بعد رفع الدعم في لبنان.. كلفة معيشة الأسرة بالأرقام
عملية رفع الدعم في لبنان أصبحت أمرا واقعا، والعصر الذهبي الذي عاشه اللبنانيون خلال عقود طويلة أصبحت من الماضي. وسيتحدث عنه اللبنانيون لاحقاً بالكثير من التحسُّر وسيصفونه بأنه عصر رخاء وبحبوحة. الواقع سيكون مأساوياً بالنسبة لشريحة واسعة من اللبنانيين التي لا زالت تستفيد من بعض أنواع الدعم، وعليه لن تكون حياة تلك الشريحة كليّاً كما كانت قبله أبداً.
بعض المواد تحررت من الدعم وأخرى تنتظر دورها. العبء الذي كان يتحمله مصرف لبنان جرّاء الدعم،سينتقل إلى كاهل الأسر اللبنانية التي سيكون واقعها المعيشي “جحيمياً”. 5 مليارات دولار دفعها “المركزي” سنوياً جرّاء الدعم واستنزف احتياطاته من العملة الصعبة. لكن هل سيستطيع اللبناني تحمُّل ذلك الواقع الذي سيبقى عصياً على التخيّل.
“مناطق نت” أجرت دراسة بالأرقام عن كلفة المعيشة شهرياً لأسرة مكونة من أربعة أفراد بعد رفع الدعم في لبنان . الدراسة أُجريت وفق سعر منصة “صيرفة” التي أطلقها مصرف لبنان وهي 12000 ليرة مقابل الدولار الواحد. وقد لحظت العينة وضع العائلة حيث الأب موظف ومضمون والأم تعمل في الزراعة، والإبن في مهنة حرة، بينما الإبنة لا زالت طالبة جامعية.
بيّنت الدراسة أن كلفة المعيشة للأسرة المذكورة أعلاه بعد رفع الدعم ستبلغ 11,981,000 ليرة لبنانية. ولم تلحظ الدراسة كلفة إيجار منزل الذي يبلغ حوالى المليون ليرة تُضاف إلى المبلغ المذكور. وأيضاً لم تحتسب كلفة التعليم الجامعي للفتاة والتي تبلغ 3,083,000 ليرة شهرياً، وهي إذا أضيفت للمبلغ الإجمالي فسيصبح 14,064,000 ليرة.
وزّعت الدراسة كلفة المعيشة للأسرة وفق عشرة بنود إنفاق شهري، هي على الشكل التالي:
1 – المواد الغذائية: 3,150,000 ليرة.
2 – مواد التنظيف: 840,000 ليرة.
3 – المحروقات: 1,580,000 ليرة.
4 – الصيانة: 1,006,000 ليرة.
5 – الطاقة: 810,000 ليرة.
6 – الاتصالات: 1,580,000 ليرة.
7 – فاتورة التعليم: 3,083,000 ليرة.
8 – طبابة، حالات عادية بسيطة (علاج فرق الضمان): 275,000 ليرة.
9 – ملابس وأحذية: 600,000 ليرة.
10 – مناسبات ونثريات: 1,140,000 ليرة.
– المجموع: 14.064,000 ليرة.
المواد الغذائية وأدوات التنظيف
وبيّنت الدراسة الاستهلاك الشهري للعائلة من المواد الغذائية بعد رفع الدعم في لبنان موزعة على الشكل التالي:
– اللحوم والدجاج والاسماك، بمعدل وسطي شهري ٤ كيلو من كل صنف حيث بلغ إجمالي المبلغ 1,200,000 ليرة.
– الأجبان، الألبان، الخبز، البيض، المعكرونة. معدل وسطي 400,000 ليرة.
– زيت الزيتون، زيت نباتي، زبدة. معدل وسطي 500,000 ليرة.
– سكر، شاي، قهوة، نسكافيه. معدل وسطي 250,000 ليرة.
– أرز، عدس، برغل، فول، حمص. معدل وسطي 150,000ليرة.
– خضار وفاكهة. معدل وسطي 350,000 ليرة.
– معلبات غذائية، مخللات، مربيات. معدل وسطي 300,000 ليرة.
المجموع: 3,150,000 ليرة.
في بند مواد التنظيف ومتفرعاته، أظهرت الدراسة أن استهلاك الأسرة الشهري من مواد الشامبو وجل دوش وأدوات التنظيف والجلي والغسيل ومعجون الأسنان والمحارم الورقية على أنواعها تبلغ 840,000 ليرة.
محروقات وتدفئة بعد رفع الدعم في لبنان
أيضاً أظهرت الدراسة كلفة استهلاك الأسرة لبند المحروقات من بنزين للسيارة ومازوت والغاز المنزلي وقد جاءت النتيجة على الشكل التالي:
احتسبت الدراسة كمية 7,5 تنكة بنزين للسيارة خلال شهر بمعدل تنكة 20 ليتر كل أربعة أيام حيث بلغت الكلفة 900,000 ليرة شهرياً. واحتسبت كمية 3 براميل مازوت سنوياً للتدفئة، بحيث وصلت كلفتها بعد رفع الدعم في لبنان إلى 500,000 ليرة شهرياً. أما فيما يتعلق بالغاز المنزلي، فقد لحظت الدراسة قارورتي غاز كاستهلاك شهري للأسرة بكلفة تبلغ بعد رفع الدعم 180,000 ليرة.
وضع الكهرباء والمياه بعد رفع الدعم في لبنان
إلى جانب المحروقات أظهرت الدراسة أن كلفة فواتير الكهرباء والمياه ستكون باهظة على الأسرة بعد رفع الدعم في لبنان. وهي تتوزع على فواتير متعددة، منها فاتورة كهرباء الدولة الغائبة وفاتورة المولد الذي بدأ ببرنامج تقنين قاسٍ. عدا عن فاتورة مياه الدولة المقطوعة في غالب الأحيان وفاتورتي مياه الصهريج ومياه الشرب.
تبلغ فاتورة الكهرباء الرسمية بمعدل وسطي حوالى 75,000 ليرة شهرياً. مضافاً إليها فاتورة الاشتراك التي سترتفع بعد رفع الدعم إلى حوالى 400,000 ليرة.
أيضاً يبلغ رسم إشتراك مياه الدولة حوالى 300,000 ليرة سنوياً أي 25,000 ليرة شهرياً. لكن وبسبب الإنقطاع الدائم للمياه يلجأ المواطن إلى شراء النقص من أصحاب الصهاريج بكمية تبلغ صهريجي مياه، ستصل كلفتهما إلى 100,000 ليرة شهرياً. مضافا إليها 30 غالون مياه للشرب بكلفة ستصل إلى 210.000 ليرة. وبذلك ستبلغ القيمة الاجمالية بعد رفع الدعم في لبنان لفواتير الطاقة من كهرباء ومياه إلى 810,000 ليرة شهرياً.
الاتصالات والانترنت بعد رفع الدعم في لبنان
ستشكل فاتورة الاتصالات وما تتضمنه من هواتف جوالة واشتراك انترنت مفاجأة للأسرة. وفي حال لجأت شركات الخلوي إلى تسعيرة فواتيرها بالدولار، فإن كلفة الاتصالات ستكون باهظة، وقد تكون الأعلى بين بنود الإنفاق العشرة.
ووفق الدراسة فإن متوسط فاتورة الهاتف الخلوي شهرياً ستكون حوالى 75 دولاراً، مضافاً إليها كرت تشريج عدد 2 بقيمة 40 دولاراً. عدا عن فاتورتي الهاتف الأرضي وإشتراك الإنترنت حيث ستبلغ قيمتهما كسعر وسطي 200,000 ليرة شهرياً. وبذلك سيكون مجموع فاتورة الاتصالات الشهرية حوالى 1,580,000 ليرة بعد رفع الدعم في لبنان.
الصيانة بعد رفع الدعم في لبنان
ستشكل الصيانة، سواء كانت للسيارة أو للمنزل أو أمور أخرى، عبئاً كبيراً على الأسرة، خصوصاً أن مدفوعاتها تترافق مع التسعيرة اليومية للدولار الذي “يشد صعوداً”. وقد شكلت السيارة العبء الأساسي في بند الصيانة بعد رفع الدعم في لبنان كونها الأكثر تطلباً لتلك العملية، سواء من تغيير بطارية إلى غيار زيت وكولييه وغيرها.
ووفق الدراسة فإن ثمن تغيير بطارية السيارة سيكون النكسة الكبرى في المصاريف، إذ يبلغ ثمنها حوالى الـ 100 دولار، إضافة إلى تغيير طقم دواليب يبلغ معدل سعره الوسطي 240 دولار. وغيار الزيت والفلتر (3 مرات في السنة) كل مرة حوالى 40 دولار. وغيار كولييه حوالى الـ 60 دولار (مرتين في السنة). بالإضافة إلى صيانة غير متوقعة وقطع غيار تنسحب على السيارة أو المنزل، وهذه جميعاً قد تكون مصاريف غير منظورة أو متوقعة. وقد بلغت تكلفة الصيانة شهرياً للأسرة حوالى الـ 1,000,000 ليرة.
الطبابة بعد رفع الدعم في لبنان
بما أن رب الأسرة مسجّل في الضمان الاجتماعي، وبالتالي الأسرة مشمولة بالرعاية الصحية. فإن الدراسة لحظت كلفة تغطية فروقات تسعيرة الضمان فقط، وهي قدّرتها بحوالى 275,000 ليرة شهرياً بما فيها الأدوية غير المسجلة في الضمان.
التعليم
بالنسبة للتعليم لحظت الدراسة أن فرداً واحداً من الأسرة يتلقى تعليمه الجامعي وفي جامعة خاصة متوسطة الكلفة، والتي قدّرتها الدراسة بنحو 2000 دولار أي حوالى 24,000,000 ليرة. مقسّمة على 12 شهراً، وبذلك يكون المبلغ الشهري الذي ستدفعه الأسرة للتعليم هو 2,000,000 ليرة شهرياً. عدا عن مصاريف الطالب أو الطالبة الشهرية والتي قدّرتها الدراسة بحوالى 45,000 ليرة يومياً. وهي تتضمن بدل نقل ووجبة طعام ونثريات مختلفة.
متفرقات
في بند متفرقات لحظت الدراسة مصاريف الدخان بمعدل مدخنين اثنين في الأسرة والألبسة والأحذية، بالإضافة إلى المصروف الشخصي لأربعة أفراد والمناسبات الاجتماعية. وخلصت الدراسة إلى أن رقم الـ 600,000 ليرة قد يكون هو المبلغ الذي ستنفقه الأسرة كبدل ملابس وأحذية شهرياً بعد رفع الدعم في لبنان.
فاتورة التدخين مرتفعة تلقائياً وهي ليست بحاجة لرفع الدعم لتحلق عالياً. ووفق الدراسة فإن كلفة التدخين لفردين من أفراد الأسرة ستكلف حوالى 840,000 ليرة شهرياً، وذلك بمعدل علبتين لكل مدخن يومياً. وقد لحظت الدراسة المصاريف الشخصية والمناسبات الاجتماعية وكلفة الحلاق والكوافير والهدايا، وغيرها من الأمور النثرية غير المنظورة. وقد خلصت إلى أن مجموع تلك المصاريف قد تبلغ حوالى الـ 300,000 ليرة شهرياً.
خلاصات
نتيجة أولى تقودك إليها الدراسة بأرقامها الموجعة بعد رفع الدعم في لبنان، هي أن نمط الإستهلاك للبنانيين والذي كان معتمداً قبل العام 2019 قد ولّى إلى غير رجعة. وسيذكر اللبنانيون ذلك بالكثير من اللوعة والتحسُّر. وأن نمط حياة جديدة آتية لا محال، عنوانها الفقر والعوز وانعدام الخدمات واللائحة تطول. المقبل من الأيام سيكون صعباً على اللبنانيين، في ظل غياب لأي معالجات حقيقية وبرامج إصلاحية تضع البلاد على سكة الخلاص. وفي حال تحقق ذلك، سيمر وقت طويل قبل أن نشهد بلاداً تمزقت تسير على درب التعافي.
نتيجة أخرى تقودنا إليها الدراسة، وهي كيف سيلائم اللبناني مداخيله التي أصبحت “ورق كدش” وبلا قيمة تذكر مع متطلبات حياته التي على ما يبدو ستتناقص ضرورياتها إلى حدودها الدنيا. ومن أين سيأتي الموظفون ذوو الدخل المحدود بتلك الملايين لتأمين مستلزمات حياتهم ولقمة عيشهم بعد رفع الدعم في لبنان. وهل سيبقى هناك خدمات بحدودها الدنيا في ظل الانهيارات المخيفة التي تطاول القطاعات كافة.
خلاصة وحيدة تقودنا إليها الدراسة، وهي أن هناك طبقة سياسية مجرمة دمرت بلاداً وعباداً ولا زالت تمارس إنكاراً تدفع البلاد ثمنها باهظاً يومياً. هذه الطبقة التي تحكمت بمقاليد السلطة على مدى ثلاثين عاماً مسؤولة عن ما وصلت إليه حالنا وحال بلاد كان يُطلق عليها في يوم من الأيام “سويسرا الشرق”. ولا يبدو في نهاية النفق حتى الآن من بصيص ضوء، سوى أن يحزم اللبنانيون أمرهم ويقوموا باقتلاع تلك الزمرة.