ألف شمس مشرقة*
مي اسماعيل
«ألف شمس مشرقة، وألف دمعة وألف طعنة للقلب مع كل سطر من سطور هذه الرواية». قد يكون ما علّقت به ياسمين ثابت (مصممة الغلاف) أبلغ ما قيل في هذه الرواية واصفة اللقاء مع المؤلف (خالد حسني) ومع افغانستان وتاريخها وحضارتها بأنه كان من خلال رواية. ناصحة القارئ «إذا تألمت واستعصى عليك البكاء، فإقرأ هذه الرواية واضمن لك ان دموعك لن تستطيع المقاومة
ستبكي وتبكي وتبكي وتبكي». وتختم «رواية رائعة وعنوان عبقري للرواية».
من خلال عنوان الرواية، يصرّ الروائي الأفغاني خالد حسيني على الأمل ألف مرة. أجاد في وصف الواقع الافغاني بإتقان. يأخذك بـ «ألف شمس مشرقة» الى كل الاماكن التي يصفها، يجعلك تمشي في شوارعها، تعيش بين جدران المنازل، تتنشق الهواء وترقب الحياة وأحداثها ومطباتها، والأكثر من ذلك يجعلك تبكي حين يبكون وتفرح حين يفرحون وتشعر بالعزة والكرامه والشموخ والفخر حين يشعرون، إنها أفغانستان في رواية، تنكشف أمامك، تجري بين الكلمات، تقبض على الروح، تحبس الأنفاس، تسير في ظلام ذلك العالم المظلم والموحش الذي لا تدري إن كان لعنة تاريخ أم غلطة جغرافيا.
تختصر مريم في «ألف شمس مشرقة» حكاية أفغانستان ونسوتها وحضيضية الواقع الذي يعشنه في تلك البقعة من العالم. مريم الصابرة، المخلصة، المتفانية التي تضحي بكل شيء. مريم الطامحة بالرغم من كل العذاب والأسى اللذين تعرضت لهما في حياتها، مريم التي ضحت بنفسها من أجل من أحبت، والتى أعطت دماءها فداءً لمن جعلوها تعيش سنوات الفرح والحب.
مريم هي ابنة غير شرعية لرجل ثري اسمه خليل، وبينما كانت هي تسكن مع والدتها، كان أبوها يقطن في المدينة مع زوجاته الثلاث وأولاده، كانت تعرف مريم أن ثمن الإقامة في منزل والدها سيكون مرتفعا عليها، وستدفعه من معاملة عائلته لها، لذا حادت بنظرها عن “برفاهة” العيش معهم لتبقى إلى جانب والدتها ولو على فقر وحرمان.
كان والدها يزورها كل خميس. ولسوء حظها، حدث أن في عيد ميلادها الخامس عشر، أرادت أن يصطحبها والدها لمشاهدة بينوكيو في صالة السينما. فذهبت الى بيته. لكنه رفض أن يراها، عندها نامت على الشرفة. وفي الصباح، ولما عادت إلى منزلها، وجدت والدتها وقد شنقت نفسها، بعد أن تملكها هاجس من أن تكون ابنتها قد هجرتها وتركتها وحيدة.
بعد موت أمها لم يطل المقام بمريم طويلا عند خليل، فأجبرها على الزواج من رشيد، وهو صانع احذية من كابول. لكن زواجها منه تحوّل إلى جحيم عندما انتهى حملها بالإجهاض، ولقيت جزاء ذلك معاملة قاسية، أحال حياتها إلى بؤس لا يطاق وشقاء لا يحتمل.
وإذا كان الحي الذي تقطن فيه مريم يشهد على موت أحلامها وتحطمها، كانت بيوت هذا الحي تأنس من جهة أخرى بقصة حبيبين هما طارق وليلى، لكن لم تشأ الأيام أن يسير هذا الحب على خط مستقيم، فجأة حدث ما قلب الأمور رأسا على عقب، لقد أجبر القصف العنيف لكابول أهل طارق على ترك الحي والانتقال إلى مكان آمن، لكن قبل رحيله، واعد طارق ليلي ليراها، فكان الوداع حميميا وانتهى بممارسة الجنس.
يرحل طارق تاركا ليلى تتخبط في مأساتها، لقد اكتشفت بعد رحيله أنها حامل، ولم يكن أمامها لتدبر أمورها سوى الزواج من رشيد، وهذا كانت شهيته قوية للحصول على زوجة ثانية صغيرة وجذابة. وعند رشيد انجبت ابنتها عزيزة بعدما تناهت إليها أخبار عن موت طارق.
أسهمت الطباع القاسية لرشيد وعسف معاملته لأهل بيته في بناء صداقة وطيدة وتضامن متين بين ليلى ومريم. فاتفقتا على مغاردة كابول والهروب منه، لكن خطتهما لم تفلح، ولحق بهما رشيد إلى محطة الأتوبيس. وقام بتعذيبهما وضربهما ثم منعهما من الماء وحبسهما وتعريض حياة عزيزة للخطر.
استسلمت ليلى ومريم لقدرهما، وبعد أن سيطرت طالبان على كابول، كانت ليلى ولدت زلماي من رشيد، ونظرا لضيق الحال أرسلت عزيزة إلى دار للايتام، لكن الأمور لم تجر وفق الروتين المعتاد، وإذ تحدث المفاجأة وتعود الأحداث لتنعطف على نحو آخر، طارق ما زال حيا، وكان يبحث عن ليلى، ويجدها ويلتقي بها، وتتوهج مشاعرهما من جديد. لكن الذي لم يكن في الحسبان أن زلماي يشي بليلى لوالده بعد أن رآها مع طارق، ولما حاول رشيد الانتقام بوحشية من ليلى وكاد يفتك بها، تقوم مريم بقتله بمجرفة.
تسافر ليلى وطارق مع الأطفال إلى باكستان. في حين تعترف مريم انها قتلت زوجها وتُحكم بالموت. بعد سقوط نظام طالبان تعود ليلى مع طارق إلى أفغانستان، لتعمل كمدرسة وتحمل للمره الثالثة وقررا إذا كانت طفلة فسوف يسمونها مريم.
لم تنطفئ شمس مريم عندما توارت ودفنت تحت التراب، بل نبتت مريمات أخريات، فليلى تحولت إلى مريم اخرى، اصبحت مثلها، تشبهها؟
الحزن يلفك حين تقرأ «ألف شمس مشرقة» التي تعكس الواقع الافغاني المرير، والألم ينتابك حين تلمس كيف تُعامل المرأة في ذلك العالم المليء بالعنف والوحشية! كيف تُحرم المرأة من حقها بالحياة! ومن أبسط الحقوق الأخرى! من حق التعلم والعمل والانخراط بالحياة الاجتماعية! الرواية تجعلك تصرخ في وجه الضعف وفي وجه القهر والعذاب، وتجعلك أيضاً تمسح دمعة سالت على وجنتيك تأثراً وتفكُّراً في ما وصلت إليه حال المرأة في تلك البقعة من العالم التي تدعى أفغانستان.
الكلام عن هذه الروايه لا ينضب ولا ينتهي، وهي روايه كل فتاة قهرت وعذبت، وهي أيضاً رواية الخير والثورة والحريه…
*ألف شمس ساطعة للكاتب الأفغاني خالد حسيني صدرت عام 2007، وهي التالية لروايته الأولى عداء الطائرة الورقية 2003 التي حققت هي الأخرى مبيعات عالية. حققت الرواية الرتبة الثانية لأعلى المبيعات على موقع أمازون دوت كوم. وقد استصدرت كولومبيا بيكتشرز موافقة لتصوير فيلم مبني على الرواية. تمت ترجمة الرواية إلى اللغة العربية مها سلمان سعود ونشرتها مؤسسة دال للنشر والتوزيع. يبقى التذكير أن عنوان الرواية (ألف شمس مُشرقة) هو من قصيدة للشاعر صائب التبريزي، وهو شاعر أفغاني من القرن السابع عشر.