مبنى نادي الخيام صرح ثقافيّ عريق دمّره الاحتلال

لم تسلم أبنية الخيام ذات الوجهات التربويّة والثقافيّة والصحّيّة والاجتماعيّة والمواقع الدينيّة والرسميّة من شرّ التدمير الاسرائيلي، ومنها “نادي الخيام الثقافيّ الاجتماعيّ (مجمّع الدكتور شكرالله كرم)” العريق المؤلّف من طبقتين وغرف وقاعات تنتشر على مساحة ألفي متر، فحولته قذائف العدوّ وصواريخه الثقيلة إلى خراب وأطلال بعد 18 عامًا على وضع حجر الأساس لبنائه، ثمّ افتتاحه أمام عامّة الناس ولا سيّما الشباب منهم لإحياء نشاطات مختلفة وإقامة دورات تربويّة وتدريبيّة ومهنيّة ومعارض ومهرجانات على مختلف الصعد.

تدمير النادي جاء ضمن سياق إمعان العدوّ الإسرائيليّ في تدمير البلدات والقرى عند الحافّة الأماميّة الفاصلة بين الحدود والحدود، وامتدادًا إلى قرى الخطّ الثاني الداخليّ وربّما الخطّ الثالث، ومن خلال ذلك يسعى العدو إلى تدمير الحياة بمختلف وجوهها الإنسانيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، وكذلك تفتيت الذاكرة الجنوبيّة المترابطة من جيل إلى جيل، وفكّ هذا الرباط الوثيق بالأرض وما عليها، في محاولة جليّة لإنشاء منطقة عازلة لم يتوانَ الإسرائيليّون في الإعلان عنها أو عن رغبتهم في تحقيق هذا الأمر.

ثمّة بلدات وقرى دمرتها إسرائيل عن بكرة أبيها، ولا سيّما في الفترة الممتدّة من تاريخ إعلان وقف إطلاق النار برعاية أميركيّة وفرنسيّة في الـ 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وحتّى الـ 26 من كانون الثاني (يناير) الماضي، مهلة الـ 66 يومًا التي كان يفترض على الجيش الإسرائيليّ الانسحاب من القرى التي احتلّها أو تمدّد إليها لاحقًا بعد وقف إطلاق النار، ثمّ تمديد هذه المهلة إلى الـ 18 من شباط (فبراير) الماضي، وكانت مدينة الخيام إحدى الحواف الأمامّية التي لم يستطع العدو احتلالها كاملة في إبان الحرب المدمّرة لكنّه توغل إليها بعد وقف إطلاق النار وأمعن فيها تفخيخًا ونسفًا للمئات من الأبنية المختلفة.

نادي الخيام قبل تدميره (تصوير كامل جابر)
رئيسة نادي الخيام وداد يونس

تشير رئيسة نادي الخيام المحاميّة وداد يونس في حديث لـ”مناطق نت” إلى أنّ “النادي ومنذ تأسيسه في العام 1974، ولتاريخ قيام العدو الإسرائيليّ خلال العام الماضي، بعدوانه الوحشيّ على الجنوب بأسره، وبخاصّة على الخيام، وتدميره الممنهج لغالبيّة مبانيها، ومنها نادي الخيام الثقافيّ الإجتماعيّ (مجمّع الدكتور شكرالله كرم)، فإنَّ هذا الصرح الثقافيّ الهامّ وانطلاقًا من أهدافه وغاياته الثقافيّة والاجتماعيّة، لم يتوانَ يومًا عن القيام بالنشاطات الثقافيّة والاجتماعيّة والتربويّة والرياضيّة والفنّيّة على اختلافها”.

“أضرار النادي بـ 800 ألف دولار”

وتؤكّد المحاميّة يونس أنّ “العدو الإسرائيليّ دمّر مبنى النادي عن سابق إصرار وتصميم مثلما دمر عديدًا من المواقع الثقافيّة والتربويّة والمكتبات وغيرها من الأبنية المختلفة، بغية تدمير الحياة والذاكرة والإرادة في مدينة الخيام التي تتميّز بصلابة أهلها وعنفوانهم وصمودهم، ليس في الحرب الأخيرة وحسب، بل منذ أمد بعيد إذ دمّر هذا العدو الخيام أكثر من مرّة، وكانت دائمًا تنفض غبار الحرب والحزن بإرادة أبنائها وعزمهم فيبثّون الحياة والروح فيها من جديد”.

أمّا عن تقدير الخسارة التي حلَّت بهذا النادي، فتلفت يونس إلى أنّ “المهندسين الذين عاينوا موقعه المدمَّر قدَّروا بأنّ الخسارة التي حلَّت بالبناء بما فيه من أثاث ومكتبة عامّة وتجهيزات عديدة لا تقلّ عن 800 ألف دولار؛ طبعًا لن نتمكن من إعادة بناء هذا الصرح على نفقتنا الخاصّة بانتظار مبادرة الدولة اللبنانيّة أو أيّ جهة معنيّة في ملف إعادة تعمير ما هدّمه العدوان إلى التعويض كي ننهض بالبناء من جديد، ونحتاج إلى سنوات عديدة كي نعود إلى سابق نشاطاتنا”.

يونس: الخسارة التي حلَّت بالبناء بما فيه من أثاث ومكتبة عامّة وتجهيزات عديدة لا تقلّ عن 800 ألف دولار؛ طبعًا لن نتمكن من إعادة بناء هذا الصرح على نفقتنا الخاصّة

وتضيف “لجهة ماذا يمكننا أن نفعله مستقبلًا بعدما قام العدو الإسرائيليّ بتدمير هذا المجمَّع الثقافي، فإنَّه يتعذَّر علينا حاليًّا، انطلاقًا من واقع الحال، القيام بأيّ نشاط سواء كان داخل الخيام أو خارجها، وذلك بسبب نزوح غالبيَّة أهلها وسكّانها إلى أماكن متفرّقة. والأهمّ بالنسبة إلينا كنادٍ في هذه المرحلة الصعبة التي نمرُّ بها، هو السَّعي لدى المسؤولين في الدولة وحَثِّهم على الإسراع في إعادة إعمار البيوت المدمرَّة في الخيام كي يتمكّن أهلوها من العودة إليها”.

مسيرة نادٍ حافلة بالثقافة

وتوضح المحاميّة يونس أنّ النادي كان “يتألف من طابقين وتقدَّر مساحته بحوالى ألفي متر مربّع، والذي تكرَّمت بتشييده مؤسّسة الوليد بن طلال الإنسانيّة بمبادرة من نائبة رئيسها الوزيرة السابقة ليلى الصلح. ومنذ افتتاحه يتميّز بإحيائه أمسيات شعريَّة، وندوات أدبيّة منها ندوات خاصّة بتقديم تحيّات تكريم لعددٍ من القامات الثقافيّة والأدبيّة والاجتماعيّة الجنوبيّة، على نحو الأديب سلام الراسي والأديب حبيب صادق والدكتور شكرالله كرم وغيرهم”.

وتفيض المحاميّة يونس بالحديث عن الدور الرياديّ الذي كان يلعبه النادي في المدينة والجوار وعلى مختلف الصعد، “من إقامة دورات تعليميّة للتلامذة وللطلّاب، سواء لتعليم مادّة الرياضيّات أو تعليم وتعزيز اللُّغَتين الفرنسيّة والإنجليزيّة، واللغة الأسبانيّة بالتعاون مع قوّات الطوارئ الدوليّة العاملة في جنوب لبنان (يونيفل)، إلى إقامة دورات رياضيّة متنوّعة للطلّاب بالتعاون مع رئيس “أكّاديميّة الخيام الرياضيّة” الأستاذ كامل زعرور”.

نادي الخيام بعد تدميره (تصوير كامل جابر)

وكانت للفنون وللمسرح اهتمامات من قبل إدارة النادي “إذ أقام دورات تدريب للتلامذة على الأداء المسرحيّ بإدارة المخرج الفنّان قاسم اسطنبولي، وتقديم عروض مسرحيَّة لعدد من المخرجين الشباب، وكذلك تقديم عروض أفلام سينمائيّة للأطفال بالتعاون مع المركز الثقافيّ الفرنسيّ. وبإحياء حفلات موسيقيّة، وبخاصّة في مناسبات الأعياد على تنوُّعِها، والمناسبات الوطنيّة كعيدَي الاستقلال والتحرير، وذلك بالتعاون مع “الأوركسترا الهارمونيّة التابعة لموسيقى قوى الأمن الداخليّ” ومع “الفرقة الموسيقيّة التابعة للجيش اللبنانيّ”، ومع الفنّان سامي حوّاط وفرقة الرحّالة”.

وتخطّى النادي في نشاطاته الثقافة الفنّيّة والتشكيليّة والتربويّة إلى الثقافة الصحّيّة “من خلال تنظيم حملات طبّيّة مختلفة مع بعض الأطبّاء كحملة فحص سرطان الثدي، وحملة فحص النظر بالتعاون مع رئيس جمعيّة العناية بالنظر الدكتور حسّان عواضه، وغير ذلك كثير من النشاطات الثقافيّة والاجتماعيّة المتنوّعة التي يصعب حصرها كالندوات الطبّيّة والقضائيّة والاقتصاديّة، وهذا غيض من فيض ما كان يقوم به النادي الثقافيّ الاجتماعيّ في الخيام، خلال مسيرته الطويلة، ونتمنّى أن نعود إليها مع عودة الحياة إلى الخيام”.

تأسيس وبناء وعطاء

تأسّس نادي الخيام الثقافيّ الاجتماعيّ سنة 1974، بتوقيع وزير الداخليّة في حينه بهيج تقيّ الدّين، بطلب من الزّعيم كمال جنبلاط، إلّا أنّ نادي الخيام كان قد بدأ نشاطه قبل ذلك بعدّة سنوات، برئاسة الدكتور علي عواضة، ليصبح في أعوام قليلة، من أكبر الأندية الثقافيّة والاجتماعيّة في مناطق الجنوب اللبنانيّ، والمنتسبون إليه من أبناء الخيام بالمئات.

في سنوات الحرب الإسرائيليّة على الخيام، وبعد احتلالها المباشر في سنة 1978، وتهجير أهلها، انتقل النادي بانتقال الأهالي إلى بيروت، ولم يعد إلى البلدة، إلاّ مع عودتهم الكاملة بعد التّحرير في سنة 2000.

في 20 شباط 2006، رعت نائب رئيس مؤسّسة الوليد بن طلال الإنسانيّة، (الوزيرة السابقة) ليلى الصّلح حمادة، وبدعوة من نادي الخيام الثقافيّ الاجتماعيّ، حفل وضع حجر الأساس لـ “مجمّع الشهيد الدكتور شكرالله كرم”، في محلّة جبلي شمال بلدة الخيام، بمواكبة الوزير كرم كرم والمهندس رياض الأسعد.

في 17 آب 2012، دشّنت الصّلح المرحلة الثانية من عمليّة تشييد النادي “المجمّع” الذي وضع تصاميمه ابن الخيام المهندس الدكتور حبيب صادق  وأشرف على تنفيذها، وقد تألّف من طابقين يضمّان مكتبة عامّة ومركزًا للتدريب المهنيّ وقاعات للتدريس وأخرى للندوات، ومسرحًا متعدّد الوظائف. وباشر منذ ذاك الحين بإقامة سلسلة من النشاطات الثقافيّة والمعارض المختلفة، من التصوير الفوتوغرافيّ إلى الرسم التشكيليّ والأشغال اليدويّة والندوات والمهرجانات التشكيليّة والفنّيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاحتفالات السنويّة بعِيد التّحرير، لا سيّما تحرير بلدة الخيام من رجس العدوان والاعتداءات.

توزّعت نشاطاته بين ثقافيّة واجتماعيّة وفنيّة، وكذلك في أعمال تطوّعيّة، إذ شكّل في مرحلة ما، بلديّة ظلّ في الخيام وقدّم إلى الأهالي كثيرًا من النشاطات المفيدة، والمساهمة في مشاريع ضروريّة، أو تأمين هذه المشاريع عبر الاتّصالات والمراجعات، فضلًا عن مواكبته دعم تعليم التلامذة، وفي طليعتهم المرشّحون إلى الامتحانات الرسميّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى