بارك أوتيل شتورة : زيارة حافظ الأسد وإنتخاب إلياس الهراوي
كتب خالد صالح
صحيح أن مدينة شتورة البقاعية هي همزة الوصل بين مناطق البقاع، وصحيح أن هذه المدينة تضم أكبر تجمع للمصارف في رقعة جغرافية ضيقة، وصحيح أيضاً أن إسم شتورة غني عن التعريف على إمتداد الوطن، لكنها أيضاً شتورة بارك أوتيل.
شتورة بارك أوتيل، ليس فندقاً فخماً فقط، وليس مركزاً سياحياً مرموقاً في البقاع، فهذا المكان يختزن في ذاكرته أحداثاً كبيرة، وقف الفندق شاهداً عليها، هذه الأحداث غيّرت الكثير من معالم لبنان سياسياً وإجتماعياً وثقافياً.
في مثل هذا اليوم من العام 1989 إمتدت يد الغدر لتنال من رئيس الجمهورية رينيه معوض، في عيد الإستقلال سقط الرئيس معوض، الرئيس الأول بعد إتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب الأهلية التي إمتدت طوال خمسة عشر عاماً.
كنتُ شاهداً حياً على ذلك اليوم، عندما إرتدى لبنان الوشاح الرئاسي الأسود، وبينما الحزن يلف لبنان على رئيسه المغتال في يوم الإستقلال، كان لزاما على روّاد الطائف ” المجلس النيابي ” المسارعة إلى خطوة تكون أكبر من لغة الموت والإغتيال، خطوة تصرّ على الحياة وأنه لا عودة إلى الوراء، فبادروا سريعاً إلى الإنعقاد في جلسة بتاريخ 24 تشرين الثاني في بارك أوتيل شتورة وتم إنتخاب الرئيس إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية، وشهدت أروقته ولادة أول حكومة في عهد الجمهورية الثانية.
كانت أولى خطواتي في العمل الإعلامي في تلفزيون البقاع آنذاك، يوم إختارتني المخابرات السورية برفقة مصور قريبي لتغطية حدث مهم في بارك أوتيل شتورة، لم نكن نعلم ما هو، وبقينا أسرى الإقامة في أروقة الفندق حتى الساعة العاشرة مساء، عندما إكتمل النصاب وبدأت عملية الإنتخاب، فنال الرئيس الهراوي 47 صوتاً وخمسة أوراق بيضاء.
أذكر تلك اللقاءات الجانبية التي كنت أجريها، مع النائب إدمون رزق وفكاهته الظريفة، ومع النائب نجاح واكيم وسيجارته التي لم تنطفىء والنائب ألبير منصور وجديته، أيضا مع الرئيس حسين الحسيني الذي كان آخر الحاضرين بإبتسامته الهادئة، وظل بارك أوتيل شتورة عالقاً في ذاكرتي وسيظل عالقاً في التاريخ اللبناني، لأنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها إنتخاب رئيس للجمهورية من البقاع وفي البقاع.
بالعودة إلى عمق الذاكرة، وضع حجر الأساس لهذا الفندق في العام 1956 وتمّ إفتتاحه رسمياً مع حلول العام 1959، ورويداً رويداً بدأ بارك أوتيل يتحول إلى قلب شتورة ويختصر إسم هذه المدينة المميزة في الموقع والأهمية على مستوى البقاع.
لم يكن إنتخاب الرئيس إلياس الهراوي هو الحدث الكبير الذي شهده بارك أوتيل، ففي جنبات هذا المكان عقدت القمة اللبنانية – السورية بين الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية وحافظ الأسد بتاريخ 8 تشرين الثاني عام 1974، وكانت تلك الزيارة الأولى والأخيرة للرئيس السوري إلى لبنان.
بارك أوتيل شتورة ليس فندقاً فخماً فحسب، بل بات معلماً من معالم المنطقة، وقبلة مهمة تعطي البقاع موقعاً مرموقاً على الخارطة السياحية والإجتماعية والثقافية، فتاريخه الزاخر بالمحطات الكبرى، يجعله نقطة إلتقاء ومنتدى لجميع المناسبات، وفي أروقة صالاته تقرأ من خلال الصور المنتشرة تفاصيل عن ستين سنة خلت من عمر هذا الصرح.
جمع ” بارك أوتيل ” تجدده الجمالي مع تراث الماضي والفن المعاصر حيث بذل الفنانون والمهندسون جهوداً كبيرة كي يصبح مزيجاً من سحر الشرق وطراز الغرب، بحيث أصبح ” تحفة فنية في قلب البقاع”، عرفت قاعات البارك أوتيل العديد من المؤتمرات واللقاءات ونزل فيه عدد كبير ومهم من الشخصيات السياسية والفنية، وإستضاف مؤتمر وزراء الخارجية العرب في عامي 1960 و1962، ومؤتمر وزراء العمل العرب، وشهد الفندق قسم اليمين الدستورية للرئيس الراحل الياس سركيس في عام 1976، ومن أبرز زوار البارك : الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأم كلثوم، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، فيروز والأخوين الرحباني وصباح ووديع الصافي وغيرهم من عمالقة الفن الراحل.
ومن المحطات المهمة أيضاً، وخلال العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان في العام 1996 فيما عرف بـ ” عناقيد الغضب “، إلتقى الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري بوزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر في هذا الفندق، ونوقشت خلال اللقاء بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أوقف الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان الذي إستمر 16 يوما.
لقد طُبعت مرحلة مهمة من تاريخ لبنان بـ ” شتورة بارك أوتيل “، فهذا المكان مع الكثير من التفاصيل السياسية والفنية والثقافية والإجتماعية، بات إرشيفاً ثميناً لكل باحث عن تاريخ لبنان .