8 وفيات لانقطاع لقاحات الكَلَب ووزارة الصحّة لا تجد حلولًا
في العام 2023 انقطعت لقاحاتAnti-snake vaccine (لقاح لدغات الثعابين)، و Anti-rabies vaccine (اللقاح المضاد لعضّة الكلب) من وزارة الصحّة اللبنانيّة التي دأبت على تقديم هذه اللقاحات بشكل مجاني للمستشفيات الحكوميّة ومراكز الرعاية الصحّيّة. في تلك الفترة تحديدًا، سجّلت مستشفيات ستّ حالات وفاة مؤكّدة بسبب عدم تلقّي المصابين لقاح الكَلَب، فيما سُجلت حالتا وفاة لشخصين تلقّوا اللقاح بعدما حصلوا عليه من الصيدليّات، ممّا يطرح عديدًا من السيناريوهات حول طريقة تخزين هذا اللقاح ومدى فعاليّته وعدد الأشخاص الذين استحصلوا عليه من الصيدليّات.
تؤكّد هذه المعطيات رئيسة برنامج الترصّد الوبائيّ في وزارة الصحّة، الدكتورة ندى غصن، وتُشير في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّ “الوفيّات الستّ سجّلت في أيار (مايو) وتشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، وتراوح أعمارهم بين العامين والـ 58 عامًا”، موضحةً أنّ “هذا الرقم مرتفع جدًّا، إذ إنّ العدد الذي تُسجله الوزارة عادةً بين صفر وثلاث حالات وفاة كحدّ أقصى”. أمّا بالنسبة إلى حالتيّ الوفاة التي حصلتا على اللقاح فتلفت غصن إلى أنّهما “ربّما لم تلقّيا البروتوكول العلاجي بشكل كامل، إذ إن هذا البروتوكول يتضمّن أخذ لقاحات مع المصل على عدّة أيام، وفي حال عدم الالتزام به تكون الوقاية منتقصة”.
ليس هذا كل شيء، وإنّما الأخطر من كلّ ذلك هو الانقطاع الجديد للقاحات الذي ربّما تشهده الوزارة قريبًا، وفقًا لمصدر مطّلع أفاد “مناطق نت” بأنّ الكمّيّة المتبقّية محدودة جدًّا.
تقشّف يضرب الوزارة
قبل الأزمة الاقتصاديّة، كانت وزارة الصحّة تقوم بتأمين خمسة لقاحات وأمصال تُقدمها بشكل مجّانيّ إلى المواطنين، بالإضافة إلى أمصال الأفاعي وأمصال ولقاحات الكَلَب، ولقاح الحمّى الصفراء ولقاح السحايا الذي يتلقّاه المواطنون قبل الذهاب إلى أداء مناسك الحجّ والعمرة.
ومع الأزمة الاقتصاديّة لم تعد الأموال المخصّصة لهذه اللقاحات في الوزارة كافية، فلجأ المواطنون إلى الاستحصال عليها من القطاع الخاصّ خصوصًا بالنسبة للقاحي الحمّى الصفراء والسحايا.
أزمة مستمرّة
بقيت أمصال الأفاعي وأمصال ولقاحات الكَلَب التي لا يمكن التخلّي عنها بأيّ شكل، فكان خيار الوزارة اللجوء إلى منظّمة الصحّة العالميّة للحصول عليها. وبالفعل، استجابت المنظّمة لطلب الوزارة وقدّمت الكمّيّات المطلوبة من أمصال ولقاحات الكَلَب مجّانًا إلى الوزارة على مدى ثلاث سنوات أخيرة. إلّا أنّ ذلك لم يمنع انقطاع هذه الأدوية مدة سبعة أشهر خلال العام الماضي، وهي الفترة نفسها التي سجّلت فيها حالات الوفاة الستّ، لتعود وتحصل الوزارة على كمّيّة جديدة من هذه الأدوية مع نهاية العام 2023.
استجابت المنظّمة لطلب الوزارة وقدّمت الكمّيّات المطلوبة من أمصال ولقاحات الكَلَب مجّانًا إلى الوزارة على مدى ثلاث سنوات أخيرة. إلّا أنّ ذلك لم يمنع انقطاع هذه الأدوية مدة سبعة أشهر خلال العام الماضي
وبناءً على مصادر مطّلعة، فإنّ الكمّيّة المتبقّية لدى الوزارة لا تتعدّى الحنجور الواحد من أمصال الأفاعي، في حين أنّ مخزون أمصال الكَلَب نفدت من مستودعات الوزارة باستثناء كمّيّات محدودة لا تزال في بعض مراكز مكافحة داء الكلب في المناطق. إضافة إلى ذلك، تُشير المعلومات إلى انقطاع هذه اللقاحات والأمصال من الشركات الخاصّة المرخّصة.
من جهتها، لا تنكر رئيسة مصلحة الطبّ الوقائيّ في وزارة الصحّة، عاتكة برّي، وجود هذه الأزمة. وتلفت في حديث لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “الوزارة شهدت لعدّة أشهر انقطاع لقاح الكَلَب الذي كانت تؤمّنه منظّمة الصحّة العالميّة في السنوات الثلاث الماضية، لكن تمّت معالجة هذا الموضوع”، مضيفةً أنّه “في الوقت الحالي هناك لقاحات كافية حتّى نهاية العام الحالي، ونحاول إعادة تأمينها عبر المنظّمة مطلع العام المقبل”. وتُشير إلى أنّ “أمصال الكَلَب متواجدة بكمّيّة محدودة في بعض المراكز”.
غياب الحلول
إلّا أنّ محاولات الوزارة ربّما لن تُجدي نفعًا هذه المرّة، إذ أشارت مصادر في منظّمة الصحّة العالميّة، إلى “مناطق نت”، أنّها أبلغت وزارة الصحّة رسميًّا امتناعها عن تزويدها هذه الأمصال واللقاحات العام المقبل. وأمام هذا الواقع، كان من المنتظر أن تتحرّك الوزارة باتّجاه تأمين هذه الأمصال واللقاحات، سواءً عبر محاولة اقناع منظّمة الصحّة العالميّة بضرورة استكمال تقديماتها أو من خلال وضع خطّة لتأمين الأموال المطلوبة من مصادر أخرى.
مستشفى الحريري “تنتظر المريض”!
بدوره، يوضح مدير عام “مستشفى رفيق الحريريّ الحكوميّ”، الدكتور جهاد سعادة، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ “هذه اللقاحات تتواجد في مستودع الكرنتينا التابع لوزارة الصحّة، وتقوم المستشفيات الحكوميّة بطلب حاجتها باسم المريض من المستودع، وحينها يتبيّن إذا كان متوافرًا أم لا”، ويضيف: “ممّا لا شك فيه أنّ هناك صعوبة في الحصول على هذه اللقاحات، لأنّها غير متوافرة في جميع الأوقات، إذ تنقطع لفترة ما ثمّ تعود مجدّدًا، لا سيّما اللقاح المضاد للثعابين”.
في المقابل، تؤكّد المصادر المطّلعة عينها، أنّ هذه الآليّة غير متّبعة مع بقيّة المستشفيات، وإنّما تقوم الوزارة بإيداع بعض الكمّيّات في المستشفيات لمواجهة أيّ طارئ، إذ إنّه “من غير المنطقيّ أن ينتظر المريض إيصال اللقاح من الوزارة إلى المستشفى”. وتلفت المصادر إلى “أنّ الآليّة المتّبعة هي تقديم الوزارة كمّيّة محدودة من هذه اللقاحات، على أن تقدّم المستشفى إلى الوزارة بيانات المرضى ممّن تلقّوا اللقاح من أجل ضمان وصوله إلى المرضى”.
لقاحات باهظة السعر
ويشرح سعادة أنّ “هناك مصدرين للقاح الأفاعي، الأوّل من الهند والثاني من سوريا، وبطبيعة الحال فإنّ اللقاح السوريّ أكثر فعاليّة من الهنديّ لأنّ الثعابين في لبنان هي نفسها المتواجدة في سوريا، لكن معامل الأدوية في سوريا لا تعمل بكامل طاقتها”.
وحول أسباب انقطاع هذه اللقاحات، يرى سعادة أن ذلك يعود إلى سعرها الباهظ الذي يقع على عاتق وزارة الصحّة، فضلًا عن عدم قيام الوكلاء باستيراده لأنّه غير مربح”. ويؤكّد أنّ “الكمّيّة التي تقدّمها منظّمة الصحّة العالميّة ربّما لا تكون كافية في كثير من الأحيان”، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ “الاستهلاك اللبنانيّ لهذا النوع من اللقاحات كبير خصوصًا في فصل الصيف”.
أشارت مصادر في منظّمة الصحّة العالميّة، أنّها أبلغت وزارة الصحّة رسميًّا امتناعها عن تزويدها هذه الأمصال واللقاحات العام المقبل. وأمام هذا الواقع، كان من المنتظر أن تتحرّك الوزارة باتّجاه تأمين هذه الأمصال واللقاحات
من جانبه، يؤكّد مدير مستشفى طرابلس الحكوميّ، الدكتور ناصر عدرا، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ “اللقاح المضاد للثعابين مقطوع، في حين توجد كمّيّة محدودة من لقاح الكَلَب، وعند وجود هذه اللقاحات فإنّنا نقدّمها بشكل مجّانيّ، إلّا أنّ هذا الانقطاع حدث منذ عدّة أشهر، لكن لا أعرف أسبابه”.
ويتحدّث عدرا عن “أنّه في حال واجهنا مصابًا يحتاج إلى هذا اللقاح نقوم بواجباتنا في الطوارئ سواء بإعطائه المصل أو غيره من الإجراءات الممكنة، أو ربّما نصف له هذا اللقاح على أن يسعى إلى تأمينه بنفسه، وبعض الأشخاص يقومون بشرائه من سوريا”. ويوضح أنّ “الطلب على هذه اللقاحات عادةً ما يكون مرتفعًا في المناطق الجبليّة أكثر منه في المناطق السكنيّة”.
مصادر أخرى للقاحات
من ناحيته، يقول مدير مستشفى النبطية الحكومي، الدكتور حسن وزني، لـ “مناطق نت”، “إنّ هذه اللقاحات ليست مقطوعة نهائيًّا في الوقت الحالي، ونقوم بتأمين بعضها من مصادر مختلفة، سواء من لبنان أو من الخارج”. ولا ينفي “أنّنا في بعض الأحيان نعاني من انقطاعها”.
ويوضح أنّه “على رغم عدم وجود وكيل لهذه اللقاحات، إلّا أنّه يمكن إيجاد بعضها لدى القطاع الخاصّ، ونحن نقوم بشرائه وتخزين كمّيّات صغيرة من أجل مواجهة أيّ انقطاع”. ويختم وزني أنّه “يتوجّب على المستشفيات الحكوميّة القيام ببعض الإجراءات الخاصّة وعدم انتظار وزارة الصحّة كي ترسل لهم لقاحات لأنّها ربّما تكون مقطوعة، على الرغم من الكلف الإضافيّة التي سوف تتكّبدها المستشفيات”.