“مناطق.نت” ..لماذا

الإعلام هو أقل من واقعنا بكثير، وما لا يقوله هو أكبر مما يقوله، ومهما تكاثرت وسائل الإعلام، تبقى قاصرة عن المسكوت عنه أو الخارج عن مداركها.

ما كان إعلامنا يوما محايدا،ولن يكون، كما لم يكن عملا لوجه الله، ولا موضوعيا، هو صاحب غاية، ومشبّع بالمصلحة حتى الثمالة، وأيضا هو مأجور ولو اتقن تمويه الأجر وإخفاءه، وهو انتقائي في تعاطيه مع الواقع، يحكي ما يشاء ويسكت عما يشاء.

كان أخطر ما في هذا الإعلام، هو اختصاره لبنان بفئة معينة من ناسه، هي من كوكتيله “الوطني”، لتتسيّد على الناس بسياستها واقتصادها وثقافتها وفنّها وهمومها وأخبارها، فصارت هي الوطن، بينما الآخرون ليسوا سوى تنويع أو ترفيه للتخفيف من ضجر هذا الإعلام ورتابته.

على هذه الأرضية تشكلت دوافع إطلاق “مناطق .نت”، وعلى فهم يقوم على أن لبنان ليس طوائف ومذاهب فقط، كما أنه ليس أحزابا وطبقات فقط، ولا يمكن اختصاره وتصغيره ببضع وجهات نظر، وتنوعه وتعدّده ليسا انعكاسا لتفارقات وتمايزات بين فئات معينة من اللبنانيين، وممارسة هذا التنوع والتعدّد ه ليست حكرا عليهم، فلبنان أيضا هو مناطق، وكل منطقة فيها لبنانها الصغير، لبنانها الجزئي الذي لا لبنان كبير من دونه.

استدخال حديث المناطق إلى الإعلام، ليس لتصديع الهوية الوطنية بالمناطقية أو ثقبها بعصبيات جديدة، أصلا، هويتنا هذه هي هوية افتراضية، تعاني تشققات مزمنة، وتفكيكها وإعادة تركيبها هما غب الطلب، ورهن التقلبات السياسية والمغالبات الطائفية والمذهبية، وهذه أشبعتها تصدعا وتشققا وتكسرا وتجزئة.

“مناطق.نت”، هي العين التي تنظر في علاقة الجزء بالكل، وعلاقة الكل بالجزء، تبحث عن الوطن بالمنطقة، والمنطقة بالوطن، هي للتكامل وليس للانفكاك، هي للانتماء وليس للتفلت، فالهوية الوطنية لا تتنزل من السماء قطعة واحدة، أو تُفرض بقرار قهري، هي هوية مركّبة، هي جمع مبدع لمكوناتها، ومنها المناطقية.

“مناطق.نت”، ستحكي عن اللامحكي، وتقول الذي لا يُقال، ستذهب إلى الواقع الخارج عن تغطية شبكات الإعلام. مهما تكاثر الكلام، يبقى قليلا عما يحتاج إليه تظهير الواقع، هناك في مناطقنا اشياء كثيرة وجميلة ومميزة تنقصها الكلمات لينكشف الواقع كلّه لنا.

لقد بدأنا عصبة صغيرة من الصحافيين والكتّاب، وقبلنا هذا التحدي، لا يجمعنا جامع سياسي أو حزبي أو طائفي، إنما لقاء على توسعة قاعدة الانخراط بمشروع الدولة، ورفدها بالمعطيات والقدرات المناطقية، على وقع استعارة غبريال غارسيا ماركيز، مع التصرف بها، وهي: أن “الأوطان” كالجيوش في المعركة، تقدمها مرتبط بسرعة أبطأ مناطقها….

مناطق.نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى