سنديانة بيت الصليبي…تاريخ وملقى ودواء ولهم فيها مآرب أخرى
كتب علي سلمان
تعلموا تحتها قراءة الابجدية واحرف القرآن، واتخذوها “صفا مدرسيا” في الهواء الطلق النقي، حيث لم يكن الا افياء الاشجار مقاعد دراسة وملتقى للقاء وتبادل الاحاديث واحياء ليالي السمر. فكانت خير رفيق وجليس وخير متنفس لايام التعب والكد لتوفير مقومات العيش ببساطته في زمن البراءة والتلاقي على المحبة والتعاون. هي سنديانة الاجداد كما يحلو لاهالي قرية بيت صليبي في البقاع (على بعد 5 كلم غرب شمسطار) ان يسموها وذلك وفاء للارض وللناس الذين حموها من القطع والاندثار لعقود من الزمن، ولا يزالون يحتضنوها باشفار عيونهم كونها من عناصر طبيعة قريتهم المسببة لبقاء وجودهم في زمن التصحر الذي تشهده معظم جبال لبنان وجروده بسبب اعتداء المواطن اللبناني على البيئة الطبيعة لافراغها من اشجارها.
سنديانة الاجداد” التي بلغت من الكبر عتيا، لم تهرم ولن تشيخ، وستبقى عصية على الموت رغم سني عمرها الذي يتجاوز المئتي وخمسين سنة كما يقول الحاج علي صليبي (80 عاما).
وبحسب صليبي فان عمر السنديانة مثبت لديه من خلال ما توارثه عن اجداه، فضلا عن مساحة قطر جذوعها وهو ادق دليل علمي “لان شجر السنديان له قدرة على الحياة ولو كان في قلب الصخور، وهي خاصية يتميز بها عن سواه من الاشجار ولا يعتمد على الماء لينمو ويكبر، بل اتكاله على خصائصه التكوينية التي تتيح له البقاء لاجال غير محددة دون ان تكبر مساحة قطر جذوعه كما هو حال بعض الاشجار الاخرى”. اشجار السنديان كما هو معلوم، من اصلب انواع الاشجار من حيث متانته وتماسكه وجمال خشبه الذي يستخدم في صناعات متعددة.
إلا ان الحاج علي صليبي يحرم قطعها ويعده جريمة كبرى “فمن يقطع شجرة منها كمن يقتل طفلا فهو مصدر رئيسي لحياة الانسان والحفاظ على البيئة من التلوث والخطر البشري…” ويضيف ان لشجرة السنديان المعمرة في قريته فضلاً كبيراً على اهالي القرية الذين يتفيأون تحت ظلالها الوارفة في فصل الصيف ويستخدمون اوراقها التي تتساقط مع ثمرها المعروف بالبلوط كدواء لتنظيف شرايين القلب من التراكمات الدهنية من خلال نقعها بالماء الساخن وشرب محلولها.
هي شجرة الاجداد الذي يتمسك فيها اهالي بيت صليبي كتمسكهم بأبنائهم، يعتنون بها حتى الرمق الاخير ويقاتلون من اجل بقائها ويحمونها من كل خطر واعتداء سواء اكان من بشر او من الطبيعة، فهم يجدون فيها تاريخهم ووجودهم، ويتفقدونها كل يوم كتفقد ام لطفلها الرضيع، ويدعون كل لبناني لزيارتها والتمتع بروعة جمالها وقيمة تاريخها وصمودها في وجه الزمن.