تشرذم قوى الاعتراض في الشوف وعاليه.. هل يتكرر مشهد الـ 2018 في الـ 2022

مع انتهاء مهلة الترشح للاستحقاق النيابي المزمع إجراؤه في 15 أيار المقبل، يتكشّف المشهد عن صورة “بانورامية” لقوى الاعتراض تبدو أكثر مأساوية لمشهدية انتخابات العام 2018. وهذا يتجلى من خلال العدد الكبير للمرشحين والذي يعكس تشرذم واضح وتخبط وعدم رؤية قد يفضي إلى مشهد قاتم وأكثر سوداوية عن الذي شهدناه في الاستحقاق الانتخابي الماضي.

لا يزال حتى الساعة القسم الأكبر من المجموعات المعارضة يدور في فلك المفاوضات والتجاذبات ولم يحسم خياراته بعد في معظم الدوائر. تظهر تأثيرات هذه المعضلة بشكل بارز أكثر في دائرة الشوف وعالية، حيث المعركة محتدمة بشكل كبير بين القوى التي تطرح خطاب تغييري والأحزاب التقليدية، مع الحديث المتكرر عن إمكانية خرق لائحة قوى التغيير بأكثر من مقعد نيابي، إن تم خوض المعركة بالشكل المناسب.

إطلاق حملة شوف التغيير

ساهم إطلاق حملة “شوف التغيير”، وهي حملة انتخابية تشاركية قاعدية، في بلورة رؤية المعارضة للاستحقاق الانتخابي المقبل، من خلال خوض ذلك الاستحقاق من خلال لائحة مكتملة في دائرة هي الأكبر في لبنان من حيث عدد المقاعد 13 مقعداً، 8 في الشوف موزعين على الشكل التالي، مقعدين للدروز وثلاثة مقاعد للموارنة، مقعد للروم الكاثوليك ومقعدين للسنة. وفي عاليه 5 مقاعد يتوزعون على مقعدين للموارنة، مقعد للروم الأرثوذكس ومقعدين للدروز.

يبلغ عدد الناخبين في دائرة الشوف وعاليه 346453 ناخباً. في الشوف 212513 وفي عاليه 133940 ناخباً، ويتوقع أن يكون الحاصل الانتخابي فيها بحدود الـ 13000 صوتاً إذا ما احتسبنا نسبة التصويت بخمسون في المئة.

لا يزال حتى الساعة القسم الأكبر من المجموعات المعارضة يدور في فلك المفاوضات والتجاذبات ولم يحسم خياراته بعد في معظم الدوائر

تضم الحملة أفراد منتظمين في مجموعات سياسية أبرزها مجموعة “لحقي” ومجموعات تنظيمية أُخرى تضم ناشطين في بلدات وقرى الشوف، ساحلاً وجبلاً مروراً بالإقليم، مثل “الشوف ينتفض” و”برجا تنتفض” و”الحراك الوطني” وغيرها من المجموعات التي أصبح لها حضور وحيثية في الإقليم بعد 17 تشرين بالإضافة إلى الإعلامية غادة عيد. تسعى هذه المجموعات إلى خلق إطار انتخابي يتضمن ورقة سياسية وآليات تم التوافق عليها من خلال ورشة عمل شارك فيها معظم المنضوين ضمن تلك المجموعات.

العقدة السنية

لم يخلُ مشهد المفاوضات بين مجموعات الاعتراض في الشوف من التعقيدات بالرغم من جمع معظم الفاعلين في تلك المجموعات ضمن إطار موحد. لكن من القضايا الإيجابية التي سُجلت هي حصر نقاط الخلاف في عقدتين، الأولى تتعلق بالمقعد السني الثاني، (بعدما حُسم المقعد الأول لصالح المرشح مازن نصر الدين)، حيث تصر مجموعات الإقليم على تسمية المرشح محمد الحجار، وهو إبن بلدة شحيم الذي حصل على عدد لا بأس به من الأصوات التفضيلية في انتخابات العام 2018 مع إئتلاف كلنا وطني، حيث نال 1133 صوتاً تفضيلياً.

في المقابل تصر عضو المكتب السياسي في حزب “لنا” حليمة القعقور على الترشح، بالرغم من عدم وجود تأييد شعبي لترشيحها في أوساط مجموعات الإقليم باعتبارها خطوة “غير استراتيجية”، بالإضافة إلى المرشح لؤي غندور الذي يحاول “تحالف وطني” فرضه، من خلال ممارسة الضغط على مجموعات حليفة لهم في دوائر انتخابية أخرى، ضاربين بعرض الحائط الإطار الذي تم تأسيسه للخروج من الجدالات العقيمة التي دفعت قوى التغيير ثمناً باهظاً بسببها في استحقاقات سابقة.

العقدة المارونية

أما بالنسبة للعقدة الثانية، فتتمثل بالخلاف على المقاعد المارونية في الشوف، وهي تشكل خاصرة رخوة لقوى السلطة، وتحظى بنسبة عالية من إمكانية الخرق فيها. العقدة تتمثل بعدم التوافق بين قوى التغيير على أسماء المرشحين ليكونوا ضمن اللائحة، مما يعيد إلى الأذهان تجربة العام 2018 الانتخابية، والتي حرمت لائحة “كلنا وطني” من الوصول للحاصل الانتخابي، وبالتالي الفوز بمقعد.

وكأن المشهد يعيد نفسه في الاستحقاق المقبل في أيار، حيث يرشح حزب “تقدم” الدكتورة الجامعية نجاة صليبا في الشوف، بينما تترشح الإعلامية غادة عيد عن أحد المقاعد الثلاثة أيضاً. وبالرغم من توفر العدد المناسب من المقاعد لترشح صليبا وعيد، إلا أن هناك عوائق عديدة تمنع جمع الإثنين على اللائحة نفسها. منها ما هو متعلق بـالوضوح السياسي والذي يرفض التحالفات الهجينة مع أحزاب مثل حزب الكتائب، الذي يسير فيه حزب تقدم، ومنها ما يتعلق بخلافات “شخصية” بين من يدير عملية تشكيل اللوائح.

حملة عاليه التغيير

بالتوازي، يتم التحضير لإطلاق حملة “عاليه التغيير” وهي حملة تشكل إمتداداً لحملة “شوف التغيير” إذ تضم المجموعات نفسها. العقدة الوحيدة هنا تتمثل في المقعد الدرزي الثاني، حيث بات ترشيح الناشط علاء الصايغ عن أحد المقاعد الدرزية شبه محسوم، كما تم ترشيح زويا جريديني عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه، مع العلم أن أي تطور فيما يخص عقدة المقعد الماروني في الشوف سينعكس سلباً أو إيجاباً على عقدة المقعد الدرزي في عاليه حيث يرشح حزب “تقدم” مارك ضو عن أحد المقاعد الدرزية في عاليه أيضاً.

تباين الطروحات السياسية

التباين بوجهات النظر بين الأحزاب والقوى والمجموعات هو أمر طبيعي وحق مشروع، وهو أحد وجوه الحياة الديمقراطية، لكن اللحظة المصيرية التي يمر بها البلد تحتم على الجميع تذويب الفوارق بينهم والانتظام بتحالفات وطنية تتعالى عن الصغائر والحسابات الشخصية الضيقة. والابتعاد عن منطق الابتزاز الذي تمارسه جماعات ليس لها صفة تمثيلية على الأرض، وبالكاد هم معروفون في بلداتهم وبيئاتهم ومنضوون في أحزاب لا يتجاوز أعضاؤها عدد أصابع اليدين.

أيضاً، هناك أطراف ينحصر تمثيلهم الحزبي بشخصين أو ثلاثة أشخاص في الدائرة، ومع ذلك يصرون على زرع الشرخ داخل قوى الاعتراض ونشر الأكاذيب خدمةً لمصالحهم الخاصة غير آبهين بالنتائج السلبية التي تأتي جرّاء تعميق الخلاف بين المجموعات.

أسابيع أخيرة تفصلنا عن موعد انتهاء المهل لتشكيل اللوائح، فيما البعض يصر على استنزاف الطاقات في لعبة عض الأصابع، بدلاً من العمل قاعدياً للحصول على أعلى كم من الأصوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى