مريم عاصي وسليم يونس.. مبادرات بيئية رائدة في الجنوب

تنتشر المبادرات الفردية في لبنان منذ سنوات عدة، خصوصاً بعد التدهور الاقتصادي الذي اجتاح البلد والأزمات المتراكمة. هدفت المبادرات إلى مساندة الناس بعضهم بعضاً وإلى مساعدتهم في توفير أو تأمين احتياجاتهم الشهرية، ولكن ثمة مبادرات أخرى ظهرت في مناطق عدة من الجنوب اللبناني، سعت للحفاظ على البيئة والحد من التلوث، فكانت شبيهة بالمشاريع الصغيرة التي أبصرت النور في خضم الأزمات. فما هي هذه المبادرات؟ وكيف يعمل أصحابها؟

فرز النفايات وبيعها

بدأ إبن بلدة البابلية في قضاء صيدا سليم يونس مبادرته الفردية في جمع وفرز النفايات منذ العام 2013 تقريباً. تهدف محاولته للحد من التلوث الناجم عن الفرز العشوائي، خصوصاً بعد أن رزق بطفله “دانيال” الذي تبيّن أنه يعاني من تشوه خُلقي في القلب نتيجة التلوث والروائح المنبعثة الناتجة عن حرق النفايات.

يندرج مشروع يونس تحت عنوان توعية الناس على أهمية الفرز داخل منازلها وعن الطرق الصحيحة للفرز المنزلي وتقسيم المواد إلى صلبة (بلاستيك، زجاج، كرتون، نايلون)، وعضوية (كبقايا الخبز والطعام والفاكهة..).

سليم يونس أثناء عملية جمع النفايات وفرزها

تعاون يونس مع منظمات دولية قامت بمساعدته في تمويل مشروعه البيئي، بعدما آمنت بفكرته وأهميتها في لبنان، وقامت بتأمين كميات كبيرة من أكياس الخيش الصحية لتوزيعها على سكان المنطقة ليستعملوها في جمع النفايات. هذا عدا عن مساعدته في توزيع حوالى 1000 مستوعب في منطقة الصرفند، ومن ثم توسّعت هذه الفكرة إلى مناطق عدة في الجنوب ومنها بلدات “البيسارية، عدلون، الغسانية، تفاحتا..”

يشرح يونس حلال حديثه لـ “مناطق نت” عن خطوات العمل الأولية في هذا المشروع، الذي قرر إنشائه على أرضه الخاصة في منطقة الصرفند، فصباحاً يبدأ بالتجول في المناطق الجنوبية لجمع القمامات المفرزة والموضوعة في أكياس الخيش الخاصة، فيقوم بفرز المواد غير القابلة للتدوير فتُرمى على سبيل المثال (فراشي الأسنان، ظروف المنشطات، وأكياس النيسكافيه..) فيحصل على أكياس الخيش من قبل أهالي المنطقة، بعدما اتفق معهم على زيارتهم يومياً للحصول على المواد المفروزة، ومن ثم يقوم بإعادة تدوير هذه المواد في أرضه الخاصة على أن تتمثل الخطوة الأخيرة في بيع هذه المواد للمصانع المحددة.

تعاون يونس مع منظمات دولية قامت بمساعدته في تمويل مشروعه البيئي، بعدما آمنت بفكرته وأهميتها في لبنان، وقامت بتأمين كميات كبيرة من أكياس الخيش الصحية لتوزيعها على سكان المنطقة ليستعملوها في جمع النفايات.

ويقول: “أتعامل مع عائلات متنوعة، ففي منطقة الصرفند وحدها والتي تضم حوالى 1500 وحدة سكنية، هناك أكثر من 100 بيت يتعاملون معي، ونتواصل بشكل يومي للحصول على المواد المفرزة وبشكل مجاني”. أما القسم المتبقي من السكان، فيقوم معظمهم ببيع قمامتهم مقابل بعض المبالغ المالية وأنا بدوري أقوم بتشجيعهم أيضاً على هذه الخطوة الإيجابية التي تسعى لحماية البيئة”.

“بالرغم من أنني أحصل على أكياس القمامة من السكان بطرق مجانية ولكنني أقدم بعض المبالغ الرمزية لبعض العائلات وذلك لتحفيزهم على فرز قمامتهم بحيث أنني أعطيت عائلة مبلغ 100 ألف ليرة مقابل 4 أكياس نفايات صغيرة”.
ويتابع: “الهدف الأساسي من مشروعي هذا أن نخفف من حجم النفايات في المطامر وأن نفرز المواد الخطيرة القابلة للاحتراق وذلك لتجنب الحرائق في فصل الصيف، فأنا أريد أن أحافظ على البيئة وأن أخفف الأعباء الكبيرة على البلديات إضافة إلى خلق وتوفير فرص عمل جديدة للأفراد التي تقوم بمساعدتي وذلك لتنفيذ مشروعي حتى الخطوة الأخيرة، خصوصاً أنني أتبرع بجزء من أموال مشروعي لحماية الحيوانات المشردة”.

المحافظة على اللحظات الجميلة

من جهتها الشابة مريم عاصي، ابنة بلدة أنصار الجنوبية، فقد وجدت شغفها وحبها للابتكار بعد أن قامت بتحويل قطع الزجاج إلى أشكال متنوعة لاستعمالها في المنازل، عن طريق إعادة تدوير تلك القطع بطرق مبتكرة تخدم البيئة.

طرحت عاصي مشروعها بالتزامن مع بداية أزمة النفايات في عام 2015، فتقول “شعرت بالعجز عندما شاهدت شوارع بلدتي مطمورة بالنفايات ولا نستطيع إيجاد الحلول السريعة لمعالجة هذه المشكلة”. “وانطلاقاً من مبدأ “إبدأ بنفسك” باشرت بالتفكير في مشروعي الحالي بعدما أجريت العديد من التجارب على مادة الزجاج وذلك لتصبح الفكرة أمامي واضحة، وفي عام 2017 أطلقت مشروعي الذي أسميته “مارازال” وقد لاقى رواجاً كبيراً لدى جميع السكان في مختلف المناطق.

مريم عاصي

تعتبر مادة الزجاج من المواد الأكثر صعوبة في التحلل وهي من المواد الأكثر عرضة للاشتعال. كما أنها مادة جميلة وتتفاعل مع الألوان والأضواء. لذا، قررت أن أجمع كميات كبيرة من العبوات الزجاجية التي تنقل إلى المطامر وأبدأ بتنفيذ مشروعي.
“أنا على يقين أن توسيع هذه المبادرات في مختلف المناطق اللبنانية ستؤدي إلى حماية البيئة بشكل كبير، كما ستعمل على التخفيف من الآثار السلبية لمادة الزجاج وسينخفض عدد المواد الحساسة داخل المطامر وسنتمكن من استخراج مواد أخرى لنستعملها في مشاريع أوسع”.

ولكن ماذا يعني إسم “مارازال”؟

تشرح مريم لـ”مناطق نت” فتقول “يحمل اسم مشروعي 3 معانٍ أساسية: الذكريات، الوقت واللحظة، فأنا قمت بالتركيز على اللحظات الجميلة التي يشعر بها الفرد عندما يحتسي مشروبه الكحولي المفضل مع شريكه أو صديقه، لذا استعملت زجاجات المشروبات الروحية نظراً لما تحمله من ذكريات ولحظات جميلة، وشددت على أهمية الحفاظ على اللحظة الممتلئة بالمشاعر. واسم مشروعي ينطلق من اسمي “مريم”، أما القسم الثاني فيعني الأزل أي أن أحافظ على اللحظة الجميلة لوقت طويل”.

هذا المشروع دفعني بأن أتعلم العديد من الحِرَف التي كنت أجهلها، كتذويب مادة الشمع مثلاً، وإعادة استعمال بقايا الخشب. أشعر بالسعادة عندما أقوم بجمع المواد الأولية المحولة أصلاً للتلف، وأقوم بإعادة تدويرها وصناعتها من جديد، كما أن عملي تطور كثيراً في السنوات الأخيرة، فصرت أتعامل مع شركات ومصانع ومعارض ومحلات كبيرة.

أشعر بالسعادة عندما أقوم بجمع المواد الأولية المحولة أصلاً للتلف، وأقوم بإعادة تدويرها وصناعتها من جديد، كما أن عملي تطور كثيراً في السنوات الأخيرة، فصرت أتعامل مع شركات ومصانع ومعارض ومحلات كبيرة.

وبالرغم من أنني بدأت هذا المشروع كهواية وبغية الحفاظ على البيئة، فأنا أعمل في هندسة الديكور، إلا أنني تركت عملي بسبب جائحة كورونا ومنذ ذاك الوقت وظّفت طاقتي في هذا المشروع الذي قدّم لي المردود المالي الذي كنت بحاجة إليه”.
أهمية الاقتصاد الدائري

وزير البيئة ناصر ياسين

وتعليقاً على مبادرتي يونس وعاصي، اعتبر وزير البيئة، ناصر ياسين، في حديثه لـ”مناطق نت”، أنه من الضروري تشجيع هذه المبادرات والجمعيات التي تعمل على جمع المواد المفرزة وإعادة استعمالها، فإن الطرق التي تعتبر كأنها جزءاً أساسياً من استراتيجية الوزارة، هي تلك التي سنتمكن عبرها من تنفيذ وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري والذي يحمل في مضامينه الأساسية إعادة استعمال كل المخلفات والعمل عليها وتحويلها لموارد تستعمل مرة أخرى.

وتابع ياسين “دور الوزارة سيكون في وضع السياسات العامة على أن تتعاون الوزارة مع الجهات المانحة والداعمة لتأسيس مراكز أكثر لجمع النفايات في مختلف المدن والقرى وذلك بالتنسيق مع جميع البلديات، على سبيل المثال أن يُقدم للمواطن أموالاً مقابل هذه المفروزات أو أن تذهب هذه الأموال لإعادة تدوير المواد ما يعني بذلك تطوير هذه المشاريع أكثر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى