في جزين.. بلدات تنعم بالمياه وبلدات محرومة!

لم يشفع لقرى وبلدات جزين مشهد الشلال يهوي من علٍ ويخطف الأنفاس، قبل أن يذوي ويغور في ذلك الوادي، حيث يولّد انطباعًا من أن جزين وبلداتها تعوم على قصرٍ من المياه، وهي حتمًا كذلك. لكن الواقع يدحض الصورة وأيضًا الانطباع، إذ ترزح العديد من القرى والبلدات الجزينية تحت وطأة العطش، بينما تفوز جاراتٍ لها بتلك النعمة، الأمر الذي يستدعي الاستعانة بتلك العبارة التي تقول صيف وشتاء تحت سماء واحدة.

في بلدات قضاء جزين، الوضع لا يختلف كثيرًا عن باقي المناطق اللّبنانيّة. فهذا القضاء الذي يضم عشرات القرى والبلدات، يوزّع خيراته بشكل غير عادل على أبنائه، فالكثير من القرى مثل عين المير، كفرفالوس، أنان، صفاريه، روم، عازور وغيرها، تستفيد من الطاقة “الكهرومائية”، الّتي تعتمد على مياه نهر اللّيطاني لتوليد التيار الكهربائي. أمّا مناطق أخرى كثيرة، مثل لبعا، مراح الحباس، شواليق، بيصور، وادي بعنقودين وغيرها، تعيش تحت وطأة كهرباء “الديزل” الّذي قُضيَ عليه بعد عام 2019 إبّان الأزمة الإقتصاديّة الحادّة. وبذلك تتوزّع المياه بين قرى جزين بغير عدلٍ إذ أن البعض يتنعّم بضخّ دائم للمياه، والبعض الآخر يعاني من شحّ دائم في ذلك.

جانب من بلدة لبعا قضاء جزين
مشكلة متجذّرة منذ عشرين عامًا

يشغّل التيّار الكهربائي الآبار التي تضخّ مياهها في الشبكات وتوزّعها إلى المنازل والمحال التجارية، كما يشير النائب السابق سليم خوري لـ “مناطق نت”. ويتابع: “لكن نقص المياه في بعض المناطق الجزينيّة ليس بسبب تصدّع البنى التحتية، ولكن بسبب التقنين المستمر للكهرباء في هذه المناطق، فهي لا تستفيد من الطاقة الكهرومائية، بل تعتمد على محرّكات  الديزل كمصدر للطاقة”.

لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من إيجاد حلول جذريّة لهذه المشكلة منذ زمن، خاصة بعد تدهور الوضع الاقتصادي في عام 2019. من جهة أخرى، يكشف خوري أن وزارة الطاقة سابقًا، بالشراكة مع نواب جزين، درست العديد من مشاريع حفر آبار مياه وتجديد البنى التحتية في مناطق مختلفة ضمن القضاء، بتكلفة تفوق المليار ومئتي المليون ليرة لبنانية. ولكن الإنهيار المالي الكبير أوقف كل هذه المشاريع قبل الانتهاء منها. فالحلّ إذًا موجود، لكنّ ينقصه التّمويل، والإرادة.

المفارقة في الموضوع، أنه بينما يعتبر مسؤولو المنطقة أنّ شحّ المياه سببه التقنين الكهربائي، فإن الواقع يجافي ذلك تمامًا، فأزمة المياه التي تعاني منها بعض البلدات الجزينية، متجذّرة وقديمة العهد، وسكان تلك البلدات يعانون منذ زمن طويل من هذه المشكلة، والتي تعود إلى قبل تدهور الوضع الإقتصادي وانهيار قطاع الطّاقة.

شراء المياه بانتظام

المثال على ذلك بلدة لبعا التي يشتري أهلها المياه منذ عشرات السّنين، بعكس أهالي بعض البلدات الأخرى الّذين يتنعّمون بالخيرات المائيّة منذ زمن طويل، سواء من خلال شبكات المياه التابعة للدولة، أو من خلال آبار المياه الجوفية الموصولة بالشبكة أيضاً والتي توفّر المياه. وفي الحالتين، فإن تأمين ذلك، هو من مسؤولية الدولة الممثلة بوزارة الطّاقة وأيضاً من مسؤولية السلطة المحلية الممثلة بالبلديات، والذين عليهم تقع مسؤولية حل تلك المشكلة المستفحلة ومساواة البلدات بعضها ببعض.

منذ عشرين عامًا تشتري إحدى عائلات بلدة بيصور الجزينيّة المؤلفة من خمسة أفراد، “نقلة” مياه كلّ ثلاثة أيّام من كلّ أسبوع. على الرّغم أنّ جيرانهم في البلدة نفسها يحصلون على المياه بشكلٍ منتظم. تقول ربّة المنزل لـ “مناطق نت”: المضخة الّتي تضخّ المياه للبلدة مركزها “عين المير” لذلك لا تصل المياه إلى حيّنا. في كلّ مرّة يخترعون تبريراً ما، تارة بسبب عدم توفّر الكهرباء وتارة أخرى بسبب عطل في المضخة، في الوقت الّذي تتمتّع البيوت المجاورة لنا بالمياه من المصادر نفسها التي يدّعي القيمون تعطلها”.

تضيف ربّة المنزل: “منذ مدّة استحدثوا عيارات مياه جديدة للمنازل في الضيعة، ودفعنا مبالغ طائلة، وكنا متأمّلين أن نحصل على المياه كحقّ طبيعي من حقوقنا”. تتابع: لكن ذلك لم يتحقق، إذ أُقفلت العيارات جراء انسدادها بالبحص والأوساخ والإهمال. وما زلنا نشتري نقلة المياه بمليون ونصف المليون ليرة لبنانيّة”.

منذ عشرين عامًا تشتري إحدى عائلات بلدة بيصور الجزينيّة المؤلفة من خمسة أفراد، صهريج مياه كلّ ثلاثة أيّام من كلّ أسبوع، على الرّغم أنّ جيرانهم في البلدة نفسها يحصلون على المياه بشكلٍ منتظم.

“مراح الحباس” أيضًا من القرى الجزّينيّة التي يناشد أبناؤها المسؤولين منذ سنوات، لإيجاد حلّ لمشكلة المياه في بلدتهم، والّتي تؤثّر سلبًا على حياتهم اليوميّة. لكنّ المشكلة في هذه القرية، أن أبناءها كما العديد من أبناء القرى الأخرى، يأكلون خبزهم كفاف يومهم، حيث كانوا يعتبرون أنفسهم قبل الانهيار والأزمة الاقتصادية متوسطي الحال، لكن بعد ذلك تهاوت قدراتهم المالية، وأصبح شراء المياه عبئاً عليهم لا تسمح به ميزانيتهم. يشير أحد أهالي تلك المنطقة لـ “مناطق نت” أنّهم يعجزون عن شراء المياه حتّى اليوم، فيلجأون إلى أقاربهم في المناطق الجزّينيّة “المحظوظة” لغسل ملابسهم والاستحمام.

ابن جزين ظالم ومظلوم

ما يميّز المواطن اللّبناني هو مطالبته الدّائمة بتحسين أوضاعه الحياتيّة من جهة، وعدم التزامه بالقانون في أغلب الأوقات من جهة أخرى. في هذا السّياق، يؤكّد رئيس مصلحة نبع الليطاني “جوزيف كرم” لـ “مناطق نت”، أن هناك العديد من سكان المنطقة لا يلتزمون بالقانون ويعتدون على شبكات المياه للاستفادة منها دون دفع التكاليف. وهذا يؤدي إلى حرمان العديد من المواطنين الذين يعيشون تحت سقف القانون من حقهم في الحصول على مياه صالحة بشكل دائم.

على صعيد آخر، يؤكد كرم أن هناك كشفًا دوريًا تقوم به فرق المصلحة، حيث تعمل جاهدة لوضع حد للاعتداءات على شبكات المياه، وقد أدّى ذلك إلى تحسّن إيجابي لمسه المواطنون. فأصبحت معظم المناطق تستفيد من المياه بشكل أفضل، على الرغم من انقطاعها لفترات طويلة بسبب تقنين الكهرباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى