بوتين الرهيب ب”السترة الصفراء”…لماذا – مناطق نت

رفض الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف اليوم الاتهامات بضلوع روسيا في الاحتجاجات الفرنسية، واصفا إياها بأنها محض افتراء. مع ذلك، هناك شكوك كثيرة في مثل هذا الكلام، ليس لوجود مصلحة روسية بالتدخل فقط، إنما لأن أشكال التدخل يمكن نفيها وعدم تجريمها بما تتيحه وسائل التكنولوجيا لهذه اللعبة.

ومن جهة أخرى، مهما حاولت الدول خلال أزماتها- ومنها فرنسا اليوم-  إقفال أبوابها ومنافذها أمام التدخل الخارجي، ستجد صعوبة في تنفيذ هذه المهمة، ليس فقط، لأنها لا تملك الأقفال السياسية والإعلامية الكافية، إنما أيضا، للسهولة المتوفرة للخارج على نزع هذه الأقفال وكسرها، فأمامه طرق مفتوحة لتجاوز مفهوم “السيادة” المثقوب بالتكنولوجيا والانترنت والإعلام.

كان الأكثر تدخلا في الاضطربات الفرنسية، الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وكلاهما لم يتدخل انحيازا لهذا الفريق الفرنسي أو ذاك، إنما لتوجيه السخط الشعبي وإدارته،الأول كان همّه أن يتم تقويض البرامج الاقتصادي للرئيس ايمانويل ماكرون تقويضا نهائيا، والثاني ليحمي ذاته.

بوتين هو معنيّ أكثر بالاضطربات الفرنسية من الآخرين، يقاربه بدرجة أقل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وكذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن يبقى بوتين في صدارة المتدخلين والمتلاعبين بحركة الاحتجاج الفرنسية.

لن نقيم هنا، الأدلة على أشكال التدخل الروسي في الأحداث الفرنسية فهذا مسألة استخبارية، لكن باريس كانت تدرك منذ البداية بأن مصلحة روسية مباشرة موجودة بتوتير الحراك في الشارع الفرنسي والسعي إلى غضرام نار العنف بين الشرطة والمحتجين، فقد منعت الحكومة الفرنسية محطة rt من القيام بأية تغطية إعلامية.

يجب التسليم، بأن ما جرى في فرنسا، هو مخيف لكل الحكومات من دون استثناء، فالجميع في متناول الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا حلول لها لا في الأفق القريب ولا البعيد، إنما التوقعات كلها تصب في تفاقمها، وهناك خطر كبير أن تجرف معها أنظمة وحكّام.

ما تزال الديموقراطيات الأوروبية الغربية تراهن على معالجتها وتخفيف آثارها عبر مؤسساتها وتقاليدها ولعبتها الانتخابية وتأطيرها في البرامج، وهذا ما يعطّل على الرئيس الروسي استثمارها لمصلحته، فالأمر عنده يتجاوز إضعاف أوروبا، إلى انشغاله باستقرار حكمه بوجه العواصف القادمة.

ليس بوتين مهموما، بانتصار “السترات الصفراء” أو “البنية”، أو تلبية مطالب الطبقات الفقيرة في المجتمع الفرنسي التي سحقها برنامج ماكرون وألقى عليها أثقال إصلاحاته، فالمسألة الاجتماعية وعدالة توزيع الدخل هي خارج هموم بوتين السبّاق في تعميق التفاوت بين طبقات المجتمع الروسي، والمتبني لسياسات اقتصادية في بلده، أودعت خيرات روسيا وثرواتها الطائلة في حسابات بنكية لزمرة من أعوانه الفاسدين، وتركت شعبه نهبا للعوز والحرمان.

ما زالت الديموقراطيات الأوروبية الغربية تشكل حرجا سياسيا وأخلاقيا لبوتين وترامب وأردوغان أمام شعوبهم، والاحتجاجات الفرنسية هي توقيت مناسب بنظر هذا الثلاثي لخنق هذه الديموقراطيات المأزومة ببيروقراطيتها وفقدان الثقة بين الشعب ونخبها السياسية والاقتصادية وعجزها عن مواجهة مشاكل الهجرة المتدفقة على بلدانها والتفاوت الاقتصادي بين طبقاتها واتساع رقعة الفقر فيها.

يدرك بوتين وصحبه المذكور، أن الصدام العنفي بين الشرطة الفرنسية والمحتجين، لن يكون حلّا، وليس هناك مصلحة قومية روسية في هذا الصدام، فالأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يُحكى عنها، تقتضي تخفيف قلق الحكومات وتعاونها لتجاوزها، لكن هناك مصلحة ذاتية لبوتين بحدوث أعمال تخريب من حرق وتدمير وقتل واعتقال في الشوارع الأوروبية.

كان لافتا، تكريس إعلام روسيا وكذلك الإعلام التركي لتغطية أعمال العنف والتخريب إبان الاحتجاجات، ولا يخفى بأن الاستثمار عليها، هو لأجل الداخل، فهناك قناعة روسية بأن طرف الثوب الاقتصادي للعالم قد احترق، والنار ستلتهم الجميع ولن يطفئها في موسكو أو غيرها سوى الإفراط باستخدام القوة بأضعاف مضاعفة عن الاستخدام الفرنسي، وإثبات عجز الديموقراطيات عن مواجهة اللحظات العصيبة للبشرية…فالمهم أن تسجل فرنسا سابقة في القمع الشديد، ليكون الاستبداد هو الحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى