إسرائيل ترهب اللبنانيين بخرق متكّرر لجدار الصوت

من فنون العدوّ الإسرائيليّ في إرهاب المواطنين اللبنانيّين والجنوبيّين تحديدًا، ليس منذ حرب غزّة والجنوب المشتعلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل من عشرات السنين، هو استخدام مناورة خرق جدار الصوت من قبل طائراته الحربيّة في الأجواء اللبنانيّة، لتصدر دويًّا هائلًا يكاد يوازي صوت أطنان منفجرة من القنابل والصواريخ التي تطلقها هذه الطائرات.

يظنّ القاطن في الدائرة الضيّقة لفضاء اختراق جدار الصوت أنّ غارة ما حصلت في الجوار، فيتراكض بلا هداية بحثًا عن أمانٍ، أو بحثًا عن أفراد عائلته الموزّعين في المدارس والمؤسّسات والوظائف، أو الهروب من الساحات العامّة إلى الأماكن الضيّقة. وهذا الأمر ينطبق ليس على المنازل والأبنية السكنيّة فحسب، بل على الشوارع والأسواق، حيث يُلاحظ الهلع في صفوف الناس المتراكضين في كلّ حدب وصوب، مرهقين من وقع الوهلة الأولى لصوت الدويّ بحدّ ذاته، وهم بالأساس يعيشون أجواء الحرب، وفي أحوال نفسيّة واضطرابات لا يُحسدوا عليها، مع خشيتهم من تفاقم الأمر إلى قصف وغارات ميدانيّة.

رعب في المدارس والشوارع

يبدأ الصراخ ولا ينتهي في صفوف المدارس وملاعبها، من أطفال وتلامذة باتوا مرعوبين من المشاهدات التي تقدّمها الشاشات لما يجري من عدوان في غزّة وفي قرى الجنوب الحدودّية والداخليّة وبلداته، وقد بدأ وعيهم يتفتّح على همجيّته، فكيف لدى سماعهم هذه الانفجارات المناورة المفاجِئة، وعلى الأساتذة والمعلّمين الخائفين بدورهم، تهدأة روعهم واقناعهم بأنّ هذا الصوت ليس إلّا “جدار الصوت” وقد باتوا يحفظون اسمه مثلما كان آباؤهم وأجدادهم يحفظونه منذ أكثر من خمسين عاماً.

لكن سرعان ما تتقاطر سيّارات الأهل وبالباصات إلى المدارس لنقل أبنائهم والتلامذة إلى بيوتهم قبل حلول موعد الانصراف الرسميّ، وباتت المدارس لا تمانع أيّ قرار يتّخذه ذوو التلامذة من هذا القبيل، لأنّها تدرك الأجواء النفسيّة التي يعيشها أبناء المنطقة في هذه الفترة.

منذ نحو أسبوع، وبعد خرق جدار الصوت فوق منطقة النبطية، والرعب الذي أصاب الناس والتلاميذ، كتبت المعلّمة نهال جابر على صفحتها “فايسبوك”: “أحبّتي تلاميذي، أيّ جزء من جسدي احتواكم اليوم؟ رأيت الدمع يتدحرج فوق وجناتكم النديّة فقلت: ليت الدمع نزل من عيني قبل أعينكم، فكفكفت دمعكم بطرف منديلي علّني أواسيكم، تلمّست الخوف في أعينكم، فأغرقتكم في حضني علّني أهدئ من روعكم”.

وأضافت: “أعذروني إن قصّرت نحوكم أيّها الأحبّة، فوالله لو كان بإمكاني لأخفيتكم في داخلي ومنعت عنكم الخوف والذعر والقلق والتوتر، حماكم الله لذويكم ولي ولجميع محبّيكم. مع خالص محبتي ودعائي لكم بالأمن والسلامة”.

إنّ ما يرعب اللبنانيّين والجنوبيّين هو الازدياد المقصود لهذه الظاهرة التي يمارسها العدو، فتنفذه الطائرات الإسرائيلية في مختلف الأجواء اللبنانيّة “المُكهربة” أصلاً بالعدوان المتنقّل من الجنوب إلى بيروت وصيدا وبعلبك وغيرها، واستباحة الأجواء اللبنانية، القديمة المتجدّدة، وخرقها، وقد عايشوا هذه الظاهرة في عدوان تموز وآب 2006 وما رافقه من تدمير منهجي لبيروت والجنوب والبقاع والشمال وغيرها.

“جدار الصوت” القديم المتجدّد

في بدايات الحرب الدائرة منذ نحو خمسة أشهر، لم يتوان عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليّين السياسيّين والعسكريّين عن التهديد بخرق جدار الصوت على علوّ منخفض جدًّا فوق العاصمة بيروت، وإرعاب ساكنيها وتحطيم واجهات الأبنية وزجاجها. وقد نفّذت طائرات العدو تهديداتها بخرق جدار الصوت أكثر من مرّة فوق بيروت، إنّما على علوّ متوسّط.

في بدايات الحرب الدائرة منذ نحو خمسة أشهر، لم يتوان عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليّين السياسيّين والعسكريّين عن التهديد بخرق جدار الصوت على علوّ منخفض جدًّا فوق العاصمة بيروت، وإرعاب ساكنيها وتحطيم واجهات الأبنية وزجاجها.

في حالات الهدوء، خارج إطار الحرب الشاملة، كان الجنوبيون يميّزون “جدار الصوت” عن غيره “كان يسبقه إلينا حركة الطائرات في الأجواء اللبنانيّة وخلفها هذه الخطوط الطويلة الشبيهة بالدخان الأبيض، ثم ينطلق دويّان من طائرتين ونسمع بعدها هدير الطائرات، ونعرف جميعًا هذه الحالة بجدار الصوت” يقول أحمد ياسين من كفرتبنيت.

عايش الجنوبيّون هذه الظاهرة من الغارات الوهميّة سنوات طوال، كانت تتكرّر يوميًّا “وفي كثير من الأحيان مرّتين وثلاث مرّات في النهار، لكنّه جدار صوت من علوّ شاهق وصرنا نتعايش معه، إنّما يصبح مرعبًا عندما تتقصّد الطائرات اختراقه من علوّ مخفوض، فينتج عنه صوت انفجار مخيف تهتزّ له الروح وأركان البيت وجدرانه، ناهيك عن تحطّم الواجهات الزجاجيّة للمنازل والمؤسّسات، ويّضطر أصحابها إلى تبديلها بعد كلّ جدار صوت من هذا المستوى والنوع” والكلام لعبّاس علويّة من أرنون ويقطن في النبطية.

في مسرحيّة “شي فاشل” للعبقريّ زياد الرحباني التي قدّمها في العام 1983 بعد الاجتياح الإسرائيليّ للجنوب وبيروت، يميّز دويّ الانفجار عن دويّ جدار الصوت، في خلال المكالمة الهاتفيّة مع “مدام جريديني” المتّصلة بعد سماعها صوت انفجار في بيروت للإطمئنان على سلامة ابنتها المشاركة في فرقة الدبكة، وبعد استفساره منها عن نمط الصوت، يعلق مردّدًا: “ها جدار”.

فيزيائيّة جدار الصوت

إنّ عبارة “جدار الصوت” أو “اختراق جدار الصوت” هي استخدام مجازيّ لمصطلح يستعمل في عالم الطيران، ويقصد به السرعة التي يتغيّر في لحظتها تصرّف تيّار الهواء حول الطائرة بشكل فجائيّ. ويُعرف “جدار الصوت” أو “حاجز الصوت” بأنّه القوّة التي تُعارض وتقاوم حركة جسمٍ ما عندما تصل سرعة هذا الجسم إلى السرعة التي يتحرك بها الصوت. وإذا ما تمّ كسر حاجز الصوت وتخطّيه، أيّ الانطلاق بسرعة تكون أكبر من سرعة الصوت، فسوف ينتج هذا الصوت المدويّ.

تنبّه الطيّارون في أثناء الحرب العالميّة الثانية، وهم يقومون بتدريبات ومناورات عالية السرعة قبل القتال وفي خلاله إلى ما يحدث فيزيائيًّا للطائرة عالية السرعة، فقد كان الطيّارون يفقدون السيطرة تمامًا على طائراتهم وهي تصطدم بأمواج متراكمة على سطوح التحكّم. وكانت تمنع سطوح التحكّم من الحركة وتترك الطيّارين في حيرة. ومن هنا بدأ الحديث عن اختراق “جدار الصوت” وعن صنع طائرات تفوق سرعة الصوت، وهنالك ثلاثة قياسات لسرعة الطائرة:

– طائرة أقلّ من سرعة الصوت أو “تحت صوتيّة” وهي النوع الأكثر شيوعًا، وتولّد تغيّرات في الضغط تتنقّل بسرعة الصوت في مقدّمة الطائرة ثم تتلاشى متلائمة مع تيار الهواء.

– طائرة تسير بسرعة الصوت، وتصطدم بزيادة مفاجئة في قوّة جرّها بسبب تراكم التغيّرات الضغطيّة أمامها بدلًا من أن تتلاشى. وفي الغالب تلحق الطائرة من هذا الصنف بالأمواج المضغوطة لحظة تشكّلها نتيجة لقوّة دفعها الكبيرة.

إنّ عبارة “جدار الصوت” أو “اختراق جدار الصوت” هي استخدام مجازيّ لمصطلح يستعمل في عالم الطيران، ويقصد به السرعة التي يتغيّر في لحظتها تصرّف تيّار الهواء حول الطائرة بشكل فجائيّ.

– طائرة تفوق سرعة الصوت، وتحدث هذه الطائرة موجة صدميّة قويّة جدًّا، فتيّار الهواء المحاذي لها لا يجد الوقت الكافي، لكي يتكيّف مع التغيّرات الضغطيّة، فيَحدث تغيّرٌ مفاجئ في ضغط الهواء، وهذا التغيّر يصل إلى الأرض كقنبلة صوتيّة، وتعني الصوت المرافق للموجة الصدمية.

وتقاس سرعة الطيران فوق الصوتيّ بوحدة يسمّيها الفيزيائيّون “ماخ” نسبة للفيزيائيّ النمساويّ إرنست ماخ المتوفّى سنة 1916 والمشهور ببحوثه حول انتقال موجات الصوت في الهواء.

ويعني “ماخ واحد” أنّ سرعة الطائرة تساوي سرعة الصوت، وإذا كانت سرعتها من واحد إلى خمسة “ماخات” فهي طائرة فوق صوتيّة، وإن زادت على خمسة فهي فوق صوتيّة متعالية.
وطوّرت الصناعات الحربيّة طائرات بسرعة ثلاثة “ماخات”، تهدف إلى التجسّس والمناورة وغير ذلك. ومع هذا، فإنّه يصعب جدًّا رصد أو التصدّي للطائرات الخارقة لجدار الصوت، بحسب ما يقول الخبراء.

وتشتهر من هذا النوع طائرة الكونكورد الفرنسيّة الإنكليزيّة التي تصل سرعتها إلى ضعفيّ سرعة الصوت، وأطلقت في العام 1976 إلّا أنّ إحداثها ضجّة شديدة أو ما يُسمّى بالقنابل الصوتيّة عرقل استخدامها فتراجعت قيمتها الاستثماريّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى