عرسال وواقع اللجوء.. استشفاء مجاني وثروة مائية مهدورة وغياب تام للدولة

تبدو مخيمات اللجوء في عرسال مترامية الأطراف، لا حدود لها، عددها الكبير (143 مخيماً) يجعل منها أحزمة بؤس تتنقل في الهواء الطلق. حال البلدة التي تستضيفهم لم يعد مفصولاً عن حالهم، صاروا واقعاً واحداً متداخلاً جداً، سواء من حيث الدورة الاقتصادية أو الحياتية أو من حيث الوضع الخدماتي، الذي يتشعب من الصحة إلى الكهرباء والمياه وشبكات الصرف الصحي وغيرها من الخدمات الملحة.

واستكمالًا لقراءة واقع اللجوء السوري وانعكاساته بين المشاكل والفرص في بلدة عرسال والذي بدأناه من خلال تحقيق سابق، تناولنا فيه الدورة الاقتصادية والمهن الجديدة، جالت “مناطق نت” على المراكز الصحية ومصلحة المياه في عرسال لتفحّص واقعها وحالها عن قرب.

أحد مخيمات اللجوء في عرسال
الطبابة والاستشفاء

أدّى تدويل قضية اللجوء السوري وتواجد المسلحين في جرود البلدة مع حدوث الإشتباكات المتكرّرة إلى دخول المنظمات الدولية الصحية مثل “أطباء بلا حدود”، “الصليب الاحمر الدولي”، “الهلال الاحمر القطري”، “اليونيسيف” وسواها؛ لمعالجة الجرحى والمصابين والمرضى، فتمّ إنشاء مستشفيين ميدانيين ومستوصفات جديدة.

أبو ابراهيم عزالدين

يتحدث ممثل “جمعية الأمين” وهي إحدى الجهات الإغاثية والاستشفائية في عرسال أبو ابراهيم عزالدين لـ “مناطق نت” فيقول إن الجمعيّة تتمول مباشرة من مركز الملك سلمان بن عبد العزيز، وتنشط في أماكن عدة في لبنان وخارجه. أما في عرسال يقول عزالدين إن الشراكة حصلت مع البلدية قبل استقالتها، وبموافقة خطية من وزارة الصحة اللبنانية، حيث تتكفل عبرها الجمعية بتأمين الرواتب والمواد التشغيلية لمركز الرعاية الصحية الأولية ومركز العلاج الفيزيائي التابعين للبلدية. وأوضح عزالدين أن المركز الآن يضمّ 47 عاملًا لبنانيًّا في طاقمه الطبي.

يستمرّ المركز الصحي بتقديم خدماته حتى اليوم، على الرغم من أنّ هذه الشراكة بدأت عام 2020 وسط أزمة البلد السياسية وانهيار العملة، مما شكل عبئاً كبيرًا على البلدية التي كانت تتجه لإقفاله قسرياً. ويؤكد عزالدين أنّ الشراكة تحت عنوان دعم المجتمع المضيف، والشرط الأساسي حصول اللاجئ السوري على الخدمة الطبية مثل اللبناني تمامًا وهم اليوم بصدد عقد شراكات مع  منظمات وجهات عدة لتطوير عمل المركز، كما أنهم يتكفّلون بنقل مرضى غسيل الكلى لمستشفيات المنطقة مجانًا.

سليمة الحجيري كرنبي

إضافة إلى تقديمات جمعية “الأمين” هناك مركز الرعاية الصحية الّذي تترأسه سليمة الحجيري كرنبي، ويقدم  الخدمات الطبية الأولية كافة، وهو مجهز بغرفة طوارئ وغرفة تصوير سكانر وأشعة وإيكو وبانوراميك وماموغرافيك. ويضمّ مختبرًا وعيادة تخطيط قلب وتجبير، وعيادة أسنان تعمل يوميًّا وعيادات نسائية وعظمية ومسالك بولية وأطفال. في هذا الصدد تقول الحجيري لـ “مناطق نت”: “لدينا معدل يومي لـ 350 مراجعة طبية والحمدلله بدأ أهلنا في الجوار من بعلبك-الهرمل بالتوافد الى المركز بنسبة وصلت إلى 10% تقريبًا” من مجموع الحالات.

داخل مركز الرعاية الصحية

 

من جهتها تقول طبيبة الأسنان آمال زعرور والّتي تقدّم خدماتها في المركز الصّحي في عرسال لـ “مناطق نت” إنّ حوالي 18 مريضاً أغلبهم من عرسال يتلقون الرعاية الصحية في المركز، وهم غير قادرين على تكاليف العيادة، لذلك يحضرون الى المركز الّذي يقدّم الخدمات ذاتها مجانًّا.

أمّا الدكتور خالد الحجيري، ابن عرسال الذي نشأ وتعلم في مدارسها ثم سافر الى المغرب وبعدها إلى فرنسا. وهو متخصّص في جراحة العظام والمفاصل، فيقول لـ “مناطق نت”: “هذا المركز بمثابة رحمة لأهلنا في المنطقة. يوميًّا يزورني أكثر من 30 مريضاً، ليس باستطاعتهم الذهاب الى العيادة الخاصة ودفع أعباء المعاينة والتحاليل وصور الأشعة، أو حتى الجفصين في حالات الضرورة. كل هذه الخدمات تقدم مجاناً هنا في المركز”.

الدكتور خالد الحجيري
الحوامل والولادة

بخصوص السيدات الحوامل في عرسال يخبرنا مدير “مستشفى عودة”، الدكتور محمود عودة عن شراكة المستشفى مع منظمة “أطباء بلا حدود” و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، ويشير أنّه منذ سنتين فتحوا باب استقبال الحوامل المقيمات داخل البلدة على نفقة الشركاء بالكامل سواء كانت الولادة طبيعية أو قيصرية. يتابع عودة:”نبدأ بالكشف الطبي على السيدة من الاسبوع الـ 12 للحمل، وصولًا للأسبوع الـ 36 وما بعده. مع الإشارة إلى أن الشركاء سابقًا، كانوا يغطون نفقات علاج الأطفال المرضى ومن هم بحاجة لـ “كوفاز”. اليوم نستقبل قرابة الـ 100 ولادة شهريًا سواء كانت الحامل لبنانية أم سورية”.

الدكتور محمود عودة
ذوي الاحتياجات الخاصة

في زيارة لمركز العلاج الفيزيائي في عرسال، شرح مديره الدكتور عدنان الحجيري لـ “مناطق نت” ظروف إنشاء المركز ووضعه الحالي. يقول: “دخلت شراكتنا مع “جمعية الأمين” عامها الثالث، تتكفل الجمعية بكل المواد التشغيلية ورواتب الموظفين والمستخدمين ونقدم خدماتنا العلاجية مجاناً لكل الناس. في بلدتنا وبحسب إحصاء البلدية عام 2020 يوجد 834 مواطنًا يحملون بطاقة “معوّق” (وهناك من لا يملك بطاقة) والغالبية الساحقة منهم بحاجة لجلسات علاجية وهي مكلفة. أما خدماتنا فهي تشمل الإعاقة الحركية، الشلل النصفي، الشلل الدماغي، بتر الأطراف، الإصابات الرياضية، تمارين ما بعد العمليات الجراحية وغيرها..”.

داخل مركز العلاج الفيزيائي

وبحسب ما أشار الحجيري لـ “مناطق نت” ينتهي عقد مركز العلاج الفيزيائي في شهر شباط من العام القادم وهذا مركز أكثر من ضروري لما يمثّله في بلدة كبيرة مثل عرسال، واستمراريته واجب انساني أخلاقي على الجميع، ويجب أن يكون في سلم أولويات أية بلدية قادمة لإضافة ما ينقصه من تجهيزات ومعدات وكادر بشري.

الدكتور عدنان الحجيري

في هذا الصّدد تقول أخصائية العلاج الطبيعي في المركز ريم نوح لـ “مناطق نت”: “خلال سنتين من عملي في المركز نشأت بيني وبينه علاقة جميلة، فبين جدرانه عملنا مع مئات الحالات صغارًا وكبارًا، وفيه رأيت إبتسامات الرضى لأطفال تحسنت حالاتهم بفضل الله مع متابعة يومية أو أسبوعية مني ومن زملائي في فريق العمل. ونحن بحاجة لاستمرار المركز وتطويره وافتتاح أقسام جديدة مثل قسم العلاج الانشغالي، علاج النطق، العلاج النفسي..”.

الإخصائية ريم نوح
المياه متوفرة والناس لا تشرب

تتخبط مصلحة المياه في عرسال إداريا منذ قرار وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل عام 2009 والّذي نصّ على إلحاق مصلحة مياه عرسال بمصلحة مياه زحلة، بعدما جرى فصلها عام 1994 بناءً لقرار وزير الموارد الكهربائية والمائية حينها إيلي حبيقة.

المياه متوفرة في عرسال لكن الناس لا تشرب إذ أنّهم لا يحصلون على حقّهم من المياه الكافية، فجاء الحل إرتجاليًّا عبر الشبكات الخاصة لأصحاب الآبار وإن لم تتوفر فيها المعايير الصحية والقانونية اللازمة.

أحد مشاريع المياه في عرسال

في تتبع واقع الشبكة كان لـ “مناطق نت” حديث مع عضو لجنة المياه عبد الودود الحجيري الذي قال: “الشبكة مترهلة منذ زمن، تطال حوالي الـ 2000 بيت من أصل 8000 وحدة سكنية. لدينا 6 آبار إرتوازية، 3 منها يخدمون الحاجة و3 منها يتم توصيلها بسهولة عند اتخاذ القرار. ولدينا 4 خزانات نفذها مجلس الانماء والإعمار عام 2006”.

ولدى سؤالنا عن آلية تصحيح وضع الشبكة أشار الحجيري أن أول خطوة هي العودة إلى قرار عام 1994 والذي نصّ على إنشاء مصلحة مياه عرسال وتعيين طاقم عمل متخصص لها، لأن الصليب الأحمر الدولي لديه مشروع استكمال الشبكة وتحديثها لتطال كل أحياء وبيوت البلدة ويلزمها حوالي 30 موظفًا بين إداريين وجباة وعمال صيانة. ومع إضافة 4 خزانات جديدة يصبح المجموع 8 خزانات قادرة على تأمين المياه لكل الناس.

إضافة إلى ذلك، جهزت “مؤسسة رينيه معوض” البئر الأساسي بالطاقة الشمسية، أما “الصليب الأحمر” فحفر بئر وجهز ثلاثة منها بالطاقة الشمسية. وحفرت “الجمعية المسيحية الدولية” بئر الحديقة وجهزته بالطاقة الشمسيّة.

في الخلاصة، وخلال بحثنا الهادئ في واقع اللجوء السوري في بلدة عرسال، فإننا نستطيع القول بكل شفافيّة، وللأسف ووفق مقولة “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد” إنه كان فرصة لم تُستغل لأسباب كثيرة، تبدأ من نظام التحاصص والفساد المستشري على المستوى الوطني، وتنتهي بسوء الإدارة المحلية، وغياب خطط التنمية المستدامة في بلدية عرسال. فهل تشكل الانتخابات البلدية المقبلة فرصة لتصحيح الأمور ووضعها في نصابها أم يستمر مسلسل إضاعة الفرص؟

عبد الودود الحجيري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى