صدمة تحضير “المكدوس”… أكلاف عالية لمونة لا غنى عنها

لم تعد الحياة سهلة، أضحت عبارة عن رحلة نضال وصمود، هل يستطيع المواطن أن يحافظ على الاستمرار وسط انتفاء كل مقومات الحياة. يستيقظ ليعمل ليأكل وليعيش فقط، حياة لا حلم فيها ولا طموح للمستقبل، لكن الحال آلت إلى ما هو أعظم فهل سيستطيع أن يأكل ليستمر، ليحافظ على عروق الحياة بداخله، هذه حكاية البيوت التي تبحث اليوم مع غلاء الأسعار عن سبل الحياة، عن مؤونة لشتائها، أصبحت أقل ما يقال أنها همّ لا يستطيع كل الناس تحمّل أعباءه المالية.

يعتبر المكدوس البقاعي الشهير من عادات وتراث المنطقة، فلا أحد يجيده ويتقنه كما البقاعيون، هو الصنف الأساسي على فطورهم وموائدهم، ويكاد لا يخلو منزل منه، ولا تكتمل مؤونة بدونه، ربما أصبح اليوم الطبق الذي لا يقدم إلا على موائد الاغنياء والميسورين من أهل البقاع، فارتفاع كلفة تحضيره لامست ارقاماً عالية جداً، قد لا يكون بمقدور الجميع تحملها.

المكدوس.. كلفة عالية

اليوم ربّات المنازل في حيرةٍ من أمرهنّ، ماذا تفعل وماذا ستطعم أطفالها وعائلاتها في الشتاء، التموين أصبح مكلفاً وفوق قدرة العائلات ذات المدخول البسيط، فتحضير مؤونة عام من المكدوس فقط بات يحتاج أكثر من راتب شهرين من متوسطي الدخل في أحسن الأحوال، هذا بالنسبة لمن لديه راتب، لكن ما هو مصير أولئك المياومين الذين يعملون يوماً بيوم ولا يحققون كفاة يومهم، وأحياناً يتوقفون عن العمل لأيام؟… السؤال الذي يطرح نفسه هل تلجأ العائلات البقاعية في هذه الظروف إلى إنقاص أو زيادة مؤونتها من المكدوس، وكيف تتدبر أمورها في هذه الأحوال؟

بالرغم من الكلفة العالية لتحضيره، إلا أن البقاعيين لم يغيّروا من عاداتهم، لا زال المكدوس المؤونة الأهم التي يتسابق أهالي المنطقة لتموينه قبل أن ترتفع أسعاره أكثر. وفي هذا الإطار تقول إحدى ربات المنازل أن تحضير المكدوس أمر لا مفرّ منه، فهناك عائلات كبيرة لا يمكنها شراء الطعام يومياً من المحلات والسوبر ماركات، في ظل الاترفاع الجنوني للأسعار. لذلك يبقى البديل هو المؤونة البلدية التي نحضرها.

هكذا يتم تحضير المكدوس

عن كلفة تحضير المكدوس سيدة أخرى قالت لـ “مناطق” إنها تحضر لعائلتها 60 كيلوغراماً من المكدوس سنوياً، وأشارت إلى أن هذه الكمية كافية لعائلة مكونة من أربعة أفراد فقط، حيث تصل تكلفتهم إلى حوالى المليوني ليرة. وبعملية حسابية شرحت السيدة أن سعر كيلو المكدوس بلغ الـ 5000 ليرة، وبذلك يكون ثمن الـ 60 كيلو حوالى الـ 300 الف ليرة، وهي بحاجة إلى 20 كيلو من الفليفلة بسعر 8000 للكيلو، أي 160 ألف ليرة، وكيلو ونصف من الملح تكلفتهم 45 ألف ليرة، ويحتاجون إلى ما يقارب الـ 6 كيلو من الزيت تكلفتهم حوالى 300 ألف، وكيلو من الثوم سعره حوالى 30 ألف ليرة، وأخيراً إلى 2 كيلو من الجوز تترواح كلفتهم ما بين 300 و400 ألف ليرة، وهذه تعود ما إذا كان الجوز قديماً من السنوات الماضية أو جديداً.

التكلفة العالية جداً لتحضير المكدوس دفع البعض إلى الإقرار بخسارة أمامه، فقرر أن يقتصد ويموّن نصف حاجته وربما أقل، دون أن يفكر ما إذا كانت تلك الكمية ستكفيه كل فصل الشتاء أو سيستهلكها في أشهره الأولى. البعض لجأ إلى حلول أخرى للتخفيف من التكلفة العالية، منها كما قالت إحدى السيدات لجوء الناس إلى زراعة الباذنجان والفليفلة بالقرب من المنازل بغية التخفيف من الكلفة. وتقول أخرى أنها حاولت أن تقتصد بالمكونات الداخلية للمكدوس، حيث اكتفت بكليو من الجوز والقليل من الفليفلة.

الخوف من الجوع

بالرغم من كل ذلك، الإقبال على تحضير المكدوس لم يتراجع كثيراً، فبالرغم من الكلفة العالية لتحضيره، لم يتوانَ الناس عن تموينه والسبب على حد قولهم “الخوف من الجوع”، “المصير مجهول”، وليس في الأيام الآتية ما يبشر بالخير وتحسن الأوضاع وانخفاض أسعار السلع والمواد الغذائية بل على العكس، ما تبديه الأيام أننا باتجاه الأسوأ.

بالنسبة للمعامل التي تقوم بتحضير المكدوس للبيع فإن نسبة الإقبال لا بأس بها لجهة الحصول على خدمات تحضيره، أما لجهة الطلب عليه فقليل جداً، تقول السيدة إلهام السبلاني مديرة مؤسسة “دار الجود” لمنتجات وخدمات مونة البيت اللبناني إن أهالي المنطقة ينصدمون من الأسعار ومن الكلفة العالية مع أننا نحاول قدر الإمكان أن نقدم أسعارا مدروسة وتشجيعية، فسعر مرطبان المكدوس الجاهز يصل إلى 150 الف ليرة حيث أن كل 3 كيلو من المكدوس يصبحون كيلو بعد سلقه وتجفيفه، أما مرطبان الكيلو والكيلو والنصف فسعره حوالي 75 ألف، لافتة إلى أن سعر مرطبان الزجاج الفارغ يبلغ ما بين ١٥ إلى ٢٠ ليرة ألف.

وتقول السبلاني أن تكلفة السلق أيضاً مكلفة حيث تبلغ 5000 ليرة لكل كيلو، مع إضافة الملح والتجفيف ويعود ذلك إلى حاجة كل سلقة إلى 5 ليتر من المازوت ونصف خزان من المياه و3 كيلو من الملح، هذا عدا عن اشتراك الكهرباء، مضيفة أن بعض الناس تقوم بسلق المكدوس في المنازل على الحطب لكي توفر تكلفة السلق، وتكتفي بتقطيع الفليفلة في المعامل حيث أن فرم ال 7 كيلو من الفليفلة تكلفته 10 آلاف ليرة.

التوفير قدر الإمكان

هذا العام حاولت ربات المنازل قدر الإمكان التأقلم مع الظروف والاعتماد على أنفسهنّ في تحضير المونة، بعد أن كانت في السابق تعتمد على المعامل لتوفير جزء من عملية التحضير.

أمران أحلاهما مرّ، غلاء الأسعار وكلفة تحضير المونة من جهة، وغلاء أسعار السلع والبدائل من جهة ثانية. فأهالي البقاع وبالتحديد بعلبك – الهرمل يعتمدون بشكل أساسي على تحضير المونة من مختلف الأصناف وهذا جزء من عاداتهم وتقاليدهم. اليوم وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة يتمسك البقاعيون بذلك أكثر فأكثر. لكن إلى أي حد ستستطيع العائلات تحمّل الأكلاف العالية لتحضير المؤونة. وإذا كنا تحدثنا عن المكدوس فحال تحضير اللبنة في ظل غلاء الحليب واللبن ليس أفضل حالاً. وأيضاً رب البندورة ودبس الرمان والمربى على أنواعه؟!.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى