فلافل الأرناؤوط وحكاية المائة عام.. من فلسطين إلى النبطية

زيارة النبطية ستبقى ناقصة ولا تكتمل من دون المرور بفلافل الأرناؤوط. المحل هو جزء من ذاكرة المدينة ورائحتها، له فيها حكاية بدأت في فلسطين منذ قرابة المائة عام واستقرت في النبطية قبل عشرات السنين.

لا يمكن وأنت تتجول في سوق النبطية التجاري إلا أن تتنشق رائحة الفلافل التي تملأ فضاء المكان. ومن دون أن تدري تجد نفسك مشدوداً إلى تلك الرائحة الزكية التي تفتح شهيتك وتغريك للتوجه إلى فلافل الأرناؤوط لتذوّق تلك الفلافل.

أقراص فلافل الأرناؤوط ليست مجرّد أقراص شهية تؤكل، فوراؤها حكاية عمرها مائة عام .وهي ابتدأت مع الجد الأعلى للعائلة الذي ذهب إلى فلسطين وتعلّم أصول صناعة تلك الأكلة. وتستمر مع الأبناء والأحفاد الذين توزعوا على أكثر من محل في النبطية.

سافر حمد الأرناؤوط “أبو علي” في أيام صباه إلى فلسطين بحثًا عن مصدر رزق، ليجد ضالته في صناعة الفلافل. عاد حمد إلى النبطية مع خلطة سحرية حملها إلى أبناء مدينته. حيث افتتح بدايةً كشكًا صغيرًا استمر فيه حوالى الـ 15 عامًا، ليعود ويفتتح محلاً آخر في السوق التجاري للمدينة استمر فيه حوالى الـ 50 عامًا. إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز من العام 2006 تعرّض المحل للدمار شأنه شأن العديد من المحلات في السوق. دفع ذلك أبو علي إلى استئجار المحل الحالي الذي يعمل فيه ابنه علي بعد وفاة والده منذ أشهر عديدة.

نكهة مميزة..

“لا يوجد فلافل في لبنان أشهى وألذ من الفلافل التي نقدمها” يقول علي الأرناؤوط ابن الحاج حمد الذي كبر وترعرع في هذه المهنة مع والده، والذي خلفه في المحل الأكثر إقبالًا للزبائن من بين أخوته. يضحك علي أثناء سؤالنا عن عمره في المهنة فيقول “خلقت فيها”.

فلافل الأرناؤوط لا زال محافظاً على هندامه الأصلي. من صواني الخضار التي تملأ الواجهة، إلى مراطبين الكبيس والحر وصولاً إلى أباريق الطراطور وغيرها. على الجدران تنتشر الصور لا سيما صور شخصيات زارت المحل من نواب وسياسيين وغيرهم. بالإضافة إلى صور المؤسس الراحل وبعض قصاصات الصحف التي كتبت عن المحل.

حركة الزبائن لا تهدأ في المحل غالبيتهم ممن يزور السوق التجاري. ومن ثم يعرّج على فلافل الأرناؤوط وهو طقس اعتاده زوار السوق التجاري في النبطية. وعلى الرغم من محاولة العديد من أبناء المدينة محاكاة تجربة عائلة الأرناؤوط وافتتاح محال مشابهة.  إلا أن أيًّا منهم لم يستطع مجاراة شهرتها ونكهتها المميزة.

أكلة الفقراء ولكن

يذكر علي أن فلافل الأرناؤوط أصبح من تراث النبطية، وقد كانت في أيام العزّ والبركة لا يتجاوز سعر السندويش الـ 15 قرشاً والسبع سندويشات بليرة واحدة فقط. يضيف “بعد الأزمة الاقتصادية ارتفع سعر السندويش إلى 8000 بعد أن كان 3000 ليرة. ويمكن أن يرتفع السعر إلى 10 آلاف وهو غير كافٍ نظراً لارتفاع المواد الأولية بشكل غير مسبوق وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تزداد سوءاً يومياً”.

يعزي علي ارتفاع سعر سندويش الفلافل إلى ارتفاع سعر موادها الأولية. ويشرح في حديثه لـ “مناطق” أنهم يحتاجون يوميًّا إلى 3 غالونات زيت يبلغ سعرها المليون ليرة، إضافة إلى جرة طحينة يتجاوز سعرها المليون ومئتي ألف ليرة. وأشار إلى أن سعر “الورق الذي يُلف به الفلافل أصبح سعره 100 ألف، كما أن طن الفول سعره 1000 دولار وهو ما يساوي أكثر من 20 مليون اليوم بعد أن كان مليون ونصف فقط”.

لا تزال الفلافل تعتبر “أكلة الفقير”، إذ يؤكد علي أن وتيرة الإقبال عليها بقي على حاله رغم الإرتفاع الملحوظ في سعرها. ويقول “عدد الزبائن قد ارتفع في الآونة الأخيرة. وإذا ما قارنا سعرها مع مأكولات أخرى كالكنافة أو اللحم نجد أنها أقل كلفة وكافية لإشباع أفراد عائلة كبيرة”.

علي الذي انخفضت نسبة أرباحه في السنتين الأخيرتين بشكل كبير، يعبّر عن استيائه لما آلت إليه أحوال اللبنانيين. ويؤكد أنه “ومن باب دفع البلاء” يُطعم الفلافل مجاناً لمن لا يملك ثمنها. فهو يعلم أن شكاوى الناس في محلها بسبب الأزمة الخانقة التي أنهكت اللبنانيين وطالت مختلف جوانب معيشتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى