هواجس تقلق النازحين من إخلاء الشقق إلى المساعدات المذلّة
تعود مشكلة النازحين الى الواجهة من جديد بعدما طال أمد الحرب، أكثر من نصف عام واقتراب فصل الصيف، وهو أوان عودة المغتربين الى قراهم وبيوتهم، والتي لجأ اليها كثيرون من النازحين، ممّا سيزيد في مأساة هؤلاء، وقلقهم من التشرّد من جديد، والعودة إلى البحث عن بيوت خالية يعزّ وجودها في الصيف حتّى للإيجار، فما بالك بالنازح الذي ينقصه البيت والأثاث والمال؟
بالفعل بدأ عدد من أصحاب البيوت المُستضيفة للنازحين يطالبون بها، خصوصًا أنّ من بينهم من يخاف من تكرار تجربة الحرب الأهليّة، إذ لم يخلِ المهجّرون منازلهم إلّا مقابل تعويضات، أمّا البعض الآخر فسيحتاجها إلى أحد افراد أسرته، أو يسعى إلى تأجيرها بشكل دائم، أو ربّما بيعها.
فوضى المساعدات وأنواعها
في جانبٍ آخر يشكو النازحون من أخطاء وفوضى تشوبان عملية توزيع المساعدات، إذ بات معظمها يقتصر على بعض المواد الغذائيّة والمنظّفات “بينما حاجة النازح تتجاوز ذلك بكثير، فهناك فواتير الكهرباء والاشتراك والماء والإنترنت والهاتف الخلوي وقسط المدرسة، إضافةً إلى الوقود والغاز وغيرها” يقول يوسف حجازي وهو نازح من بلدة عيترون الحدوديّة، ويضيف: “كما إنّ المساعدات تتشابه إلى حدّ كبير بين الجمعيّات التي تتولّى عملية التوزيع، ممّا يراكم في بيوت النازحين موادّ من نوعٍ واحدٍ تفوق حاجتهم إليها، وهذا الأمر يعتبر هدرًا لا لزوم له”.
استدركت بعض الجمعيّات هذا الموضوع وصارت توزّع قسائم شرائيّة يستطيع النازح من خلالها أن يشتري من بعض المتاجر والـ “السوبر ماركت” ما يحتاجه فعلًا، بما يوازي مبلغًا معيّنًا، أمّا ما يفضّله معظم النازحين، وبحسب حجازي الذي قال لـ “مناطق نت”: “هو أن تكون المساعدة ماليّة، لأنّها مهما تكن قليلةً، يمكن النازح أن يشتري بها ما هو بحاجًةٍ فعليّةٍ إليه، كما أنّه سيتسلّمها عبر شركات تحويل الأموال، متجنّبًا الوقوف مذلولًا في طوابير استلام مساعدات، لا تستحق عناء الذهاب للحصول عليها”
يشكو عديد من النازحين من عدم وجود إنصاف في توزيع المساعدات، إذ إنّ غالبيتها لا تراعي عدد أفراد الأسرة التي ستنالها، فيحصل النازح الفرد على ما تحصل عليه أسرة كاملة، من خمسة أفراد أو ربّما أكثر “ناهيك بالمحسوبيّات والتمييز والواسطة، الأمور التي اعتدنا عليها في لبنان عمومًا، في الأزمات والحروب، إذ ترد أسماء نازحين، فيما تغيب أسماء نازحين غيرهم، ويجري التمييز في نوع المساعدة وكمّها بين نازحٍ وآخر” والكلام لحجازي.
أسئلة العتب والقلق
أمّا عتب النازحين الأكبر فهو على المؤسّسات الحكوميّة المعنيّة، “التي لم تبدِ إهتمامًا فعليًّا بالنازحين، ولم تساعدهم كما يجب، ولم تسعَ لإيجاد أمكنة تأويهم، ولولا بعض الجمعيّات ومبادرات الخيّرين ونخوة الأهالي وبعض البلديات لكان وضع النازحين مأسويًّا” تقول المعلمة رتيبة قطيش.
وتضيف لـ”مناطق نت”: “كلّ ذلك يجعل النازح قلقًا حائرًا، ويطرح على نفسه وعلى الآخرين السؤال تلو السؤال: هل ستنتهي الحرب؟ هل من أمل في العودة؟ هل ستعوّض مؤسّسات الدولة المعنيّة عذاب التهجير وتدمير بيوتنا وإتلاف مزروعاتنا وتضرُّر مواسمنا ومصالحنا التي توقّفت؟”.
وتتابع في أسئلة القلق من المجهول: “هل ستعود قرانا تنعم بالأمان والاستقرار وتعود إلى وضعها الاقتصاديّ الذي كان مزدهر نسبيًّا؟ هل نؤسّس للعيش حيث نحن الآن، أم نبقى بانتظار العودة الى قرانا؟”.
رتيبة قطيش: كلّ ذلك يجعل النازح قلقًا حائرًا، ويطرح على نفسه وعلى الآخرين السؤال تلو السؤال: هل ستنتهي الحرب؟ هل من أمل في العودة؟ هل ستعوّض مؤسّسات الدولة المعنيّة عذاب التهجير وتدمير بيوتنا وإتلاف مزروعاتنا؟
وتلفت المعلّمة قطيش إلى “أنّ معاناة النازحين لا تقتصر على السكن والغذاء، فهناك مشكلة تعليم الأولاد حيث يتخبّط الأهل بين الـ “أون لاين” أو التسجيل في مدارس أخرى أو السكن في قرى محاذية للشريط الحدوديّ حيث ما زالت بعض المدارس تفتح أبوابها، هذا ولم نتحدث عن مسألة الأقساط التي تطالب المدارس بها، فمن أين للنازح أن يأتي بالمال في هذا الظرف الصعب؟”.
وتختم: “يعاني النازحون من عدم وفرة الثياب لأنّ من خرج بثياب الشتاء في إبّان النزوح هو اليوم بحاجة إلى ثياب صيفيّة لا يستطيع إحضارها من بيته”. ثمّة أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة، وتُبقي النازحين في حيرة ومخاوف من أمرهم المجهول.
استمارات “لا يستحقّ”
يضيف يوسف حجازي المقيم حاليًّا في كفررمان: “إنّ ملفّ مساعدات النازحين يُدار بطريقة عشوائيّة وفوضويّة وعدم شفافيّة، وفي ظلّ غياب تامّ للدولة ومؤسّساتها. كما أنّ بعض الجمعيّات وبعد إحصاءات مملّة وأسئلة كثيرة وتعبئة استمارات، لا نراها تقدّم أيّ مساعدة، أو تكون المساعدة هزيلة، أو، وهذا الأدهى، يرسلون رسالة تحمل عبارة “لا يستحق المساعدة” فهل هناك من يتاجر بنا؟”.
يؤكّد حجازي أنّه تلقى شخصيًّا جواب “لا يستحقّ المساعدة” من إحدى الجهات التي تتولّى إجراء الإحصاءات لتقديم المساعدات. ويلفت إلى أنّ “بعض الجهات تدفع مئة دولار للعائلة الكاملة في الشهر، وهذا ما يجب أن يُدفع للفرد الواحد من الأسرة النازحة، كي نستطيع الاستمرار”.
يتمنّى حجازي أن يعود بأسرع ما يمكن إلى عيترون “الغالية، حيث كنت فيها مكتفيًا من الناحية المادّيّة ولم أكن يومًا ما محتاجًا لأدنى مساعدة من أحد”. مبديًا تعاطفه مع “أهالي غزّة الذين يعانون أكثر منّا بكثير، ولنا أسوة بهم”.
ما يقوله حجازي يردده بسّام عوض، وهو ربّ أسرة نزحت من حولا، ويشير إلى “أنّ المساعدات كلّها لا تكفي لإعالة أسرة تركت منزلها بما فيه من أغراض وأثاث وثياب ومؤن، لتتحمّل حاليًّا تكاليف إعادة تأثيث بيت من جديد، حتّى لو أعطي النازح بعض الأغطية والفرشات وما شابه”.
ويتابع عوض لـ”مناطق نت”: “كنّا دائمًا نطالب الدولة أن تهتمّ أكثر بالنازحين وتلتفت إلى مأساتهم ومعاناتهم وغيابهم القسري عن قراهم وبيوتهم وأرزاقهم، وها هي الدولة كأنّها غير موجودة على الإطلاق، فماذا نفعل وإلى من نلجأ؟”.
ويأسف عوض إلى مآل حاله، خصوصًا بعد النزوح، ويتحسّر على حياته في بلدته وفي المنطقة بأكملها التي تتعرض اليوم إلى تدمير منهجيّ، ويقول: “كنت أضمن قطاف كروم كبيرة من الزيتون في بليدا، وأتقاسم الموسم مناصفةً مع مالك الكرم، وكنت أعتمد على موسم قطاف الزيتون في حيّز كبير من معيشتي وأسرتي. لقد فقدت هذه السنة، بسبب الحرب والعدوان، مصدر رزقي الكبير، فهل هناك من سيعوّض عليّ وعلى غيري خسارتنا هذه؟”.