ارتفاع الإيجارات يُرهق النازحين ويكوي جيوبهم

لم يبدّل رمضان، شهر الخير، من صعوبات الحياة التي يعيشها الجنوبيون، إذ تفوقّت الحرب والقلق منها على ما عداهما، وضربت أيّ محاولات للنهوض من مفاعيلها السلبيّة أو اللجوء إلى مبادرات ربّما تخفّف قليلاً من وجع الناس وهمومهم.

لم يغيّر مهرجان “فرحة عيد” الذي أطلقته جمعيّة تجّار النبطيّة والجمعيّة التعاونيّة التنظيميّة لتجّار النبطيّة والجوار، بغية تحريك العجلة التجاريّة الاقتصادية في المدينة، من حركة السوق الراكدة نسبيًّا، وما زالت هذه السوق في هدوئها كالمعتاد، وحدها إنارة شوارع النبطية كسرت هالة الصمت، وأضفى فانوس رمضان العملاق الذي ارتفع في شارع حسن كامل الصبّاح قيمة مضافة على الشهر الكريم.

قد يكون مدفع رمضان الذي يطلق طلقته اليومية إيذانًا بموعد الافطار، هو الشاهد الحي على ما تبقى من شهر رمضان النبطية، حيث يلتئم شمل الصغار والكبار حول مائدة الافطار.

قد يكون مدفع رمضان الذي يطلق طلقته اليومية إيذانًا بموعد الافطار، هو الشاهد الحي على ما تبقى من شهر رمضان النبطية، حيث يلتئم شمل الصغار والكبار حول مائدة الافطار

تجارة واستغلال

هجّرت الحرب التي ما فتئت تلتهم الأخضر واليابس، ما يقارب مئة ألف مواطن من سكّان قرى الجنوب الحدوديّة، من جنوبيّ الليطانيّ، فاحتضنت النبطية منهم ما يدنو من 23 ألف نازح، توزعوا في قراها وبلداتها، واضطر بعضهم للاستئجار، لكنهم صدموا باستغلال نزوحهم القسريّ وحاجتهم إلى المأوى والسكن والأمان مرتين.

تمثلت المرّة الأولى بارتفاع مبالغ الإيجارات الشهريّة التي قفزت من مئة دولار إلى أربعمائة دولار للشقق غير المفروشة، في حين تراوح إيجار الشقّة المفروشة ما بين 450 و700 دولار أميركي؛ والمرّة الأخرى بسبب فكرة الاستغلال والغش التي تعرضوا لها وهم يبحثون بمرارة عن سكن يأوي عيالهم من شرّ النزوح والقصف، ومن محاولات ابتزازهم وفرض عمولة تتراوح بين مئة دولار ومائتي وخمسين دولارًا لمن يؤمّن منزلًا لنازح.

فئة جديدة أفرزتها الحرب أيضًا، هي فئة تجّار العمولة، وهؤلاء أضحوا “شطّارًا” في اقتناص الفرص، وربّما هم أعينهم من استغلّوا سابقًا أزمة البنزين والسلع المدعومة وغيرها، وها هم اليوم يتاجرون بالنازحين عن طريق العمولة. تقول الحاجة منيفة الهادي من بلدة “كفركلا” لـ”مناطق نت”: “دفعت عمولة مائتي دولار لمن دلّني على المنزل، فقط أشار لي نحوه ليس أكثر”. تأسف السيّدة السبعينيّة أن “يستغلّ البعض ظروف النازحين بدلًا من الوقوف إلى جانبهم في محنتهم”.

لا تتوقّف الأمور عند حدّ العمولة، بل أيضًا في ارتفاع أكلاف الإيجارات، فالمنزل الذي استأجرته السيدة منيفة لا يتجاوز غرفتين صغيرتين. تضيف لـ”مناطق نت”: إنّني أدفع 450 دولارًا شهريًّا، وهو مبلغ فوق قدرتي”.

الحركة في سوق الإثنين في النبطية
سماسرة “الظروف”

تنشط “تجارة” الإيجارات ومعها العمولة منذ بداية الحرب، وأسهمت الفوضى وانعدام المسؤوليّة الوطنيّة والإنسانيّة عند البعض في تعزيزها، “وراح بعض السماسرة المتاجرين بمأساة النازحين إلى طلب العمولة قبل الإيجار” بحسب رزق الله لوباني ابن بلدة كفركلا الذي أضاف لـ”مناطق نت”: “يستغلّون حاجتنا المنزل بعدما عجزنا عن إيجاد منزل مضيف، ونضطر للدفع على مضض، فهل نبقى في الشارع؟”.

دفع رزق الله مئة وخمسين دولارًا عمولة للدلّال الذي أرشده إلى الشقة التي يسكنها حاليًا، ويؤكّد أنّ غيره عديدين دفعوا أيضًا مثل هذه العمولة.

اعترض عبد الهادي من بلدة العديسة الحدوديّة على عمولة السمسار، فأتاه الجواب “إذا لم يعجبك الأمر فليؤّمن الحزب والحركة (حزب الله وحركة أمل) منزلًا لك”. يقول عبد الهادي متحسّرًا لـ”مناطق نت”: “لم يكفِ استغلالنا، إلّا وأنّهم يحاولون ذلّنا، على رغم أنّنا تركنا أعمالنا وأرزاقنا وكل شيء تحت القصف وتهجّرنا”.

يتردّد في أوساط النازحين، وحتّى المقيمين المعترضين على ما يجري تجاه النازحين، أنّ النبطية وجوارها سجّلت أعلى نسبة غلاء في الايجارات والسمسرة. وهي صنّفت قبل مدّة بأنّها الأغلى في لبنان، من حيث الأسعار الاستهلاكيّة، والتي يعتبرها النازحون “كاوية”، وتسجّل فروقات كبيرة بينها وبين قرى الحدود بنسبة ستّين بالمئة، وفق النازحين الذين أكدوا أنّ السلعة التي كانوا يشترونها في قراهم بخمسين ألف ليرة، يشترونها في النبطية وجوارها بمئة ألف ليرة.

تحرّكات للمواجهة

هذه الفوارق في الأسعار تعود بحسب مصلحة الاقتصاد في محافظة النبطية إلى لعبة المؤشّر، إذ يضع تاجر النبطية هامش ربحه كلّه والذي يصل إلى 15 بالمئة في وقت يكتفي تاجر بنت جبيل ومرجعيون بأربعة بالمئة، هذا الفارق ينعكس حكمًا على الأسعار.

ويؤكّد رئيس مصلحة اقتصاد النبطيّة محمد بيطار “أنّ المصلحة تعمل على معالجة هذا الأمر بالتعاون مع جمعيّة التجّار التي أبدت استعدادها للتجاوب في هذا الملف”. ولفت إلى تكثيف جولات مراقبي الاقتصاد على المحال لمعاينة الأسعار وجودة السلع.

من ناحيتها أكدت محافظة النبطية الدكتورة هويدا الترك العمل الحثيث على تحديد أسعار الإيجارات ضمن الهامش الذي يسمح به القانون، ولفتت إلى “مناطق نت”: “أنّه تمّ الحدّ نسبيًّا من هذه الظاهرة عبر العمل على توفير منازل ومراكز إيواء للنازحين، وطلبنا من البلديات عبر تعميم أصدرناه مراقبة الأسعار ولجمها”. وأشارت إلى “أنّ كل صاحب منزل يحقّ له وضع السعر الذي يريده، إذ لا قانون يعاقب على هذا الأمر، ومع ذلك تمكّنّا من كبح جماح هذه الظاهر نسبيًّا”.

هذه الفوارق في الأسعار تعود بحسب مصلحة الاقتصاد في محافظة النبطية إلى لعبة المؤشّر، إذ يضع تاجر النبطية هامش ربحه كلّه والذي يصل إلى 15 بالمئة في وقت يكتفي تاجر بنت جبيل ومرجعيون بأربعة بالمئة

ولفتت الترك إلى “أنّ الإيجارات ارتفعت بشكل كبير في بداية أشهر الحرب، وسجلًت أرقامًا قياسيّة وغيرَ مسبوقة، قبل أن تعاود انخفاضها مع انخفاض الطلب عليها”، واعتبرت “أنّ توفير منازل مجّانيّة أو عن طريق التسامح للنازحين ساهم بشكل كبير في لجم ظاهرة تجارة الإيجارات، لكن ذلك لم يمنع تسجيل خروقات هنا أو هناك”.

“الحزب” يتدخّل

هذه الظروف غير المستقرّة أثّرت في أجواء شهر رمضان، فالنازح باله في إنهاء الحرب وتوافر بعض الدعم له، كي يتمكّن من تعزيز صموده أكثر فأكثر، وإن كانت بعض الصرخات قد بدأت تخرج، وتحديدًا في ما يخصّ الإيجارات.

وتشير المعلومات إلى أنّ حزب الله بدأ بتقديم مبلغ 300 دولار شهريًّا من قيمة بدل الإيجار لكلّ نازح يستأجر منزلًا، إضافة إلى تقديم مئة دولار وحصّة غذائيّة وطبابة مجّانيّة وتدفئة لكلّ العائلات النازحة، في حين يواصل مجلس الجنوب تقديم حصّة غذائيّة شهريّة لهم.

وفي وقت تأخّر تدخّل الجمعيّات الأجنبيّة لمساندة النازحين في أزمتهم، إسوة بالتدخّل السريع الذي قاموا به مع النازحين السوريّين، بدأ يشهد تدخّلهم المتأخّر “حلحلة” نسبيّة، بحيث يتمّ توزيع المساعدات بنسب محدودة لا تصل إلى جميع النازحين.

مواطنون يبيعون الخضار في سوق النبطية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى