الفيدرالية ..ماذا عن بعلبك الهرمل وعكار؟

الجدال في الفيدرالية كخيار لشكل الدولة اللبنانية بعد الخروج من محنتها، حضرت فيه الحزبية والطوائفية والوطنية وغابت عنه المناطقية مع أنها الأكثر تأثرا به.
لبنان طوائف بعيون الطائفيين، وفي الطوائف والوطنيات يتساوى الجميع بالغنى والفقر، لكن لبنان بمادته هو أيضا مناطق، تتفاوت في الفقر والغنى والاكتفاء والحرمان.
جدل الفيدرالية، تشعّب في أكثر من اتجاه. البعض اعتبرها طرحا طائفيا وتقسيما مقنّعا، والبعض الآخر رآها قفزة في المجهول وشكك بإمكانية قيامها لعدم توافر شروطها. بينما استخف آخرون بالأوزان السياسية للداعين إليها في الساحة المسيحية وعجزهم عن تسويقها في بيئتهم.
لسنا هنا، بصدد الانخراط بهذه التشعبات من الجدل، لكن بمجرد طرح الفيدرالية ولو ترفيهيا، هناك موضوعات أخرى غابت كليا عن هذا الجدل، مع أنها هي الأكثر أهمية، إن لإحباط الفيدرالية أو لإنجاحها.
الفيدرالية في تحقق معانيها الأخيرة، هي اقتسام البلد بين المناطق ثروة وخيرات وجغرافيا وسلطات ومنشآت. واللافت أن موضوع القسمة لجهة قواعدها وكيفيتها كانت غائبة عند أصحاب الطرح وأيضا عند مناوئيها. ما انشغل به الطرفان مثلا، هو مصير الأقليات الدينية ضمن كانتونات التي ستنشأ عن الفيدرالية. 
لسنا في لبنان بتشيكوسلوفاكيا، حيث الاتفاق تم رضائيا بين تشيكيا وسلوفاكيا على اقتسام الدولة المركزية التي كانت تجمعهما. أو ليس لدينا كاتالونيا تتحمل وحدها العبء الأكبر من الدخل الوطني الإسباني، هناك، في كلا المثلين، يمكن تحديد معايير القسمة والاقتسام أو إعادة انتاج مركزة الدولة.
ما يعقّد هذه القسمة في لبنان، أن دولتنا المركزية، تعترف بمختلف حكوماتها وعهودها التي تقلبت على إدارتها، أنها مارست سياسة الإنماء اللامتوازن وما زالت. ويجب هنا التأكيد، بأن السياسات الإنمائية المجحفة وغير المتوازنة، تغري البعض بتبني طرح الفيدرالية لتعظيم فوائده والتنصل من أخطاء قديمة، في حين يغفل مناوئو الفيدرالية عن أهمية هذا التوازن في ترسيخ وحدة الدولة وتصليبها على أسس صحيحة وسليمة.
كما الإنماء والتنمية تراكما في مناطق معينة، كذلك الحرمان والإهمال تراكما بمناطق أخرى. والاستعانة بالجداول الضريبية والرسوم والبناء عليها في تحديد من يتحمل أكثر في تمويل الدولة غير كاف، هناك أرقام أولى بذكرها واسترجاعها لتكون القسمة عادلة ومنصفة.
ما هي منشآت الدولة في منطقة بعلبك الهرمل؟ أو في عكار؟ وماذا عن إنفاق الدولة المركزية عليها مقارنة بمناطق أخرى؟ وماذا عن مشاريعها في هاتين المنطقتين؟ وما هو نصيبها مما يسمى الدخل الوطني؟ القفز عن هذه المسائل والذهاب فورا إلى اقتسام الدولة المركزية أو الإصرار على وحدتها هو مجازفة كبيرة. راجعوا كم تقاضت أوكرانيا تعويضات عن تفكيك منشآتها النووية لمصلحة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى