موسم هجرة الرعاة وماشيتهم.. من البرد بقاعًا إلى الدفء جنوبًا
“يصطحب” مفلح احمد الصميلي، قطيعه من الماشية، من أعالي البقاع الغربي إلى الجنوب، وهي عادة موسمية هربًا من قيظ الشتاء وتراكم الثلوج، الذي يغطي عشب المراعي.
ورث الصميلي الترحال الشتوي إلى الجنوب (الناقورة- شمع) من والده المتوفي حديثًا، فيجد في ربوع الجنوب الدفء والمراعي والاستقبال الحسن في آن واحد، مخففًا عنه أوجاع البرد وهلاك الماشية، التي تعاني في هذه الايام مثل سائر القطاعات الزراعية من أزمة تربيتها، نتيجة التكاليف المرتفعة للأعلاف والأدوية وأجور الرعاة وسواها.
تستمر رحلة الصميلي والعشرات من أصحاب الماشية والرعاة، من مناطق البقاع وشبعا وكفرشوبا، ما يقارب الأربعة أشهر، تبدأ مع أوائل كانون الأول وحتى أواخر آذار من كل عام . تكون فيه “الجداي” قد أصبحت قادرة على مقاومة البرد في المناطق المرتفعة.
موسم الهجرة إلى الجنوب
جرت العادة ان يقطع الرعاة عشرات الكيلومترات للوصول إلى أماكن مبيت مواشيهم، تتخللها محطات عند زملائهم في البلدات والقرى في مناطق مرجعيون وبنت جبيل وصور، لكن الأمر أصبح حاليًا من المستحيل، بعد التمدد العمراني وحركة السير الكثيفة وإجراءات البلديات في القرى، التي سيجت مداخلها وطرقاتها الداخلية بالاشجار المختلفة. وشملت أيضًا تشجير المشاعات البلدية والعامة. حيث باتت تربية المواشي وايجاد مراعي لها في المناطق الساحلية والمرتفعات صعبة للغاية.
يقول مفلح الصميلي لـ “مناطق نت” “هذا الموسم ارتفعت كلفة نقل قطيع الماعز من بلدتي “الصويري” إلى ضواحي الناقورة “شمع” بشكل كبير، حيث كانت تلك الكلفة حوالى 500 ألف ليرة كحد أقصى، أما اليوم فقد تجاوزت العشرة ملايين ليرة وذلك بواسطة سيارة البيك أب. وهذه المشكلة واحدة من أوجاع مربي الماشية. ومثلها ارتفاع كيلو الشعير إلى عتبة الـ 15 ألف ليرة ناهيك عن أدوية علاج الأمراض واللقاحات”. مضيفًا “لقد تعلقنا بهذه المهنة وورثناها عن أجدادنا، ومضطرون للسير بها رغم كل الصعوبات، في ظل غياب فرص عمل بديلة وتردي الأوضاع المعيشية والحياتية.
وعن كلفة مبيت قطيعه في المنطقة يلفت الصميلي أنه في غالب الأحيان فإن أصحاب “المشاتي” يأخذون مقابل ذلك سماد الماعز.
منذ كان طفلًا وإلى اليوم، يواصل ابراهيم عون إبن قرية “صلحا” وهي إحدى القرى السبع اللبنانية، التي فُصلت عن لبنان وتقبع اليوم تحت الاحتلال الاسرائيلي، تربية الماشية في مكان سكنه في بلدة كفردونين.
تراجع تربية الماشية
يؤكد عون لـ “مناطق نت” أن تربية المواشي تتراجع سنويًا. وقد سجلت أكثر من ستين في المئة، بسبب كلفتها من جهة وندرة المراعي التي لطالما كانت تشكل ملاذًا للرعاة، توفر عليهم بنسب كبيرة شراء الأعلاف من شعير وصويا وتبن وغيرهم إلى جانب الارتفاع الجنوني للأدوية عشرات الأضعاف.
ويضيف عون أن “ثمن ثلاثة او أربعة “سطول” حليب أو لبن، كنا نشتري بها كيس شعير 50 كيلوغرام ، أما اليوم فكل 12 سطل لا توازي ثمن كيس من هذه المادة.
يقتني نايف بزيع قطيعًا للماشية منذ أربعين عامًا، ويهتم به مع أفراد من عائلته، لا سيما في رعي القطيع في أراضي بلدته زبقين المرتفعة نسبيًا عن سطح البحر.
لا تختلف معاناة بزيع عن زملائه فيقول “للمرة الاولى نشعر بهذا الحجم من الصعوبات المختلفة في تربية الماشية، التي نعتاش من ايراداتها، حتى وصلت بنا الأمور للتوجه إلى بيعها، بعدما أصبحت تكاليف تربيتها باهظة ولا تعود بأرباح الحد الأدنى لتأمين لقمة العيش المجبولة بالعرق، وتعب المشي في البراري والجبال والوديان بحثًا عن ما تبقى من مراعي.