تبغ الجنوب يقارع “الريجي” والزراعة مهددة بالهلاك!
بين شتلة التبغ والجنوبيين حكايات تعود إلى حوالي قرن من الزمن، ومن تلك الحكايات ثورة المزارعين التي لم تخمد منذ إنشاء شركة إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي” العام 1935 ورفض “المونوبول” حينها أي احتكار التبغ، حيث زُج بالعديد من أبناء بنت جبيل وجوارها الذين حرضوا على التظاهر امام سراي المدينة في السجن، ومن بينهم المرحوم أبو نعيم بزي، إلى انتفاضة مزارعي التبغ في النبطية في شهر كانون من العام 1972، التي سقط فيها شهيدان من المزارعين هما حسن حايك ونعمة درويش، تبعها تحركات واسعة أفضت إلى رفع أسعار التبغ عشرين بالمئة آنذاك.
ما يحدث في الجنوب اليوم (2021) بعد ما يقارب تسعة عقود، لناحية رفض المزارعين تسليم محصولهم إلى الريجي على امتداد الجنوب، احتجاجاً على تدني الأسعار، يأتي في ظل ظروف اقتصادية بالغة التعقيد، تهدد بهلاك هذه الزراعة، التي تشكل العامود الفقري لأكثر من 15 ألف عائلة في محافظتي الجنوب والنبطية، حيث يُزرع مساحة خمسين ألف دونم من الأراضي الخصبة، خصوصاً في المناطق المرتفعة عن سطح البحر، ولا يوجد فيها زراعات بديلة بسبب ندرة المياه التي لم تحل مشكلتها، على الرغم من كل المشاريع المائية الموعودة، ومنها مشروع الليطاني المعروف بمشروع الـ 800 متر الذي يترنح إلى الآن.
فالزيادات التي أقرتها وزارة المالية بتوصية من إدارة الريجي، وهي خمسين بالمئة العام 2020 حيث ارتفع سعر الكيلو الصنف الممتاز من 16 إلى أربعة وعشرين ألفاً، ورفع السعر من 24 إلى 43 ألفاً في العام 2021 بزيادة مئتين بالمئة، فهذه الزيادات لم تُرضِ المزارعين، كون الزيادات لا ترد نصف كلفة أتعابهم في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الأسمدة والمواد الكيماوية والحراثة والبذور والخيش والخيطان والأجور وسواها، وهبوط قيمة العملة الوطنية “الليرة” إذ هبطت قيمة بدل الكيلو غرام من عشرة دولارات إلى دولارين فقط.
أسعار مجحفة
رئيس نقابة عمال ومزارعي التبغ في لبنان حسن فقيه، وهو لصيق سياسياً بمدير عام الريجي المهندس ناصيف سقلاوي “حركة امل” يؤكد لـ “مناطق نت” بأن الأسعار المقررة للمزارعين 43 ألف ليرة للكيلو، التي اقرتها وزارة المال بناء لتوصية من الريجي، هي أسعار غير ملائمة، ولا تنسجم مع معاناة المزارعين، ولا الكلفة المادية التي يدفعونها على حقولهم، ابتداءً من حراثة الأرض وصولاً إلى توضيب المحصول وتسليمه كأوراق الذهب. وأنّ المئة ألف ليرة لثمن الكيلو هو قليل أيضاً.
يشدد رئيس بلدية رميش ميلاد العلم لـ “مناطق” على وقوف البلدية إلى جانب مزارعي البلدة، الذين يزيد عددهم على الـ 850 مزارعاً، وأنتجوا هذا العام بعد تراجع الزراعة 300 ألف كيلو، بعدما كانت كمية الإنتاج العام الماضي 375 ألفاً
ويضيف أن أبناء البلدة، تمرسوا في هذه الزراعة المرة، التي تقيهم كغيرهم من المزارعين العوز، لذلك المطلوب تحسين الأسعار، بما يتناسب مع تعب وعرق المزارعين واحتياجاتهم.
يشير المزارع بسام حسن إبن بلدة عيترون لـ “مناطق”، إلى أن الأسعار الحالية التي رفضها المزارعون على خلفية تدنيها إلى أقصى الحدود، تهدد بسقوط زراعة التبغ في الجنوب، التي تعتاش من خلالها آلاف العائلات خصوصاً في البلدات والقرى المرتفعة عن سطح البحر، ولا يوجد فيها مياه كافية لزراعات بديلة.
ويؤكد حسن أن إدارة الريجي، لا تفيد المزارع بشيء، فالمزارع يصارع وحيداً، والمطلوب إنصاف المزارعين وإعطائهم الأسعار المناسبة حتى يتمكنوا من السير في زراعة أراضيهم، وعدم تحولها إلى أراض بور.
تبغ الجنوب بالأرقام
يُزرع تبغ الجنوب في أكثر من 190 بلدة وقرية جنوبية، والثقل الأساسي لهذه الزراعة منطقة بنت جبيل، حيث تحتل بلدة عيترون المرتبة الاولى بزراعة وانتاج التبغ، والذي يبلغ سنوياً ما يقارب أربعماية ألف كيلو غرام، ويعمل في هذه الزراعة حوالي الألف فرد، تليها بلدة رميش المجاورة، التي يبلغ انتاجها السنوي من اراضيها الخصبة ذات التربة الحمراء 375 ألف كيلو غرام، وتأتي بعدهما عيتا الشعب وبلدات أخرى مثل صديقين وزبقين ورب ثلاثين والقنطرة وغيرها، وتبلغ الكمية التي تتسلمها إدارة الريجي من مزارعي الجنوب سنويا 5,4 ملايين كيلو غرام، وقد انخفض هذا الموسم “2021″ بنسبة تفوق الثلاثين بالمئة، تصدر منها الريجي القسم الأكبر المقدر ستين بالمئة، فيما تقوم باستخدام الكميات المتبقية في تصنيع السجائر في مصانع الادارة في الحدث، ولا سيما سجائر “السيدرز” الوطنية.
ويحق لكل مزارع رخصة “أذن” بزراعة أربع دونمات، على أن لا يفيض إنتاجها على الاربعماية كيلو غرام، وعندما تزيد هذه الكمية يستطيع المزارع بيعها لمزارعين آخرين امتهنوا هذه التجارة، حيث يعمدون إلى شراء الكميات الفائضة بالأسعار التي تناسبهم. ويسلمونها إلى الريجي بالأسعار السائدة، دون أن يعانوا في زراعة حقولهم، الأمر الذي فتح باب السمسرة في قطاع التبغ.
ويعد قطاع التبغ في لبنان، بحسب إدارة الريجي واحداً من ابرز القطاعات الداعمة للخزينة اللبنانية، حيث بلغت عائداتها 444 مليون دولار في العام 2017.