التهميش الرياضي.. الكرة ليس لها موطئ قدم في بعلبك-الهرمل

طال التهميش -رياضيًّا- المحافظة الأكبر مساحةً في لبنان بعلبك-الهرمل، كما أغلب القطاعات الاخرى، فمعظم أندية المحافظة هي أندية صغيرة تنافس في دوري الدرجات المتأخرة، وتفتقد وجود الأكاديميات الرياضية الكبرى، ما يبلور سؤال “أين مبدأ الإنماء المتوازن الذي نص عليه الدستور اللبناني وأين العدل الإنمائي والرياضي لمحافظة تشكل ثلث مساحة لبنان؟”.

تأسس الإتحاد اللبناني لكرة القدم في العام 1933، وانضم إلى الإتحاد الدولي لكرة القدم في العام 1935، ثم إلى الإتحاد الآسيوي سنة 1964. منذ ذلك الحين ولعبة كرة القدم تمارَس بشكل رسمي في لبنان، وتحت رعاية الإتحاد عبر الأندية اللبنانية لكرة القدم، ومن خلال دوري الدرجة الأولى والثانية وغيرهم. ينظم الاتحاد اللبناني لكرة القدم المسابقات المحلية وعادة ما تكون الأندية ممثلة بمناطقها، أو تحمل اسمها مثل “التضامن صور”، “السلام زغرتا”، و”الأهلي عاليه”. وبعضها يحمل أسماء جامعة ومركزها بيروت مثل النجمة، العهد والأنصار.

تأسست هذه الأندية بمعظمها على يد أبناء مناطقها من المقتدرين أو النافذين أو رجال الأعمال والسياسيين، ودخلت في منافسة دوري الدرجة الأولى، ما ساهم بانتشار ثقافة هذه اللعبة بين شباب لبنان.

ملعب بعلبك البلدي
بعلبك بلا مدينة رياضية

في كل سهول بعلبك الواسعة لا يوجد مدينة رياضية واحدة، كما تقتصر الملاعب فيها، على ملاعب ترابية صغيرة باستثناء “ملعب بعلبك البلدي”، وهو ملعب أولمبي وليس مدينة رياضية كما ينصّ القرار الحكومي الّذي ينص على إنشاء مدن رياضية كبيرة في مراكز المحافظات والمدن. وحين تأخر القرار عن بعلبك حتى كاد يتلاشى، وبعد مطالبة البلدية الملحّة، تم تعديل المشروع، وتم انشاء ملعب أولمبي بمعايير دولية يتسع لـ 8500 متفرج، وقد بدأ العمل على إنشائه في العام 1997، وتم افتتاحه في العام 2016 ليكون بارقة أمل للأجيال القادمة، وخطوة مهمة لكسر الإهمال والتهميش عن المنطقة.

تضم بعلبك الهرمل أكثر من 18 نادياً رياضياً لا يمثل أحد منهم المحافظة في دوري الدرجة الأولى. باستثناء ما حدث بين سنة 2014 حتّى سنة 2018، حين مثل نادي “النبي شيت الرياضي” بعلبك-الهرمل في دوري الدرجة الأولى، ثم عاد بعدها ونزل إلى دوري الدرجة الثانية، وتحول إسمه اليوم إلى “نادي شباب بعلبك” ولا يزال يلعب في دوري الدرجة الثانية.

يقول مالك الموسوي وهو كابتن فريق شباب بعلبك لـ “مناطق نت”، إن المشكلة هي في التوجه العام الرسمي للمنطقة، وهو بعيد عن الرياضة. والمستثمرين من أبناء بعلبك الهرمل، يستثمرون في نوادي أخرى خارج المنطقة لكون ذلك مربح أكثر، وسببه يعود لضعف الأندية في المحافظة. يضيف: “ثقافة كرة القدم في بعلبك-الهرمل لا تزال ضعيفة وتحتاج إلى التطوير عن طريق استثمارات كبيرة في أكاديميات رياضية تؤسس المواهب منذ الصغر، كما تحتاج إلى “الضوء الإعلامي” لإظهار الطاقات الشبابية في المنطقة”.

وأكّد الموسوي بأن أجور اللاّعبين تكون بحسب خبرة كل لاعب، ولكنه مردود ضعيف لا يكفي للاعتماد عليه. وأنّه بنفسه يمارس أكثر من مهنة لتحصيل لقمة العيش، الأولى توزيع الإنترنت والثانية بتعليم الرياضة. وهذا حال معظم اللّاعبين الذين يلجؤون إلى العمل بعيدًا عن هواية كرة القدم لتأمين لقمة عيشهم، وهذا ما يشكل العائق الأكبر في تقدّم اللعبة ويبيّن حجم الاستثمار الضعيف في لعبة تتمع بشعبيّة كبيرة، استطاعت في دول أخرى أن تعود بأرقام هائلة من الأرباح و العائدات، نتيجة الاستثمار الذكي واهتمام السلطات بتطوير الثقافة الرياضية فيها، وهذا ما تفتقده محافظة بعلبك- الهرمل.

يتابع الموسوي بأن الدّولة بعيدة كل البعد عن بعلبك-الهرمل في المجالات كافة ومنها الرياضية، وإنّ غياب المنشآت خير دليل على ذلك، بحيث لا يوجد سوى ملعبين يصلحان للعبة الكرة في المحافظة، وهما ملعب النبي الشيت الرياضي وملعب بعلبك البلدي، على الرّغم أنّهما بحاجة أيضًا إلى صيانة شاملة.

إهمال وتقصير

تمنى الموسوي على وسائل الإعلام كافّة بأن تُسلّط الضوء على الإهمال في حقّ بعلبك-الهرمل، لعلها ذلك يصل إلى المعنيين، واعتبر أن استثمار الطاقات الشبابية في هذه اللعبة هو مسؤولية الدولة بشكل رئيسي، ودعا هيئات المجتمع المدني كافّة للمساهمة في تطوير اللعبة في المنطقة، مؤكداً على أنّ بعلبك الهرمل تستحق لقب بطولة لبنان بجهود لاعبيها وشبابها، لو حصلت على الدعم الكافي الذي تستحقه.

وبالتالي، فإن حال كرة القدم في بعلبك-الهرمل، هو تمامًا كمثل حال الألعاب الرياضية الأخرى في المنطقة، تندرج تحت خانة الإهمال والتقصير الدائم. فمن كرة القدم إلى كرة السلة إلى كرة اليد أو التنس أو سباقات الفورميلا1، كلّها تعاني من التهميش وسوء الاستغلال. وعلى الرغم من أنّ محافظة بعلبك-الهرمل تُعتبر خزان بشري يضمّ الكثير من الطاقات الشبابية والمواهب، لكنّها ترزح تحت رحمة المعنيين بعملية الإنماء في المنطقة.

وقد يكون الحلّ في ذلك، خيار اللامركزية الإدارية، أو رفع صوت الشباب والاعتماد على أبناء المحافظة من رجال أعمال ومستثمرين لإحياء الرياضة فيها، لما تحمله كرة القدم على وجه الخصوص مِن أهمية رياضية شعبية بالدرجة الأولى وأهمية اقتصادية لجهة عائدات الإعلانات وبيع التذاكر وجوائز المسابقات وغيرها من استثمارات معتمدة في كرة القدم. إضافة إلى كونها منشّط سياحي مركزيّ من خلال تنظيم وإقامة المباريات والبطولات ما يسلّط الضوء ويجذب السّياح نحو بعلبك-الهرمل خاصّة ولبنان عامّةً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى