تداعيات الأزمة.. هل هي أقل وطأة على الجنوبيين؟

“أكيد بالجنوب حالنا أفضل من غير مناطق”، تقول السيدة الثلاثينية خديجة، وهي ربة منزل وأم لولدين، يعيش جميعهم في منزل بالقرية على أطراف مدينة صور (جنوب لبنان)، وتضيف “عنا فيه مساعدات بتقدمها أحزاب والناس بتشوف بعضها شو عايزة بحكم عادات المنطقة وكمان فيه مساعدات من الأمم”.

يعمل زوج خديجة في أعمال البناء. وهما من المؤيدين لحركة أمل، لكنهما يمتلكان “بطاقة السجّاد”، وهي إحدى بطاقات حزب الله التي تمكن حاملها من شراء السلع والاستفادة من الحسومات في مراكز التموين التي أنشأها لهذه الغاية، في  مناطق لبنانية عدّة.

ووفق خديجة “البطاقة مفتوحة أمام الجميع، حزب وحركة. وكمان منقدر من خلالها يطلعلنا تخفيض على سعر الفحوصات المخبرية بمراكز الهيئة الصحية”.

وتتحدث لـ”مناطق.نت” عن هذه البطاقة وما توفره لهم: “لو قد ما طلع الدولار بالسوق، الأسعار بتتغير بالتعاونية لي منقصدها ببلدة كونين بس بتضلها مقبولة”.

وتضيف “مثلاً اشتريت علبة الفول بـ23 ألف وحقها برا (أيّ في التعاونيات الأخرى) 40 ألف، 5 كيلو رز بسمتي بـ350 ألف بينما برا مش أقل من 750 ألف، عبوة دوا الجلي الكبيرة بـ60 ألف بينما برا وصل حقها 120 ألف والزيت بـ420 ألف، وغيرها أمثلة كتيرة”. (ملاحظة: الأسعار كانت قبل أن يتابع الدولار صعوده ويرتفع سعر صرفه إلى ما فوق الـ 100 ألف ليرة).

وتختم “صحيح مش دايماً منلاقي كل شي بدنا ياه، بس السلع الأساسية متوافرة، متل: رز وسكر وصلصة وزيت وأدوات تنظيف. منروح مرة بالشهر، وأغلب السلع من ماركات تركية ولبنانية وإيرانية”.

علماً أن هناك بطاقات يخصصها حزب الله للحزبيين، وهي “النور” وتؤمن لهم حسومات على الطبابة والصيدلية والمواد الغذائية وأمور أخرى كثيرة.

يعتمد جنوبيون كثر على المساعدات الغذائية التي تأتيهم من منظمات وجمعيات محلية ودولية ومن أفراد ميسورين بحكم العلاقات الإجتماعية الوطيدة هناك، أكثر من أيّ وقت مضى

الغذاء أولاً

ويعتمد جنوبيون كثر على المساعدات الغذائية التي تأتيهم من منظمات وجمعيات محلية ودولية ومن أفراد ميسورين بحكم العلاقات الإجتماعية الوطيدة هناك، أكثر من أيّ وقت مضى.

تقول الحاجة مريم (76 سنة) لـ مناطق.نت: “كل شهر بيوصلني من الأمم (شيلد) كرتونة فيها رز وسكر وعدس وحبوب وكتير إشيا تانية، بتكفيني أكتر من شهر، وبوزع منها للعايزين”.

وترتفع وتيرة هذه المساعدات كثيراً في شهر رمضان، حتى أن بعض الأسر تمون أنواع السلع الأساسية، من خلال الحصص التموينية، لأشهر تلي هذا الشهر.

الدواء أيضاً

ورغم أهمية المساعدات الغذائية التي تصلها، تجد مريم أن “الحياة صارت صعبة، كل يوم بدي مصروف بين 400 و500 ألف. القصة مش بس أكل وشرب، الدنيي كلها صارت كتير غالية، الإستشفا والموتور والدوا وحتى الخضرة واللحمة كمان”.

الدواء أيضاً، ولو بقدر المستطاع، يتمّ تأمينه في المستوصفات وفي الهيئة الصحية ومراكز البلديات وحتى من قبل بعض رجال الدين، كما يرسله المغتربين الى أهلهم في الجنوب.

وتشير مروى (36 سنة) في حديث مع “مناطق.نت”: “بمركز البلدية بشقرا، بتمّ توزيع الأدوية، ووالدي بروح بجيب أدويته للأمراض المزمنة، وكمان كان فيه لجنة طبية قدمتلنا فحوصات مجانية”.

حالة إنكار؟

بالظاهر، يبدو واضحاً أن غالبية أهالي الجنوب، يتدبرون أمورهم الأساسية، إلى حد ما، لا بل هناك فئة منهم تعيش بحبوحة رغم الأزمات النقدية والإقتصادية التي تعصف بالبلاد.

لكن هذا الظاهر لا يمكن تعميمه، إذ يفتقد البعض لمقومات الحياة الأساسية، و”لا يعني تأمين المواد الغذائية أن الحياة باتت مقبولة وجميع الناس قادرين على تدبير أمورهم، ولا يعني هذا الأمر أنهم منفصلون عن الواقع اللبناني، والأزمة بحد ذاتها، إذ يعيش كثيرون القلق الدائم حول ما ستؤول إليه الأمور، وقد تغير أسلوب حياة البعض منهم، وباتوا متضررين نفسياً حالهم كحال كثر من اللبنانيين” حسبما تقول ساره (31 سنة) من منطقة النبطية.

الظاهر لا يمكن تعميمه، إذ يفتقد البعض لمقومات الحياة الأساسية، و”لا يعني تأمين المواد الغذائية أن الحياة باتت مقبولة وجميع الناس قادرين على تدبير أمورهم، ولا يعني هذا الأمر أنهم منفصلون عن الواقع اللبناني

وتضيف “بكفي أسعار البنزين اللي خلت الناس ما تعرف تروح مشاويرها. فيه ناس مش قادرة تتسجل بالجامعات، مش كل شي الأكل والشرب، فيه ناس بطلت عارفة تعيش متل قبل، وكمان فيه ناس عاملة حالة إنكار للواقع وتبعاته، حتى إنو البعض بات مقتنعاً بإنو يقول الحمدلله أهل الجنوب عايشين أفضل لأنو عندهن مواد غذائية وصارو يحسو بالإمتنان للأشخاص اللي عم يأمنولهن ياها ويسكتوهن فيها متل ما عم تعمل الأحزاب”.

وفي هذا السياق، يقول أيمن دياب وهو أحد سكان صور لـ مناطق نت: “تغيرت الأحوال بالبيت عند أهلي أكيد. مثلاً الغدا صار كل يومين طبخة والفواكه وغيرو متل الحلو صارو مرة بالأسبوع ويمكن أقل من مرة. بيي صار عم يسوق الرابيد ويترك الجيب كرمال البنزين. الضمان الصحي لإهلي صار ما عم يغطي شي وطبعاً الوضع بعيلتنا أسهل من عيل تانية وضعها أسوأ. في عيل واقفة ع جريها بدعم أولادها المغتربين أو متل عيلتي بدعم ولادها اللي بيشتعلوا بجمعيات غير حكومية”.

الجنوب كحالة خاصة

يقول رئيس جمعية “لطف ورحمة” حسين شعيتو في حديث مع مناطق.نت: “ما يميز الجنوب، في تركيبته الإجتماعية والإقتصادية، ثلاثة أمور أساسية، أولاً، المغتربون وتحويلاتهم المالية المرتفعة”، إذ لدى كل منزل في الجنوب “مغترب أو أكثر، لاسيّما، في إفريقيا والبرازيل. فيما تقدر نسبة المغتربين في كل قرية بحوالي 20 الى 25 في المئة” على حد قوله.

ويضيف “ثانياً، البرامج الإجتماعية للجمعيات والأحزاب وخصوصاً، أحزاب الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، والتي تقدم المساعدات الغذائية والمالية بالدولار”، إضافة الى برامج وزارة الشؤون الإجتماعية وبعض المؤسسات الدولية ومنها مؤسسة “شيلد” والتي ترسل دعماً شهرياً عبر الـOMT للعائلات المسجلة لديها وبالعملة الصعبة وتوزع حصصاً غذائية.

أما ثالثاً، فإن “دولرة القطاع الخاص بالتزامن مع دولرة كل جوانب الحياة الإقتصادية والخدماتية وغيرها، جعل أصحاب المصالح والمؤسسات الخاصة يجنون أرباحاً نتيجة سياسات الدعم السابقة أو تأمين الدولار على سعر صيرفة ما رفع من مستوى معيشتهم، وحسّن من واقع العاملين في هذه المصالح، على عكس القطاع العام، الّذي لامس راتب الموظف فيه الـ50 دولار ليس أكثر”.

ما يميز الجنوب، في تركيبته الإجتماعية والإقتصادية،  أمور أساسية منها المغتربون وتحويلاتهم المالية المرتفعة. ومنها البرامج الإجتماعية للجمعيات والأحزاب وخصوصاً، أحزاب الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل

وفي هذا السياق، يلفت شعيتو الى أن دولرة الرواتب، عند جزء من الناس، ووصول المساعدات الأخرى بالدولار، مكنت جزءا كبيرا من الناس من سداد قروضه في المصارف على سعر الصرف الرسمي البالغ سابقاً 1507، الأمر الّذي سمح بتشغيل الأموال التي يتم تحويلها للناس في سوق العقارات والمصالح الأخرى.

ورغم “فرملة” الأزمة في الجنوب، على حد تعبير شعيتو، لكن “توجد العديد من الأسر المتعبة إقتصادياً، وتأثرت كثيراً بفعل الأزمة، بسبب خسارتها لودائعها في المصارف، وتقدر نسبتها بحوالي الـ15 في المئة، وتساهم جميع المساعدات المذكورة في سد عجز هذه النسبة”.

في المحصلة، يختم شعيتو: “يمكننا القول إن في قرى الجنوب كافة، لا أحد يعاني من فقر مدقع مثلما هو حاصل في مناطق أخرى من لبنان، علماً أن الجمعيات والأحزاب والتحويلات تتواجد في كل لبنان، وإن بنسب متفاوتة، ولكن أعتقد أن الجنوب حالة خاصة، لسبب رئيسي هو أن العائلات الجنوبية موجودة ولديها مصالح ومؤسسات كبرى ورأس مال شهري في دول الإغتراب، لذا فإن الأزمة فيها أقل وطأة مقارنة بالمناطق الأخرى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى