بين “حدشيت” اللبنانية و”سوفتير” الفرنسية توأمة فصلتها الجغرافية ووحّدها الإنسان
زهير دبس
كثيرة هي المدن والبلدات اللبنانية التي أقامت مشاريع توأمة بينها وبين نظيرات لها في دول كثيرة في العالم، وكثيرة هي المبادرات الفردية التنموية التي يقوم بها مغتربون لبنانيون يقيمون في دول عدة في العالم تجعل لبلداتهم أو لمدنهم شقيقات لم يلدها وطنهم على مساحة الجغرافية السياسية، بل ولدتها جهود فردية قام بها مواطنون في كلا البلدين… شرق وغرب وما بينهما جهود أفضت إلى جعل بلدة لبنانية تصبح شقيقة لبلدة فرنسية. وبالرغم من أن هذه المشاريع والمبادرات غالباً ما يكون لها نتائج إيجابية على كلا الطرفين بما تحمله من بعدٍ إنمائي على مستويات عدة، فإن سؤالاً يُطرح حول قدرة البلدات اللبنانية على العمل بمضامين هذه التوأمات والمبادرات في ظل ما يعيشه لبنان من فوضى كبيرة، تنعكس في مختلف المجالات، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى إفراغ هذه المشاريع والمبادرات من محتواها، وتضيع على لبنان وبلداته فرص حقيقية تدخل في إطار ما بات يُعرف بالتنمية المستدامة.
من مشاريع التوأمة هذه مبادرة فردية فريدة عمل عليها مغترب لبناني يقيم في فرنسا، جعل لبلدته شقيقة لم يلدها وطنه، بل ولدتها ظروف قاسية في لبنان جعلت من هذا المغترب يهجر وطنه الأم ليبني وطناً آخر هناك خلف البحار، فأثمر أخوة وتعاون وأعاد وصل ما انقطع مع وطنه.
إنها “حدشيت” البلدة الشمالية الجميلة التي تتخذ من محافظة الشمال مكاناً. ومن الارتفاع الذي يبلغ ١٤٠٠ متر عن سطح البحر عرشاً. وهو إبنها عراب هذه التوأمة بيار ساسين والذي يعيش في باريس في فرنسا منذ فترة. وثالهما بلدة فرنسية إسمها “سوفتير” تقع بالقرب من مدينة بوردو. الحكاية كما رواها ساسين لـ “مناطق.نت” بدأت خلال زيارة كان يقوم بها لمدينة بوردو “حيث التقيت بصديق هناك من سكان بلدة “سوفتير” والذي أعرب عن رغبة رئيس بلدية “سوفتير” بالتقرب من منطقة الوادي المقدس في لبنان (وادي قنوبين) وإقامة توأمة مع إحدى بلدات كتف قاديشا. سُررت بالفكرة وبدأت المغامرة في ذلك اليوم”.
“درست الفكرة من كل جوانبها مقارنة مع وضع حدشيت وحاجاتها” يقول ساسين ويتابع: “تواصلت مع بلدية حدشيت وتم الإتفاق على المضي قدماً في المشروع، وقد أثمرت الجهود زيارة لوفد من المجلس البلدي في حدشيت برئاسة رئيس المجلس حينذاك الأستاذ إيلي حمصي إلى “سوفتير” ربيع العام ٢٠١٥ من أجل التعارف.
عن الدوافع التي جعلته يعمل من أجل هذه التوأمة يقول ساسين: “شئناها تواصلاً وتكملة للعلاقات التاريخية بين فرنسا ولبنان وقد جاءت بنود التوأمة ترجمة لهذه الرغبة وتركت الباب مفتوحاً لهذه العلاقة الناشئة لتأخذ مجراها”.
يتابع ساسين: “في شهر آب من العام ٢٠١٦ حضر وفد رسمي من بلدة “سوفتير” إلى حدشيت وتم توقيع إتفاقية التوأمة بين إتحاد بلديات “سوفتير” الذي يضم ٣٢ قرية ممثلاً برئيسه السيد إيف داميكور وبين بلدية حدشيت بشخص رئيس مجلس بلديتها السيد روبير صقر. وفي شهر تموز الفائت وخلال إحتفالات سوفتير في عيد النبيذ السنوي حضر من حدشيت وفد برئاسة نائب رئيس البلدية الأستاذ دافيد زيد للمشاركة بتدشين شارع يحمل إسم حدشيت في سوفتير، والذي دُشِّن بحضور السفير اللبناني في فرنسا غدي الخوري وممثلين لكل من الدكتور سمير جعجع والنائب ستريدا جعجع. في المقابل قدّم الوفد تمثالاً للقديس مار شربل تمّ وضعه في كنيسة سوفتير. كذلك تمّ إصدار طابع بريدي يمثل قبة كنيسة مار رومانوس في حدشيت ومنزل تقليدي في سوفتير، والطابع من تصميم رئيس جمعية لابا الأستاذ إيلي عواد.
تبادل الخبرات بين البلديتين في مجال الإدارة المحلية هو من العناوين الأساسية لمشروع التوأمة. هذا ما قاله نائب رئيس بلدية حدشيت دافيد زيد. أضاف: “أيضاً هناك أفكار لإمكانية الحصول على تمويل أوروبي لبعض المشاريع الإنمائية لحدشيت عبر بلدية سوفتير”.
عن أبرز مجالات التعاون بين البلدتين يقول زيد إنها ستكون في شتى المجالات، لا سيما الزراعية حيث تشتهر “سوفتير” عالمياً بأنها تنتج أفخر أنواع النبيذ الفرنسي الفاخر، وعليه فإن حدشيت ترغب بتطوير زراعة الكرمة في أراضيها وبالتالي مد أواصر التعاون بين التعاونيتين الزراعيتين في كلٍ من حدشيت وسوفتير. هذا وشهدت الزيارة التي قام بها الوفد الفرنسي لحدشيت زرع عدد من شتول الكرمة في مرتفعات البلدة.
إضافة للجانب الزراعي هناك الجانب الثقافي حيث يتم درس مشروع تعاون مع مدرسة حدشيت التي تضم تكميلية رسمية ومدرسة راهبات القديسة تريزيا الطفل إضافة الى مدرسة مهنية.
في المجال السياحي تم الاتفاق على تنشيط السياحة وخاصة الدينية التي هي اساسية في المنطقة بحكم وجود وادي قاديشا وما يحتويه من معالم تاريخية غنية. وتضم البلدة ثلاث كنائس: مار رومانوس (شفيع البلدة)، مار سركيس وباخوس وسيدة الشقيف .كما تضم العديد من الأديرة في الوادي المقدس منها دير الصليب، دير مار أنطونيوس البادواني، دير مار يوحنا، دير مار جريس، دير القديسة شموني (أم السبعة) محبسة مار بهنام ومزار مار الياس في أعالي البلدة. هذه الكنائس تُعتبر معالم سياحية يقصدها السواح من مختلف المناطق اللبنانية.
زيد قال إن بلدية حدشيت تتعاطى بشكل جدي وعملي مع مشروع التوأمة وهي بصدد إنشاء جمعية تكون من مهمتها العمل على نجاح هذا المشروع.
الجدير ذكره أن بلدة حدشيت تُعتبر من أجمل البلدات اللبنانية نظراً لموقعها الطبيعي الخلاب. تبعُد عن بيروت 126 كلم، عدد سكانها 6000 نسمة. تصل اليها عن طريق: طرابلس-اهدن-حدشيت او كوسبا-بشري-حدشيت.
تاريخ الهجرة من حدشيت يعود الى القرن الثالث عشر، حيث هجر اهالي حدشيت بلدتهم الى قبرص ومالطا، كما هجر قسم منهم الى حمانا في جبل لبنان والى بعلبك، كذلك شهدت البلدة هجرة واسعة الى بلاد الاغتراب.
واشتهر في حدشيت البطريرك دانيال حدشيتي 1278-1283 الذي وقف في وجه غزوة المماليك سنة 1283 واستشهد في اهدن
يقول الدكتور وليم وورد ان اسم حدشيت كان ضمن القرى والمدن اللبنانية التي نقش رمسيس الثاني 1290-1244 قبل الميلاد، اسماءها على صخر نهر الكلب اثناء حروبه مع الحثيين.
اما عائلاتها فهي: حدشيتي، صقر، دريبي، وردان، ساسين، رزق، بيسري، خوري، شدياق، سماحة، خطّار، صعب، عيد، فارس، كيزانا، بركات، قديس، فيّاض، ، لولش، زاعوق، سمعان،الغندور، شحادة، اغا، نهرا، يونس، كرم، زهرا، وهبه، ايليا، بزعوني، صعيبي، زيد، عازار, الشقطي، باخوس، هدلا، الودّة.
المجلس البلديّ في حدشيت أنشئ عام ١٩٦٣ وفيها مختاران.