التداعيات النفسية للحرب جنوبًا.. آثار سلبية وأضرار خارج الإحصاءات

“اسم الله علينا ورد مفتّح، قاعدين أكل وشرب ناطرين الفرج لنرجع ع بيوتنا”.. بهذه العبارة الساخرة تعبّر إحدى النازحات من الخيام إلى بلدة الكفور في قضاء النبطية عن حالها، إذ يبدو الحديث عن التداعيات النفسيّة أمرًا غير مكتمل النضوج، فالناس -عادةً- يتعاملون مع مشاعر الخوف والعجز بالتهرّب من آثارها.

إذ غالبًا ما تأتي الخسائر في الأرواح والممتلكات في طليعة إحصاءات الأضرار الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيليّة على الجنوب، إلّا أنّ هناك أنواعًا أخرى من التداعيات والضرر لا يأتي أحدٌ على ذكرها، وتكون عادة في نهاية التعداد والحسبان، وهي التداعيات النفسيّة على المتضرّرين من القصف والنزوح وانقطاع مصادر رزقهم، لا سيّما على الأطفال والنساء.

لقد هجّرت الحرب الدائرة في المناطق الحدودية في الجنوب آلاف السكان، الذين أصبح يُطلق عليهم صفة نازحين، منهم من فقد أهليهم ومنهم أطفال وجدوا أنفسهم وقد أصبحوا أيتامًا، يُمسّد على رؤوسهم. ونسوة ثُكلن في أبنائهن وأزواجهن، واستقرار بيوتهن، ومنهم من فقدوا منازلهم ويعيشون نازحين بعيدين عن الأماكن التي تشكّل عالمهم الصغير الدافئ، أو من سلبوا مصادر إنتاجهم وأعمالهم، أو الذين انقطعوا عن مدارسهم وأصدقائهم ونمط حيواتهم. هؤلاء بالتأكيد يعانون من تداعيات نفسيّة متعدّدة ستترك آثارًا سلبيّة كبيرة عليهم، الآن وفي ما بعد.

لقد هجّرت الحرب الدائرة في المناطق الحدودية في الجنوب آلاف السكان، الذين أصبح يُطلق عليهم صفة نازحين، منهم من فقد أهليهم ومنهم أطفال وجدوا أنفسهم وقد أصبحوا أيتامًا، يُمسّد على رؤوسهم. ونسوة ثُكلن في أبنائهن وأزواجهن، واستقرار بيوتهن.

فتحت بعض المدارس أبوابها كمراكز إيواء للعديد من النازحين، وتكبّد قسم كبير دفع إيجارات عالية، لكنّ ثمّة قسمًا منهم ساهمت البلديات بتأمين بيوت لهم في القرى المحيطة. وفي حين بقي تلامذة من البلدات المهجّرة بلا مدارس، هناك أطفال أُلحقوا بأقران لهم في مدارس رسميّة لم يسبق لهم أن عرفوها أو تفاعلوا مع تلامذتها.

ربّما لا يجيد الأطفال التعبير بسلاسة عن درجة تأقلمهم مع الوضع القائم، لكنهم حينما تسألهم كيف تركوا بيوتهم، يخبرونك عن أصوات الانفجارات العالية والقصف الذي كانوا يسمعونه، عن البيوت التي تهدّمت والشوارع التي أقفرت، عن خسائر ذويهم؛ وقد عبّرت طفلة نازحة من بلدة كفركلا عن حزنها قائلة: “كان عنّا مزرعة طويلة عريضة وراحت..”. ناهيك عن اشتياقهم إلى قراهم وأحيائهم واللّعب في حواكيرها وأزقّتها.

اليوم، لا تزال الحرب مستمرّة، وما زالت آلة الطحن المعادية تُفسد في أرض الجنوب وتحيل اخضرارها رماديًّا. وفي ظلّ أزمة اقتصاديّة مستفحلة، وأخبار تتعامل مع الجنوب وأهله كمنطقة معزولة عن باقي الوطن لبنان، تتفاقم مشاعر الغربة لدى النازحين وتكبر، مع ما يواكبها من أحاسيس الحزن والغضب، والتوتّر والقلق، والوحدة والفقدان.

شهادات من النزوح القسريّ

أكثر ما يزعج منال. ق. وهي من بلدة كفرشوبا، الشائعات التي سرت في بداية الأزمة وساهمت في تفريغ القرية من سكّانها، بحيث لم يبقَ إلّا قلّة قليلة منهم. صمدت منال مع عائلتها في القرية حتّى تاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 2024 “صمدنا وكأنّه لا وجود للحرب، مع أخذ الحيطة والحذر، حتّى قيام الطيران الإسرائيليّ بقصف أحد المنازل في وسط البلدة، فنزحنا إلى منطقة حاصبيّا”.

تعرضت يولّا السويد (45 عامًا)، لإصابة بليغة في رجلها بعدما استهدفت قذيفة إسرائيليّة منزل عائلتها في بلدة الظهيرة (صور)، ظلّت تنزف لساعتين حتّى تمكّن شقيقها من نقلها إلى المستشفى الإيطاليّ في صور. نزحت العائلة إلى مركز الإيواء المُستحدث في الجامعة اللبنانيّة- الألمانيّة في مدينة صور. تصف يولّا وضعها النفسيّ بالكئيب، تحاول تجزية فراغ يومها خارج المركز هربًا من الضجيج، تقول: “الناس يشعرون بكمّيّة كبيرة من الضغط والتوتّر، لا يستطيع كثيرون منهم التحكّم في ردود أفعالهم، وهم سريعو الغضب وسريعو الانفعال”، وتردف: “تكاليف النزوح باهظة جدًّا”.

آثار الدمار في أحد منازل بلدة الضهيرة (تصوير حسام شبارو – النهار)

إيفا نازحة من الظهيرة إلى المركز نفسه، وهي أمّ عازبة لستّة أطفال، تفكّر بأقساط جامعة ابنتها وبتكاليف المواصلات. وقد ضاعت منها بسبب القصف والنزوح مواسم الزرع، “فلا تبغ ولا قمح وحتّى الدجاجات التي كانت مصدرًا للغذاء والإنفاق، فقد نفقت جميعها (150 دجاجة) بعدما تعرّضت البلدة للقصف بالقذائف الفوسفوريّة، فأحرقت الأحراج وسبّبت نفوق الكثير من المواشي والدواجن”.

من وقت إلى آخر تذهب إيفا رفقة إحدى بناتها لتفقّد ما بقي من أبقارها، وفي مرّتين متتاليتين كانت البنت ترجع من دون خفّيْها جرّاء الخوف والهلع الشديد بعد سماع أصوات القذائف، تقول والدتها “صار عندها خوف وطلع لها حبوب في رأسها”. تتحدّث إيفا عن مصاعب التهجير القسريّ والخسائر المهولة التي تكبّدتها، والشعور بقلّة الحيلة والعجز في ظلّ غياب خطّة مساعدات واضحة، تساهم في تغطية نفقات الأسرة، “الواحد بيزمط بولادو بس كمان عليه دفعات” تضيف.

“نتأذّى بس ما نموت”

بقيت نور البالغة 12 عامًا في حولا نحو شهر من بدء الأزمة، ونزحت في ما بعد مع أهلها إلى بيروت. هناك تلقّت العائلة صدمة استشهاد الجدّة ناصيفة مزرعاني ونجلها الخال محمّد حسين مزرعاني بغارة على منزلهما في حولا. عن يوميات القصف في حولا تقول نور لـ”مناطق نت”: “كنّا في أثناء القصف نخاف كثيرًا ونبقى من دون شغل، شي نظلّ قاعدين بالزوايا في غرفة حتّى إذا صار قصف نتأذّى بس ما نموت أو شي تاني”.

تأمل نور في العودة قريبًا “المهمّ ما نظل مهجّرين، ما فينا نعمل اللّي بدنا إيّاه لأنّ البيت الذي نحن فيه مش إلنا، حتّى أنّنا ملزمون أن نأكل الطعام الذي لا نحبّه، لأن ما فيكِ تتأمّري عالعالم”.

تعاني السيدة ميم. من رُهاب المسافات الطويلة، وهي تسكن في منطقة حدوديّة شاهدة على آثار التدمير والقصف المتواصل، لم تستطع ترك منزلها والنزوح مع أسرتها إلى منطقة أكثر أمانًا، حاولت ذلك من خلال استئجار منزل في منطقة بعيدة عن الاشتباكات، وصلت إلى نصف الطريق وتدهورت حالتها فعاد بها أبناؤها إلى الديار.

تقول نور: “كنّا في أثناء القصف نخاف كثيرًا ونبقى من دون شغل، شي نظلّ قاعدين بالزوايا في غرفة حتّى إذا صار قصف نتأذّى بس ما نموت أو شي تاني”.

لا تزال العائلة تعيش في منزلها الواقع على جرف واد، تشاهد “ميم” آثار القصف المدمّر للبيوت والأحراج من نافذة غرفتها، وتبقى مستيقظة حتّى ساعة متأخّرة من الليل، تتنقّل من غرفة لأخرى، وهي تقول: “يلّلا حيقصفونا، يلّلا اليوم آخر يوم” وسط توتّر وقلق مع عوارض جسمانيّة تترافق مع دقّات قلب سريعة ورجفان. تخضع “ميم” حاليًّا إلى جلسات علاج نفسيّ أسبوعيّة عن بُعد، وتعدّ حالتها في طور التحسّن.

توقّفت آية من بلدة مركبا (مرجعيون) وهي أمٌ لطفل عمره ستّة أشهر، عن متابعة دراستها الجامعيّة، “لا بيوت عندنا ولا حياة طبيعيّة كي أقعد وأدرس”. نزحت آية إلى بيروت، لتعيش في غرفة في بيت حميّها مع زوجها وابنها. أثّرت الاعتداءات الإسرائيليّة سلبًا على نفسيّتها ورؤيتها للحياة، تقول: “قاعدين ع أعصابنا.. “، لم تعد تتوقّع إلّا الأخبار السيّئة، فقدت أشخاصًا تعرفهم، وهُجرّت قسرًا من بيت تحبّه وضيعة كانت جميلة “كنّا عايشين حياة حلوة، الدمار في الضيعة لم يترك شيئًا حلوًا، بتحسّي ما عاد إلك نفس ترجعي. بطّل فيها شي حلو”.

تداعيات الحرب النفسيّة بين الطبّ والعلاج

يشير الدكتور قاسم حجازي وهو طبيب نفسيّ، إلى النسب العالية التي سجّلتها التداعيات النفسيّة للحرب الإسرائيليّة على المناطق الحدوديّة في الجنوب اللبنانيّ. ويقرّ أنّ “الأشخاص الذين لديهم أرض خصبة لظهور عوارض الاضطرابات النفسيّة، هم الأكثر تأثّرًا وعرضة للإصابة بالاضطراب النفسيّ وذلك لحساسيّتهم الفائقة”.

وبحسب حجازي لـ”مناطق نت”: “يعدُّ الأطفال والمراهقون أكثر قابليّة للتعرّض إلى ما قد يؤسّس لظهور أعراض اضطرابات نفسيّة وعصبيّة، وذلك يعود إلى عدم اكتسابهم المهارات العقليّة والانفعاليّة اللازمة لمواجهة المواقف. ويواجه البالغون ضغوطات نفسيّة مترافقة مع ظروف التهجير القسريّ الصعبة، وبالأخصّ عند الذين تعطَّلت أعمالهم أو ممّن يعملون عن بعد، على نحو المعلّمين”.

الطبيب النفسي قاسم حجازي

من جهة أخرى، تتحدّث الاختصاصيّة والمعالجة النفسيّة نانسي قاروط عن الأثر الكبير للاعتداءات الإسرائيليّة في الجنوب اللبنانيّ “على الأطفال الذين اضطرّوا إلى مغادرة منازلهم وتبديل مدارسهم، وإلى ما يعانونه من قلق وخوف من تكرار مصير أطفال غزّة، حيث فقدوا شعورهم بالأمان والاستقرار”.

وفي السياق نفسه، تذكّر قاروط في حديث لـ”مناطق نت” “أنّ وضع النازحين اللبنانيّين من جنوب لبنان، لم يحظَ بالإحاطة التامّة في التقارير الإخباريّة، وأنّ ما تمّ تناوله كان محدودًا بشكل لا يكفي لمعالجة التحدّيات العميقة التي يواجهونها، ومنها تكاليف الإيجار المرتفعة في المدن والقرى التي تستضيفهم. وقد يفضّل بعض الفقراء من الجنوبيّين غالبًا، البقاء في مناطقهم تحت تهديد دائم، لعدم قدرتهم على دفع تكاليف الانتقال”.

عن التداعيات النفسيّة التي قد يواجهها الأطفال بخاصّة، تعدّد قاروط: “فقدان الأمان والاستقرار النفسيّ، مشاعر من الغموض وعدم اليقين بشأن مستقبلهم، زيادة مستويات القلق والتوتّر لديهم”. وتضيف: “قد يجد الأطفال أنفسهم يشهدون على قلق الآباء والأمّهات نتيجة الضغط المادّيّ، في ظلّ الظروف الماليّة الصعبة”.

اضطراب يلي الصدمة

“إلّا أنّ للحروب ندباتها التي قد لا تظهر بشكلها الملموس، ومنها اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)” بحسب قاروط التي تشير إلى “أنّ أعراض هذا الاضطراب تتطلّب دقّة في الملاحظة ويمكن أن يكون للتغيّرات في السلوك والعواطف والأداء الأكاديميّ مؤشّرات قويّة على وجوده:

1-تغيّرات في السلوك اليوميّ للأفراد: كالانعزال، أو تغيّرات في نمط النوم والتغذية.

2-تغيّرات في المشاعر والعواطف: زيادة في مستويات القلق أو الاكتئاب.

3-التغيّرات في الأداء الأكّاديميّ: تراجع الأداء الدراسيّ.

4-التغيرات في العلاقات الاجتماعيّة: متابعة كيفيّة تفاعل الأطفال مع الآخرين.

المعالجة النفسية نانسي قاروط

وتضيف قاروط: “يتطلب العلاج خطوات متدرّجة ورعاية شاملة لدعم التعافي النفسيّ للأفراد المتأثّرين. يبدأ العمل بتقييم دقيق لفهم النطاق الكامل للصدمة وتأثيرها على الفرد، ما يسمح بوضع أهداف علاجيّة محدّدة. يتضمّن العلاج النفسيّ الفرديّ جلسات تفصيليّة تستند إلى تحليل العواطف والتفكير والسلوك”. وتؤكّد أهمّيّة البحث عن الرعاية النفسيّة المتخصِّصة “والمساعِدة في تطوير استراتيجيّات للتعامل مع الأعراض”.

ويعدّ اختيار التوقيت المناسب والتقنيّات الأفضل، وأسلوب البداية الأمثل أمرًا حيويًّا لضمان فعاليّة الجلسات مع تأمين بيئة آمنة وداعمة.

تعافٍ يستغرق وقتًا

يتكامل العلاج، والكلام لقاروط، “مع مساعدة الأفراد في التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحّيّة، وفحص الماضي للكشف عن الصدمات السابقة المرتبطة بهذه التجارب، وقد تظهر على شكل ومضات ذهنيّة، تحديد الذكريات المؤلمة ومساعدتهم على مواجهتها بطريقة مستدامة. والتشجيع على التحدّث عن الأحداث الصادمة بشكل فعّال، قد يكون التعرّف على الصدمات السابقة والتعامل مع “الفلاشباك” جزءًا هامًّا من عمليّة العلاج، وتشجيع الأفراد على تطوير استراتيجيّات إدارة العواطف والتحكّم في الذكريات المؤلمة بطريقة تسهم في تحقيق التعافي الشامل”.

وتخلص قاروط إلى “أنّ التعافي يستغرق وقتًا، ويعتمد على الفرد وظروفه الخاصّة. فقد يمتدّ لأسابيع أو حتّى أشهر. وهنا تبرُز أهمّيّة الدعم النفسيّ والاجتماعيّ في تسريع عمليّة التعافي وتحفيز النموّ النفسيّ الإيجابيّ والتكيّف الفعّال مع التحدّيات الناتجة عن الأحداث الصادمة”.

نازحون في أحد مراكز الإيواء في صور (الصورة من الشرق الأوسط)

وعن سبل الحماية من صدمات الحروب يشير الدكتور قاسم حجازي إلى “ضرورة تجنُّب التعرّض للأخبار السلبيّة، والصدمات المباشرة، وأصوات الانفجارات ورؤية مشاهد خطرة، ما يمكن أن تنطبع في ذاكرة الطفل، ويعيد تحريك الصدمات في كلّ مرّة يتعرّض فيها لهذه المثيرات، وتنعكس على سلوكيّاته، فتظهر الاضطرابات في عوارض القلق وعدم النوم، بعد ذلك الخوف غير المبرّر، وغيرها من الظواهر النفسيّة”.

ويتحدّث حجازي عن “أهمّيّة الدعم النفسيّ من خلال الحديث مع أشخاص إيجابيّين، وتلقّي جلسات علاج نفسيّ. وفي حال عدم التحسّن والشعور باستمراريّة العوارض المرضيّة، بعد مرور أربعة أشهر، يفضّل استشارة الطبيب النفسيّ لإجراء تقييمات للتأكّد من عدم ظهور بداية اضطراب نفسي”.

مبادرات للدعم النفسيّ

تنفّذ مؤسّسة عامل في مركزها الصحّيّ التنمويّ الاجتماعيّ في مدينة صور برنامج الصحّة النفسيّة، وهو برنامج يسعى لوصول الناس إلى حقّهم في الصحّة النفسيّة.

ومع بدء الاعتداءات الإسرائيليّة ونزوح السكّان من المناطق الحدودّية إلى المدارس الرسميّة ومراكز الإيواء في المنطقة، قامت المؤسّسة بالتنسيق مع اتّحاد بلديّات صور والمسؤولين عن المدارس، بزيارات ميدانيّة قصد التوعية على أهمّيّة الصحّة النفسيّة، وتزويدهم بمعلومات عن كيفيّة الاستفادة من الخدمات النفسيّة المجّانيّة المقدّمة.

وتشمل الخطّة تقديم جلسات دعم نفسيّ وجلسات توعية حول عدّة مواضيع نفسيّة. وبحسب المؤسّسة يُقبل الناس على طلب الاستشارة النفسيّة.

يؤكّد الدكتور حجازي، مشاركته في بعض المبادرات التي تقوم بها المراكز الصحّيّة في الجنوب، منها الهيئة الصحّيّة الإسلاميّة، من حملات علاج نفسي وندوات مجّانيّة، وتخصيص يوم مجّانيّ للنازحين بغية تقديم المشورة النفسيّة.

مع بدء الاعتداءات الإسرائيليّة ونزوح السكّان من المناطق الحدودّية إلى المدارس الرسميّة ومراكز الإيواء في المنطقة، قامت مؤسسة عامل بالتنسيق مع اتّحاد بلديّات صور والمسؤولين عن المدارس، بزيارات ميدانيّة قصد التوعية على أهمّيّة الصحّة النفسية.

تذكر المعالجة قاروط، قيامها بمبادرة دعم نفسيّ مجّانيّ بالتعاون مع “مسرح إشبيليا” وكانت مفتوحة للجميع وقد حضر إليها أشخاص يعيشون في مناطق قريبة من مناطق الخطر الجنوبيّ.

وتضيف: “أستطيع القول إنّ التعامل مع احتياجات الصحّة النفسيّة للأفراد المتأثّرين يقوم بشكل كبير على المبادرات الفرديّة. ويتّخذ المعالجون القرار بشكل ذاتيّ بشأن تقديم الخدمات مجّانًا أو تقليل رسوم الجلسات”.

وتتابع: “في ظلّ هذا الواقع، يخطّط مركز “نفسانيّون” إلى تنظيم مبادرة لدعم الصحّة النفسيّة، ويلتزم المركز بتقديم الدعم الفرديّ لطالبي الخدمة النفسيّة، من خلال تحويلهم إلى معالجين نفسيّين مع الحرص على أن تكون هذه الجلسات مجّانيّة أو برسوم مخفّضة تتناسب مع الوضع المادّي للأفراد”.

رصد التداعيات النفسيّة

في المحصّلة، لا يمكن رصد التداعيات النفسيّة بسهولة، خصوصًا في أثناء الحرب التي لا يعلو صوتَها صوتٌ، حيث يحاول الناس إظهار تماسكهم وصلابتهم النفسيّة ما أمكن لهم، لأنّ الوقت لا يصلح للنزف. يساهم في ذلك ضعف الثقافة المجتمعيّة في ما يخصّ الصحّة النفسيّة، حيث تتغلّب العادات والتقاليد والتربية النمطيّة على ذلك، وتعتبرها نقيصة لطالبيها. أيضًا يلعب التحشيد العقائديّ والدينيّ دورًا كبيرًا في تماسك الناس وتصلّبهم ومواجهتهم لصعابهم.

أمر آخر يزيد الأمور تعقيدًا، وهو أنّ العدوّ يجيد اللعب على الوتّر النفسيّ إن كان عبر التهديدات المتواصلة أو عبر الاتّصالات الهاتفيّة التي يتلقّاها العديد من الناس، بدعوى أنّ المتّصل هو من قبل جمعيّة إغاثيّة وبلهجة لبنانيّة محكمة، لهدف الوصول إلى بيانات الناس في الجنوب، ودفعهم للكشف عن التحرّكات التي تحصل في مناطقهم، وهذا ما أصبح يتنبّه له العديد من النازحين، فيُبدون حذرًا شديدًا في الحديث عن معاناتهم النفسيّة ومن جهة أخرى تفاديًا لئلّا يشمت بهم أصحاب “خطابات الكراهيّة” ويعيّرونهم بمخاوفهم وبلحظات انهيارهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى