحو المدارس الخاصّة التابعة لـ ‘حزب الله‘ كمدارس بريتال وشمسطار وبعلبك ورياق، محقّقين بذلك أهداف من تسبّبوا في إقفال مدرسة حزّين”.

ويرى أنّ “صورة الرسم البيانيّ للتعليم في المنطقة إلى انحدار سريع، إذ تراجعت نسبة الطلّاب في المرحلة الجامعيّة إلى أكثر من النصف. في حين أنّ بلدتنا وعلى صِغَرها من الناحية السكّانيّة في الثمانينيّات كان يخرج منها عشرات الطلاب ممّن كانوا يقصدون الجامعات لإكمال تعلّمهم .”

خطر محدق بالشباب

ويلفت إلى أنّ خطرًا كبيرًا يحدق في المنطقة جرّاء تناقص عدد الشباب الذين لم يعودوا يهتمّون بدراستهم “فهم منجرفون مع الموجة الحزبيّة التي تستثمر أعمارهم اليانعة في خدمة مشاريعها، فتقضي بذلك على مستقبلهم وبالتالي على حياتهم العلميّة التي باتت من الأولويّات في منطقةٍ محرومةٍ حتّى من التعليم والتعلّم.”

ويختم الضيقة مطالبًا وزيرة التربية الوطنيّة ريما كرامي بزيارة بلدة حزّين والاطّلاع على واقع المدرسة الرسميّة فيها و”اتخاذ القرار العادل الذي يصبّ في مصلحة الأهالي وأبنائهم لجهة حرمانهم المقصود من حقّهم الطبيعي في التعلّم بمدرستهم التي أقفلت عمدًا لإبقاء أبنائها خارج دائرة الاستقرار المادّيّ والتربويّ.”

الضيقة: أهالي البلدة تنازلوا في العام 1972 عن 7000 مترٍ من أراضيهم المشاع إلى مصلحة وزارة التربيّة الوطنيّة بهدف بناء مدرسةٍ لجميع المراحل التعليميّة

معاناة ألف طالب

من جهته يؤكّد مختار حزّين مهدي حيدر الضيقة أنّ “ما يفوق الـ 1000 طالب يذهبون يوميًّا من بلدتنا إلى مدارس خاصّةٍ في المناطق المجاورة، وهذا العدد يدلّ على وجوب إعادة فتح مدرستنا وإبقاء تلامذتنا في بلدتهم إذ إنّ أعدادهم تضمن فتح ثلاث مدارس لا مدرسة واحدة.”

ويشير في حديث إلى “مناطق نت”، إلى أنّ مدرستهم المقفلة يشغلها حاليًّا المجلس البلديّ “تحت ذريعة أنّه غير قادر على استئجار أو بناء مبنى خاصّ بالبلديّة. وبهذا يكون مبنى المدرسة محتلًّا من بلدية حزّين. فكيف يستقيم هذا الأمر مع القانون التعليميّ والمحافظة على مستقبل الأجيال؟”. ويقول: “إنّ أهالي البلدة تنازلوا في العام 1972 عن 7000 مترٍ من أراضيهم المشاع إلى مصلحة وزارة التربيّة الوطنيّة بهدف بناء مدرسةٍ لجميع المراحل التعليميّة، وإنّ رقم الملف الذي لا يزال في الوزارة هو 42، وباستطاعة الوزيرة الحاليّة الاطّلاع عليه.”

ويرى المختار الضيقة أنّ “إبقاء مدرسة البلدة مقفلةً أكثر من 20 سنةً هو مؤامرة كبيرة على التعليم الرسميّ وعلى أبناء حزّين؛ فالبلدة تزخر بالكفاءات العلميّة والتربويّة، ومدرستنا خرّجت مئات من الطلّاب سابقًا، وافتتاحها من جديد سيكون له أثر إيجابيّ في مسيرة البلدة التربويّة.”

ويناشد الضيقة أخيرًا رئيسيْ الجمهوريّة والحكومة “العمل السريع على تكليف وزارة التربية في إعادة فتح المدرسة مع إجراء عمليّة صيانة كاملة لها في هذا الصيف، كي يتمكّن أبناؤنا من الالتحاق بها في بداية العام الدراسيّ المقبل وذلك من أجل إعادة الثقة نحوها وتعزيز الحضور التربويّ في البلدة.”

الأهالي يكابدون

يتكبّد ذوو طلاب وتلامذة بلدة حزّين، ومنذ أكثر من 20 سنة، أعباء تعليم أولادهم في مدارس بعيدةٍ عن بلدتهم. وهم يعانون من إقفال مدرستهم على مختلف المستويات.

يتكبّد ذوو طلاب وتلامذة بلدة حزّين، ومنذ أكثر من 20 سنة، أعباء تعليم أولادهم في مدارس بعيدةٍ عن بلدتهم. وهم يعانون من إقفال مدرستهم على مختلف المستويات.

وفي هذا الإطار، يقول علي الشاويش وهو أب لأربعة أولادٍ إنّه يعلّم أولاده بمدرسةٍ في مدينة بعلبك التي تبعد عن بلدته 15 كيلومترًا، بكلفة نقل تبلغ 150 دولارًا شهريًّا، في حين أنّ راتبه الشهري لا يتجاوز الـ 350 دولارًا ما ينعكس سلبًا على مصاريف عائلته وهو معيلها الوحيد.

ويضيف لِـ “مناطق نت” أنّ معاناته من أعباء تعليم أولاده بدأت منذ عشر سنواتٍ “عندما أصبحوا جميعهم في سنّ التعلّم. فلو كانت مدرستنا مفتوحةً لَمَا وقعت في هذه الأزمة. ولكنتُ وفّرت ملايين الليرات أجرة نقلٍ لمصاريف بيتي وعائلتي “.

ويلفت الشاويش إلى أنّ ما يعانيه يشمل مئات العائلات، وحاله كحال جميع من لديهم أبناء ما زالوا يتلقّوْن تعليمهم. متسائلًا: “هل من العدل والمنطق الطبيعيّ أن تكون مدرستنا مقفلةً والجهات المعنيّة والمسؤولة في البلدة ساكتة ولا تحرّك ساكنًا، ولا تسأل أو تهتم؟”.

“من شو بتشكي مدرستنا؟”

ويؤكّد الشاويش أنّه تعلّم في مدرسة بلدته مع كثيرين من أبناء جيله منذ عشرات السنين “حيث تخرّج منها مئات ممّن وصلوا إلى مختلف الاختصاصات وأبدعوا في مجالاتٍ عدّة. فمن شو بتشكي مدرستنا؟”.

ويقول “إنّ استمرار إقفال المدرسة على الرغم من توسّع البلدة سكّانيًّا يعدّ جريمةً بحقّ مجتمعنا، وإمعانًا في تغريبنا عن هويّتنا وجعلنا منساقين قسرًا إلى آخرين”. وطالب ختامًا “المجلس البلديّ الجديد العمل على إصلاح وصيانة مبنى المدرسة وإخلائه وافتتاح العام الدراسي المقبل فيها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى