زحلة .. البحث عن الزعامة الضائعة .. سياسية أم عائلية
كتبت ميرنا دلول:
عندما تسلك طريق بولفار زحلة صعوداً نحو أسواقها، تستقبلك صورة عملاقة لزعيمها الراحل إيلي سكاف وعليها عبارة ” إنتبهوا على زحلة “، وكأنه كان يعلم قبل رحيله أن زحلة ستدخل نفق الصراع على زعامتها.
العام الماضي وقبل الإنتخابات البلدية، دخلت زحلة مرحلة شديدة التعقيد، لم يحصل التوافق بين زعاماتها لتجنيب المدينة المعركة الإنتخابية، والتي أفرزت نتائجها تجاذباً كبيراً بين الباحث عن الزعامة العائلية لزحلة والزعامة السياسية لها، وجاءت زيارة الرئيس سعد الحريري لزحلة تلبية لدعوة من أرملة الراحل سكاف لتشعل الساحة الزحلاوية.
وفي غمرة المناقشات والمشاورات التي سبقت إقرار قانون الإنتخاب الجديد، أطلت السيدة ميريام سكاف لتطالب بجعل زحلة المدينة دائرة إنتخابية بمعزل عن محيطها في قضاء البقاع الأوسط، وكأنها تقول أن زعامة المدينة تقررها المدينة بنفسها، بعيداً عن تأثير المحيط، الذي سحب بساط الزعامة من تحت الراحل سكاف في إنتخابات العام 2009 .
لم تعد معركة زحلة، سواء كانت بلدية أم نيابية، بحثاً عن موقع سياسي هنا أو هناك، بل أصبحت معركة إثبات وجود وأحقية زعامة، فالفراغ الذي تركه سكاف، الذي كان يتحلى بصفات تجعله قادرا على مواجهة العقبات التي كانت تعترضه بالدبلوماسية والروية حيناَ وبالحزم أحياناً، جعل من كل الأطراف الناشطة في المدينة، تًنصّب نفسها في المقام الأفضل لوراثة هذه الزعامة .
الوراثة في زعامة زحلة أمر شديد التعقيد، فهي من جهة عاصمة الكثلكلة في الشرق، وتعتبر أكبر تجمع للكاثوليك في لبنان، وأن سحب بساط الزعامة الكاثوليكية من زحلة هو إستهداف لطائفة الملكيين الكاثوليك، وأن زعامة المدينة ليست عائلية فحسب بل هي تتعداها إلى زعامة الطائفة، وأن دور زحلة في السياسة اللبنانية تقرره زحلة بنفسها.
المعركة النيابية المقبلة هي معركة ” حصر إرث في زحلة ” خصوصاً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولهذه الغاية يعمد الطرفان إلى حشد كل الإمكانات لتأمين الحاصل الإنتخابي، كلٌّ على حدة، لتبدأ معها مفاوضات التحالفات، لذلك تركزت زيارة الوزير جبران باسيل ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع للمدينة على قراءة واقع المدينة من الناحية الحزبية، ومدى الإستعداد للإنتخابات بعيداً عن التحالفات العائلية، في محاولة منهما لتكرس زعامة المدينة سياسياً وإخراجها من تحت عباءة الزعامة العائلية .
وإذا كان التيار الوطني قد حسم الموقع الكاثوليكي الأول بتبنيه ترشيح الصناعي ميشال ضاهر، وحسم مرشحه الماروني أيضاً، ويعتمد على تحالفه الوثيق مع الثنائي الشيعي، فإن مرشحي القوات ما تزال ” قيد المشاورات “، ولعل جعجع يعرف تماماً أن أي إستفزاز لرئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف، سيعيد شدّ عصبية الزعامة العائلية للمدينة، وهو لهذه الغاية يبحث بعمق في تفاصيل الأسماء، بدءا بالوزير السابق سليم وردة والمحامية ماغدا رزق والدكتور ميشال فتوش ويوسف القرعوني وغيرها من الأسماء ذات الثقل الشعبي في المدينة قبل أن يحسم خياره .
ميريام سكاف تؤكد أن زحلة للزحليين، وأن قرار زعامتها يُتخذ فيها، وترفض سياسة الإملاءات من معراب أو الرابية، وأن المدينة ستختار بملء إرادتها وترفض سلبها قرارها من أي جهة كانت، وقد إستفزت الشارع الزحلاوي من خلال تصويبها على قلة المشاريع التي عرفتها زحلة في السنوات الأخيرة، وأعادت السبب في هذا أن من هم في السلطة حالياً لا يملكون القرار، فقرارهم في مكان آخر.
سكاف تركت الباب مفتوحاً لصيغة تحالفات، سواء مع المستقبل من جهة أو مع الثنائية الشيعية من جهة أخرى، وحتى مع بعض المستقلين ( سنياً وشيعياً )، فهي تبحث عن إسترداد العباءة التي يحاول الجميع تناتشها، من دون التنازل عن زعامة المدينة، فالأمر تعدّى بالنسبة لها كرسي النيابة، إلى قرار زحلة المستقل، فزغرتا لفرنجية وبكفيا للجميل وبتغرين للمر وزحلة لسكاف .
زعامة آل سكاف على المحك، وصراع القوات – التيار تحت إختبار الأحجام من جهة، والمستقلين الذين يريدون إثبات وجودهم في عروس البقاع من جهة ثانية، تجعل من معركة زحلة معركة قاسية، ورغم أن الضبابية ما تزال تلف أرجاء المدينة سياسياً وعائلياً، لكن الأكيد أن زحلة الـ 2018 ستقول كلمتها أي زعامة تريد، العائلية أو السياسية