أسئلة من الفقاعة: كيف تدّعي كرهك للرأسمالية بينما تعشق «الكونسبت ستور»؟

لا داعي للخجل، أعلم أنّك لم تعد تفهم سبب بغضك للرأسمالية، خاصة بعد تردّدك الدائم إلى المتاجر «المفاهيمية» التي باتت تزدحم بها أزقّة بيروت. أعلم أيضاً أنك تخجل من الاعتراف بذلك أمام أصدقائك ومعارفك، لكن لا تقلق، فالإنسان بطبيعته مخلوقٌ متناقض. كما أنك تعيش في بيروت، فأهلاً بك في المدينة التي ترحّب بجميع أنواع الازدواجية… بشرط أن تكون مغلّفة بورق كرافت، ومربوطة بخيط من الجوت. أعلن كرهك للرأسمالية بفخر، وأنت ترتدي قميصك المصنوع من القطن العضوي. نعم، ذاك الذي اشتريته من أحدث المتاجر المفاهيمية في مار مخايل؛ القميص الذي صُنع خصيصاً لمقاومة الاستغلال الطبقي، والذي لا يقلّ سعره عن الحدّ الأدنى للأجور. كيف تدّعي كرهك للرأسمالية وأنت تعشق «الكونسبت ستور»؟ هي خطواتٌ في غاية البساطة، أضعها اليوم بين يديك: أولاً: اعتمد خطاباً ماركسيّاً مصقولاً بالطبع، لقد قضيت مراهقتك وأنت تقرأ أهمّ نظريات كبيرك ومعلمك الأعظم كارل ماركس. عظيم! احرص على حفظ مقتطفات من كتاباته، لأنك ستحتاج إلى ترديد بعض منها بصوت مسموع، دون أي سبب وجيه. مثلاً، حين تجرّ عربتك المعدنية داخل المتجر الذي يبيع صابوناً يدوياً مستخرجاً من دموع اللافندر، اختر صابونتك المفضّلة التي تُباع بسعر يعادل راتب أستاذ جامعي، وقبل أن تضعها في العربة، ردد بصوت يستطيع سماعه صاحب المتجر: «البروليتاريا تسحق كل بنى الهيمنة»! ثانياً: تذكّر… أنت لا تشتري، بل تستثمر في التجربة! لا تشعر بالذنب، فأنت لا تشتري قطعة صابون، بل تستثمر في خطابٍ مضاد للثقافة الاستهلاكية، مغلّف بأجمل شكلٍ ممكن. وكلّما كان الغرض غير عملي، ازددت مناهضةً للرأسمالية. اشترِ شمعة لا تشتعل، كوباً لا يُغسل، أو دفتراً لا يُكتب فيه… لأن الجوهر أهمّ من الوظيفة. أتَعلم؟ أنت في الحقيقة تشتري لتختبر بنفسك علاقة الإنسان بالمادّة، فتؤكّد لمن حولك نظريات المناضل الذي تفي إليه دوماً وأبداً… أنطونيو غرامشي. ثالثاً: تذمّر بينما تستهلك إن صادف أن التقيت بأحد معارفك داخل المتجر، حاول أن تشعره بأنك تشتري غصباً عنك، لأن لا بدائل في هذه المدينة المتغافلة. ارسم على وجهك ابتسامة صفراء، وقل له بسخط واشمئزاز: «لم يتبقَّ منتجات محلّية وبسيطة في هذه البلد»! بينما تشتري شمّاعة ملابس خشبيّة مطليّة بلعاب سلحفاة نيبالية. رابعاً: التقط صورة أمام الجدارية المناسبة من غير المقبول أن تزور «الكونسبت ستور» دون توثيق ذلك! التقط سيلفي أمام جدارية كُتب عليها Consume Less، بينما تحمل حقيبة ورقية أنيقة كُتب عليها بخطّ يدوي Support Local. لا تهتم إن كانت الحقيبة قد صُنعت في الصين… المهم النيّة! خامساً: روّج لأفكارك عبر إنستغرام من الضروري أن يعرف الجميع أنك ضد الرأسمالية. التقط صورة لقطعة السيراميك التي اشتريتها من «الكونسبت ستور» بتسعة ملايين ليرة لبنانية فقط، وأرفقها بتعليق يقول: «نحتاج إلى نماذج بديلة للاستهلاك… الفنّ هو أحد أشكال المقاومة». إنها بيروت، عزيزي القارئ، وهنا… لا يمكنك أن تتخلى عن كرهك للرأسمالية. ابغضها، وأنت تبحث عن أفضل مكان يُقدّم ورشة عمل Paint and Sip. نعم! يمكنك أن تفعل الاثنتين. وتذكّر، الرأسمالية لن تسقط وحدها… لا بدّ من القضاء عليها، خطوةً بخطوة، من داخل «الكونسبت ستور».