رياق…المدينة الحائرة بين المجد الضائع والأدوار الجديدة
كتبت ميرنا دلول
قالوا : راق الماء .. وأريقت عينيه دمعاً .. والترياق هو الدواء الشافي .. ورياق هي واسطة العقد في سهل البقاع .. هي هذه المدينة الصغيرة، التي تنبسط لتشكل حلقة وصلٍ لمحيطها، وهي التي كتبها التاريخ لمحطات خالدة عايشتها، ولرجال كبار عاصرتها، رياق المدينة التي ظلمها المسؤولون وظلمتها الدولة، يصح عليها القول : المدينة المظلومة .
ليست رياق كبقية القرى والبلدات البقاعية المنتشرة وسطاً وغرباً وشمالاً، فلتاريخ رياق صفحات مشرقة، نظراً للدور الذي لعبته منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، ولموقع رياق الجغرافي الذي كان همزة وصل بين الساحل والداخل السوري، خصوصا في ظل الحكم العثماني، وكانت محطة سكة الحديد فيها التي أنشئت في العام 1894، نقطة لترحيل المنتدبين من اللبنانيين للقتال مع الجيش العثماني إبان الحرب العالمية الأولى أو ما يعرف بالـ ” سفربلك “.
مع إنتهاء الحرب الأولى وبداية الإنتداب الفرنسي، إختارتها حكومة الإنتداب محطة إرتكاز لها، نظراً لموقع رياق الإستراتيجي لاسيما وأن وجود سكة الحديد ساهم بنهضة إقتصادية وتجارية فيها، فشرعت ببناء مطارها العسكري في العام 1927، وجعلت منها مركزاً عسكرياً كبيراً، وشهدت ولادة أول فندق مخصص للمنامة في المنطقة ( فندق الخوام )، والذي مرً فيه رجالات كبيرة منها الرئيس الفرنسي شارل ديغول، إضافة إلى أن رياق شهدت ولادة أول دور للسينما في المنطقة، وإنتشرت فيها الأسواق التجارية الشعبية ( سوق الثلاثاء والجمعة) حيث يتم بيع وتبادل البضائع والمواشي نقداً وبالمقايضة.
عضو مجلس بلدية رياق السيد محمد منذر أكد لنا، أن موقع رياق الجغرافي، جعلها تعتمد أولاً على الزراعة نظراً لإشتهارها بالثروة المائية والحرجية خصوصاً ” التوت “، وهذا الأمر جعلها مركزاً مرموقاً لتربية دود القز قديماً وإنتاج الحرير، ومع نشوء سكة الحديد، برز الوجه الوظيفي في رياق، والذي ساهم في ” تدويل ” إسمها، حيث كان يكفي للبناني المسافر إلى أوروبا أن يقول أنا من رياق، ليعرف السائل إلى أي بلد ينتمي، ويلقى حفاوة في الإستقبال والترحيب.
مع ولادة فجر الإستقلال ظلت رياق تلعب الدور المنوط بها، كنقطة إلتقاء في وسط البقاع، وتحولت القاعدة العسكرية الفرنسية إلى قاعدة عسكرية لبنانية، والمطار أيضاً مطاراً عسكرياً لبنانياً، وظلت مركزاً تجارياً وإقتصادياً مرموقاً حتى بداية ستينيات القرن الماضي، حيث حظيت بنصيب في السياسة الإصلاحية الإنمائية التي إنتهجها العهد الشهابي، وتناولت بعثة ” ايرفد ” رياق كـ ” مدينة صغيرة “، وإعتبرتها حالة خارج الأنموذج السائد ومتطورة قياساً عن محيطها في تلك الفترة، ورأت فيها مدينة صغيرة مزدهرة ومتقدمة.
وأخبرنا السيد منذر، أن رياق كانت وما تزال مقصداً لكل الأطياف، نظراً لما تتمتع به من حضور إقتصادي وسياحي، ويعود هذا لطبيعة التجهيزات فيها من الناحية التاريخية والإقتصادية، حيث تؤمن لها هذه التجهيزات مكانة مهمة في المنطقة من خلال الخدمات التي تؤديها للقرى المحيطة كمركز للعمل والتبادل الاقتصادي والتسلية والتعليم.
وبعيداً عن موقع وقيمة رياق جغرافياً وتاريخياً، تعتبر هذه البلدة مركزاً تربوياً كبيراً وناشطاً، حيث يتواجد فيها حوالى عشرين مدرسة وجامعتان، وهذا الأمر جعلها تحت المجهر ويقصدها الطلاب من كل البلدات والقرى المحيطة فيها، خصوصاً وأن تنوعها الديني الحالي وحالة العيش المشترك المعروفة فيها، جعلا منها مدينة هادئة ووديعة ومسالمة، فيها من الحفاظ على العادات والتقاليد الأمور الكثيرة، وفيها من الإنفتاح الفكري والحضاري، ما يسمح لها بلعب دور الملتقى بكل معنى الكلمة.
وفي حديث خاص لموقع ” مناطق.نت “، أكد رئيس بلدية رياق الأستاذ جان معكرون أن البلدية الحالية تعمل جاهدة لإعادة أمجاد رياق إلى سابق عهدها، حيث قامت بالتنسيق مع الجهات الرسمية في الحكومة لإفتتاح مركز للأمن العام في رياق وسيتم ذلك قريباً خصوصاً وأن الأشغال في المبنى شارفت على الإنتهاء، وأوضح أن البلدية تسعى جاهدة للعمل على جعل المطار مطاراً تجارياً وسياحياً، مما يساهم في إعادة النشاط الوظيفي للمنطقة، لأننا نريد أن نعيد التاريخ للحاضر لنبني المستقبل، وأكد أن البلدية تسعى بالتعاون مع وزارتي النقل والسياحة لجعل مركز محطة سكة الحديد مقراً سياحياً، مما يؤدي الى إعطاء الطابع السياحي للمنطقة عموماً ولرياق على وجه الخصوص.
تقع رياق – حوش حالا في منتصف سهل البقاع، وهي من قرى البقاع الأوسط وتشكل واحدة من ست وخمسين قرية يتكون منها قضاء زحلة التابعة له اداريا، ترتفع عن سطح البحر 900 متر، وتبعد عن بيروت 60 كلم، وعن مركز المحافظة وهو ذاته القضاء 11 كلم، وهي بلدة مركبة من رياق ومن حوش حالا، وهي بلدة قديمة تعود إلى العصر الروماني، وهي عبارة عن تل ترابي مصطنع أقامه الرومان لأغراض عسكرية وبالأخص للمراقبة والإشراف على حركة المواصلات وسير القوافل، في رياق مجلس بلدي مكون من 15 عضواً وخمسة مخاتير.
تظل رياق إسماً يلمع في تاريخ لبنان، وبمجرد ما ذكرت رياق في أي سياق، ستقفز الكثير من الصور إلى ذهنك، المطار، سكة الحديد، قاعدة رياق الجوية، ولأنه فيها كل مواصفات المدينة، حتى اللحظة لم تنظر الدولة اللبنانية لهذه البلدة ما يليق بتاريخها وحاضرها، لتصنيفها على المستوى الرسمي كمدينة، لهذا يمكننا القول عنها أنها المدينة المظلومة .