حكاية عابري الجندر: “نحن سجناء في أجساد غيرنا”
"كل شي من الله يا محلاه".. عبارة المنافقين
أقل من أربعة أشهر على يوم ميلاده الخامس والعشرين ولا زال يسأل نفسه كل يوم “من أنا؟”. “سام” شاب مجهول الهوية، لا أحد يعرف حتى اسمه، دائمًا ما ينادونه باسم أنثوي، يؤلمه ذلك ولكنه يتفهّم الأمر.
هو شاب جريء، ضحوك، لديه حسٌّ فكاهي واجتماعي جدًّا بحسب ما يصفونه. يتساءل دائمًا كيف لشخص اجتماعي لهذا الحدّ أن يكون مجهولًا حتى بالنسبة لأقرب الناس إليه، بل وحتى عائلته. يجلس “سام” على فراشه ويبدأ كعادته برحلاتٍ في مخيلته، يتذكر الماضي، يخطط للمستقبل، ويقلق بشأن الحاضر، فهو كثير التفكير إلى حدٍ قاتل.
اليوم، قرر العودة إلى الوراء، إلى لحظة ولادته وعودته إلى المنزل من المستشفى بين ذراعي أمه. “يا حبيبتي شو طيوبة، خدودها زهر”.. هكذا قالت ابنة خالته في وجهه وهي تحمله بين ذراعيها وتلتقط له صورًا بكاميرا قديمة. بالونات زهرية حوله، وأقاربه يلاطفونه بصيغة المؤنث… “مهلاً!..يا هاي! يا هو! طب أغ! أنا سام!”، فعل كل ما بوسعه ليقول لهم من يكون، لكن دون جدوى. فتلك القصص التي اعتادت أمه أن ترويها له عن يوم مولده لا يمكن تغييرها فقد أصبحت من الماضي.
“هل هذا هو الشكل الذي يراني به الجميع!؟”
رغم عفويته ومزاحه الدائم، إلا أنه كان يعيش في المدينة الفاضلة في رأسه ويحاول الظهور بصورة مثالية أمام الجميع. فقد كان صارمًا جدًّا مع نفسه في الأمور الحياتية ويحدّث نفسه دائما “يجب أن تكون شابًّا ناجحًا، إياك أن تقول أي كلمة نابية، إياك أن تجرح مشاعر أحدهم، الصداقة مقدسة فكن لطيفًا مع الجميع، والأهم من كل ذلك كن فتاة وإلا دخلت جهنّم!”.
كان يكره عندما يعود إلى المنزل من مدرسته ويفتح باب الخزانة ليجد إنعكاس جسده على المرآة، ليسأل نفسه “هل هذا هو الشكل الذي يراني به الجميع!؟”. تعتريه الصدمة، فكيف يكون جسده أنثويًّا، وهو دائمًا ما يتخيل نفسه كما يرى جسده بشكل شبه يومي في المنام، لحية كثيفة وصوت خشن وشعر قصير لا ينسدل على رقبته فيُقيّدها كما تقيده الأفكار التي تنهش رأسه.
- هذه أسئلتي.. فهل من مجيب؟
- اضطراب الهوية الجنسية
- العابرات في المجتمعات العربية
- أبناؤنا مقابل لقلقة الناس
- فتوى الامام الخميني بين الجهل والتجاهل
- قلة في العدد أم خوف من الظهور؟
- عابري الجندر في رؤية الأديان.. بين الرفض والقبول
- عابري الجندر في المذهب الشيعي.. تعدد في الآراء
- إجراءات وشروط يفرضها التدخل الجراحي
- كلفة التدخل الجراحي في لبنان لمن استطاع إليه سبيلًا
- العبور الجنسي في القانون اللبناني
- طلب قوبل بالرفض
- مشاكل تناقض الشكل الخارجي مع بطاقة الهوية
هذه أسئلتي.. فهل من مجيب؟
لم يفهم يومًا ما الذي يجري له. اعتاد أن يرمي بنفسه على سجادة الصلاة ويغرقها دموعًا مناجيًا ربه كي ينجيه مما هو فيه، “يا الله! أولست تقول ادعوني استجب لكم، ها أنا أدعوك، خلّصني مما أنا فيه، قل لي ماذا أفعل، أين أذهب، أعطني إشارة!”. كان الحمل ثقيلًا جدًّا على طفل يلوم نفسه على شيء لم يكن له أي علاقة به. فالطفل الذي يفترض أن يمضي وقته في اللعب والدرس، انهمك في محاولة فهم كيانه وذاته، “ماذا اقول لوالدتي؟ ما هي المصطلحات التي استخدمها لأصف ما أنا فيه؟ هل هذا مرض؟ مسٌّ من الجنّ؟ هل يظهر المخلص الذي يغيّر جسدي الأنثوي إلى الجسد الذي أشعر به؟ ليتني أصبت بالسرطان عوضًا عمّا أنا فيه كنت لأجد طريقة تعبّر عن الأوجاع في داخلي ولتعاطف الناس من حولي معي. ربما غدًا سأكبر وستتلاشى كل هذه الأفكار وحدها”.
كبُر “سام”، وكبر معه خوفه من البحث عن أجوبة لأسئلته، إلا أنها لحظة واحدة قلبت حياته رأسًا على عقب. فتوى للسيد الخميني، (مرجع الدين الشيعي وقائد الثورة الإسلامية في إيران)، تسمح بالعبور الجنسي لمن يعاني من اضطراب الهوية الجنسية، فما هو هذا الإضطراب؟ وكيف يتعامل الدين والطب والقانون اللبناني معه؟
اضطراب الهوية الجنسية
لا يعد اضطراب الهوية الجنسية مرضًا. فهو من اسمه اضطراب يشعر صاحبه بانزعاج نتيجة عدم التوافق بين جنسه البيولوجي وهويته الجندرية أي شعوره اتجاه نفسه، ويشعر برغبة ملحّة بالانتماء للجنس الآخر. ينتج عن ذلك عوارض عديدة كالقلق والاكتئاب ومشاكل اجتماعية ويؤدي في كثير من الأحيان إلى الانتحار.
لا يوجد “علاج” يجعل الشخص الذي يعاني من اضطراب الهوية الجنسية يشعر بأنه ينتمي للجنس البيولوجي الذي ولد فيه. بل يكمن الحل باستكشاف الشخص لذاته، وأن يعيش مجتمعيًّا بالدور الإجتماعي للجنس الذي يشعر أنه ينتمي إليه. وقد يتضمن ذلك تغييرات جسدية، مثل تناول هرمونات الذكورة أو الأنوثة أو التدخل الجراحي كالخضوع لبعض العمليات الجراحية.
يُعتبر الشخص “عابر جنسي” إذا ما وُلد بجسد أنثوي ويعبّر عن نفسه بأنه رجل، وتعتبر المرأة “عابرة جنسية” إذا ما وُلدت بجسد ذكر وتعبّر عن نفسها بأنها إمرأة. ويكون ذلك بمعزل عن التغييرات الجسدية التي قد يقوم بها الأشخاص في حياتهم.
لا علاقة للعبور الجنسي بالمثلية الجنسية، فالأخيرة هي توجه جنسي يتسم بالانجذاب الرومنسي/ الجنسي اتجاه أشخاص من الجنس نفسه. أما العبور الجنسي فلا علاقة له بالميول، بل هو شعور الشخص بنفسه بمعزل عن مشاعره اتجاه الآخرين. الميل الجنسي يتعلق ب”من أحب أو إلى من انجذب”، والهوية الجنسية تتعلق ب”من أكون”.
العابرات في المجتمعات العربية
“إيل” البالغة من العمر 28 عامًا، عاشت طفولة صعبة كحال كل عابري الجندر. إلا أن العابرات، وفي مجتمع ذكوري ينبذ المرأة ويبجّل الرجل، تواجههن مشاكل أكثر صعوبة ويُنظر إليهنّ نظرة دونية. إذ يتعجب أبناء المجتمعات العربية خاصة، كيف لأحد وُلد بالجنس “الأفضل والأقوى” على حدّ تعبيرهم أن “يغيّر” جنسه إلى أنثى. تقول إيل “منذ أن كان عمري 5 أعوام وأنا أشعر بأنني مختلفة عن الآخرين، وظننت في مراهقتي بأنني شاب مثلي الجنس كوني أنجذب إلى الرجال. إلا أنني كنت أعلم بأنني لست كذلك، أنا أنثى والموضوع يتعلق بشعوري أنا تجاه نفسي وليس بشريك حياتي”.
لجأت إيل إلى برامج تدريبية حول الجنس والجنسانية لتكتشف ذاتها حتى علمت بأنها “ترانس جندر” أو عابرة جنسية. إلا أنها أنكرت ذلك حتى في نفسها ولم تستطع أن تخبر أحدًا بذلك. محاولات الإنكار لم تلبث أن تلاشت حتى بدأت إيل منذ حوالى السنتين بالإجراءات والفحوصات اللازمة للبدء بتناول أدوية الهرمونات الأنثوية. لم تخبر إيل عائلتها بذلك إلا أنها وبعد مرور حوالى 8 أشهر اضطرت لإخبارهم بعدما لاحظت والدتها التغيّرات الجسدية عليها.
أبناؤنا مقابل لقلقة الناس
بعد حديث طويل مع والدتها وأخيها الذي يبلغ من العمر 25 سنة ومحاولتهما إقناعها بأن ما يجري معها هو مجرد وهم، قال لها أخوها بأنه يحترم كونها أنثى ويتفهّم ذلك، إلا أنه اشترط عليها أن لا يرى تلك الأنثى. أما والدتها فتقول إيل “والدتي انهارت بالبكاء وطردتني من المنزل لحوالى 4 أشهر. إلا أنها وبعد أن وجدت أنني أستطيع أن أقف بجانبها عندما مرضت بغض النظر عن هويتي، أعادتني إلى المنزل مشترطة عليّ أن لا أُظهر تلك الأنثى سواء في المنزل أو الحي الذي نسكنه. وبالتالي أعادتني إلى الخزانة التي تخفي حقيقتي بعد أن كنت سعيدة جدًا بخروجي منها مؤخرًا”.
مشاكل كثيرة تتعرض لها إيل في أماكن عدة. إلا أن أكثر ما يحزنها هو اعتقاد الناس بأن العابرات هنّ عاملات جنس، فهي ليست كذلك. إضافة إلى ذلك تتعرض العابرات لكل أنواع المضايقات والتمييز والخوف خاصة عند استخدام وسائل النقل العام. حيث تذكر إيل أن العابرة عند تنقلها، لا تعلم إن كانت ستصل إلى وجهتها أم سيتم خطفها أو التحرش بها.
فتوى الامام الخميني بين الجهل والتجاهل
في العام 1964 أصدر الإمام الخميني، فتوى شهيرة تجيز العبور الجنسي، وتوضّح الحقوق والواجبات الشرعية المترتبة على عابري الجندر وقوانين الإرث وغيرها. جعلت هذه الفتوى إيران إحدى أكثر الدول تسجيلًا للعمليات الجراحية للعبور الجنسي في العالم،.وهي اليوم الثانية بعد تايلاند من حيث إجراء تلك العمليات. ولا يشترط الخميني في فتواه وجود عضوين تناسليين أو مشاكل في الهرمونات. حيث جاء في فتواه “إذا أراد أحد تغيير جنسه الحالي لأنه يشعر أنه عالق داخل جسد غير جسده يحق له التخلص من هذا الجسد والتحوّل إلى جنسٍ آخر”.
على الرغم من مرور سنوات على هذه الفتوى لا يزال رجال الدين الشيعة في لبنان يتجاهلونها أو يجهلونها أو لا يأخذون بها عملا بمبدأ تعددية التقليد في المذهب الشيعي. وهذا ما حدث مع سام نفسه، عندما لجأ إلى “عالم دين” كان يعمل في أحد المعاهد الدينية الشهيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت. أثناء الزيارة دار بينهما حديث، تبيّن من خلاله أن رجل الدين(الشيخ) المذكور لا يعلم بأن للخميني فتوى تسمح بالعبور الجنسي. وعندما تم تذكيره بالفتوى فسّرها على الظنّ، قائلًا أنه يسمح بذلك فقط عند وجود “مشاكل جسدية” مثل ارتفاع هرمون معيّن في الجسم أو للأشخاص ثنائيي الجنس. وإلى هذا، طلب الشيخ وقتًا للتحقق من صحة الفتوى. ثمّ عاد بعد أن تأكد منها، ليعِد سام بأنه لم ينسه وأنه سيسعى لمساعدته لاحقًا، غير أن أيًّا من ذلك لم يحصل.
قلة في العدد أم خوف من الظهور؟
في الإطار نفسه، يؤكد الأستاذ في الحوزة العلمية في لبنان، الشيخ اسماعيل الحريري، أنه لا حياء في الحديث عن هذه القضية، ويعتبر أنه “لو لم يكن الأمر مهمًّا لما قام الخميني في كتابه “تحرير الوسيلة” في جزئه الثاني بتخصيص مسائل عدة يشرح فيها الأمر وما يترتب عليه من زواج وإرث والنظر الحلال والحرام وغيره”. إلا أنه عند سؤاله عن سبب عدم تناول هذه المسألة في العلن كحال جميع الفتاوى والقضايا الشرعية، يقول الحريري، إن “هذه القضية ليست موضع ابتلاء قوي، أي لا يوجد عدد كبير من هؤلاء الأشخاص في مجتمعنا، إلا أننا نحاول الحديث عنها من وقت لآخر”.
يظنّ الحريري الذي يعيش في بيئة تمارس شتّى أنواع الضغط النفسي والجسدي على من يخرج عن “المألوف” لديهم، والتي تدفعم إلى إخفاء حقيقتهم أمام الناس، أنه لا يوجد أشخاص كثر يمرون بهذه التجربة. يضعنا هذا الأمر أمام واقعين أحلاهما مرّ، فإما أن يكون هؤلاء موجودون بكثرة بيننا ويدفعهم الخوف إلى إنكار ذاتهم أمام مجتمعهم، أو أن يكون عددهم قليل مقارنة بمتوافقي الجنس ويعاملهم المجتمع كما يعامل جميع الأقليات في بلداننا بالنبذ والتجاهل. ولكن من المؤكد أن عابري الجندر في ازدياد لأسباب عدة أهمها الارتفاع المستمر في عدد سكان العالم.
عابري/ات الجندر في رؤية الأديان.. بين الرفض والقبول
اختلف الفقهاء سنة وشيعة في أصل حكم العبور الجنسي. وإن أبرز ما احتجّ به الذين أفتوا بالحرمة هو الاستناد إلى الآية القرآنية ” وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ “. معتبرين أن العمليات الجراحية من هذا النوع هي تغيير في خلق الله ومخالفة لما جاء في هذه الآية. فيما ردّ عليهم آخرون أن المراد من هذه الآية فقط هو تغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي الإسلام والعبودية لله، مستشهدين بالآية التالية ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”. فلماذا لا نحرم قطع الشجرة أو التمارين الرياضية التي “تغير” في شكل الأشخاص وخلق الله؟
ذهب فقهاء السُّنة إلى أنه لا يجوز إجراء عمليات جراحية كهذه إلا في حالة الأشخاص ثنائيي الجنس، “الذين تجتمع فيهم أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث”. فبحسب علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق في مصر، لا يجوز أيضًا إلحاق الشخص بأي من الجنسين “بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمى إلى الجنس الآخر، إلا في حالتين، الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى”.
مع الإشارة إلى فتوى أصدرها أستاذ أصول الفقه ومدير إدارة الفتوى في دار الإفتاء المصرية، تسمح لعابر جنسي كان قد شارك في العام 2014 مع الإعلامي طوني خليفة في برنامج تلفزيوني، بإجراء عمليات جراحية.
عابري/ات الجندر في المذهب الشيعي.. تعدد في الآراء
أمّا فقهاء الشيعة، فقد ذهب البعض إلى أنها حرام مثل السيد الخوئي. فيما اعتبرها البعض “حلال” مطلقًا مثل الخميني كما أشرنا سابقًا. في حين فصّل آخرون بين عملية التغيير الواقعي والحقيقي بحيث “يصبح الرجل إمرأة والمرأة رجلًا بكامل مواصفات وخصائص الجنس الجديد، وبين عملية التغيير الظاهري، فيكون التغيير في الشكل والمظهر لا غير”. فقالوا بجواز الأولى وحرمة الثانية، مثل السيد محمد حسين فضل الله والسيد علي السيستاني. وقد أكد بعضهم أن “عملية التغيير الكاملة” ليس لها وجود حتى اليوم.
وفي رأي متميز للسيد علي الخامنئي (مرشد الجمهورية الإيرانية) ولديه آلاف المقلدين في لبنان، يعتبر فيه أن من يمتلكون بعض “خصائص الجنس الآخر من الناحية النفسية”، ولم يبادروا إلى إجراء عمليات جراحية وقعوا في الفساد، يجوز لهم القيام بذلك، إذا كانت “لكشف وإظهار الجنسية الواقعية”. فكأنه يعتبر أن “خصائص الأنوثة أو الذكورة النفسية” تكشف عن واقع يجوز إبرازه وإظهاره بالعملية.
بالنسبة للديانة المسيحية، ذهب رجال الدين في الكنيسة إلى أن الله خلق نوعين اثنين فقط وهما ذكرًا وأنثى. حيث جاء في نص الكتاب المقدّس “ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ” (تكوين 1: 27). وقد كان البابا فرنسيس قد رفض هذا النوع من العمليات، إلا أنه اعتبر أن ذلك لا يعني أن الكنيسة لا تحبّ الإنسان باختلافه، من منطلق أن الكنيسة تكره الخطيئة ولكنّها تحبّ الخاطئ.
إجراءات وشروط يفرضها التدخل الجراحي
مراحل عديدة يمر بها عابري الجندر قبل تناول الهرمونات أو الخضوع لتدخل جراحي. ويترتب عن ذلك مبالغ مالية ضخمة يعجز العديد من عابري الجندر عن تأمينها. خاصة وأن الضمان الصحي في لبنان لا يغطي أيًّا من تلك التكاليف. يشترط الأطباء في أنحاء العالم كافة الحصول على ورقة من طبيب نفسي تؤكد أن الشخص يعاني من اضطراب الهوية الجنسية. ثمّ بعد ذلك يخضع العابر/ة إلى فحوصات مثل فحص مستوى الدهون في الجسد وفحوصات للدم وإنزيمات الكبد، فحص هرمون البرولاكتين وهرمونات الستيرويدات الجنسية. إضافة إلى التعرف على استخدام التبغ والتحكم فيه، ومعاقرة المخدرات، والإفراط في الكحوليات، وغيرهم. كما يجب إجراء فحوصات للدم بشكل دوريّ أثناء تناول الهرمونات.
تختلف أنواع الهرمونات التي يمكن تناولها بين حبوب وحقن وبعضها غير متوفر في لبنان ويصعب إيجاده. ويحتاج عابري الجندر إلى الاستمرار في تناولها مدى الحياة مع اختلاف الكمية بين شخص وآخر. ثم تنخفض الكمية فيما بعد بحسب حاجة الجسد. يُعطى عابري الجنس هرمون التستوستيرون، بينما تتناول العابرات هرمون الإستروجين وأدوية لوقف إفراز الجسد لهرمون التستوستيرون.
كلفة التدخل الجراحي في لبنان لمن استطاع إليه سبيلًا
وبالنسبة للتدخل الجراحي، يعتبر أهمها عمليتي إستئصال الثدي وبناء القضيب بالنسبة للعابرين، مقابل جراحة زيادة حجم الثدي واستئصال القضيب وبناء المهبل بالنسبة للعابرات. تختلف أسعار هذه العمليات بين بلد وآخر وتعتبر أعلى كلفة وأشد خطورة في عمليات العبور من أنثى إلى ذكر. بالنسبة “للجراحة العلوية” يبلغ سعرها حوالي 4000$ للعابرات و 5000$ للعابرين في لبنان. أما بالنسبة إلى “الجراحة السفلية” فتصل كلفتها إلى 30 ألف دولار للعابرات و حوالي 100 ألف دولار للعابرين، إلا أن العديد من عابري الجنس يلجأ إلى إجرائها خارج لبنان بسبب دقتها وخبرة الأطباء المحدودة فيها، خاصة في “الجراحة السفلية” للعابرين من أنثى إلى ذكر.
وتقدم العديد من البلدان مساعدات مالية لعابري الجنس، على رأسها إيران التي تغطي الدولة فيها أكثر من نصف الكلفة بسبب فتوى الخميني ولإبعاد الناس عن المثلية الجنسية الممنوعة فيها.
العبور الجنسي في القانون اللبناني
على خلاف بعض البلدان مثل ألمانيا وإيطاليا وتركيا، لا يوجد في لبنان قوانين خاصة تتعلق بالعبور الجنسي. في لبنان، وفي ظل غياب القوانين التي ترعى عابري الجندر، تُرك أمر البت بهذه القضايا لاجتهاد القضاة. هذا ما أكده المحامي جورج طحّان الذي أوضح أن أحكام القضاة تكون بناءً على قناعاتهم وبالاستناد الى تقرير طبيب شرعي ومعالج نفسي.
قليلة هي الأحكام القضائية المتعلقة بهذه المسألة في لبنان، يذكر طحان على سبيل المثال قرارين سمح فيهما قضاة بتصحيح الأوراق الثبوتية لعابرين جنسيين. الأولى عام 1987 حيث صدر عن القاضي المنفرد في بيروت الناظر في قضايا الأحوال الشخصية، في دعوى موضوعها تصحيح قيد جنس إحدى العابرات، وبالتالي تعديل الاسم. توصلت المحكمة بالنتيجة الى الحكم بتصحيح قيد جنس العابرة من ذكر إلى انثى وتعديل الاسم وابلاغ الحكم الى الجهات المعنية. جاء ذلك بعد أن تأكدت المحكمة بنفسها من أن شكلها الخارجي يتناقض صراحة وقيود الأحوال الشخصية وثبت لها من جراء ذلك الضرر اللاحق بها في الإبقاء على جنسها السابق.
وفي حالة أخرى عام 2015 في دعوى تتعلق بطلب تصحيح قيد عابر من أنثى إلى ذكر. وقد علّلت المحكمة قرارها بالاستناد الى الخبرة الطبية المبرزة في ملف الدعوى، التي تعتبر أنّ المستأنف هو رجل “متحول الجنس” من حيث ملامح الذكورة البادية بوضوح عليه. واعتبرت أن للفرد الحق في احترام حياته الخاصة وحرياته الأساسية وذلك استناداً الى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني. وفي الختام قررت المحكمة تصحيح قيد المستأنف في سجل النفوس بحيث يعتبر جنسه ذكراً بدلاً من انثى، وتدوين كافة المعلومات المتعلقة به بصيغة المذكر بدلاً من المؤنث.
طلب قوبل بالرفض
في المقابل يذكر طحان قرارًا قضائيًّا رافضًا لموضوع تصحيح الجنس صادر عام 1992 عن القاضي الناظر في قضايا الأحوال الشخصية في بيروت. حيث رفض طلب تغيير الجنس المقدم من عابرة جنسية لتصبح أنثى بدلاً من ذكر وتعديل اسمها. وقد اعتبرت المحكمة أنّ جنس الانسان واسمه ليسا من العناصر القابلة للتغيير وفقاً للرغبة وتبعاً لتبدل الظروف بل هما من الصفات الثابتة التي تتعلق بالشخص وتتصل به اتصالاً وثيقاً منذ ولادته، ولا خطأ في عملية تسجيل المستدعية كذكر لأن قيودها لهذه الجهة جاءت متوافقة مع الحالة التي كانت عليها عند قيدها في سجلات النفوس.
كما اعتبرت ان “العملية الجراحية التي أجريت للمستدعي، لا تكفي بذاتها لمنح من رغب في الخضوع لها كامل الأعضاء التناسلية الأنثوية”. وان تغليب الجنس المرغوب والمحسوس على الجنس المقيد، يؤدي الى المساس بقواعد الأحوال الشخصية واثارة الإضطراب فيها. وانه “في اجابة طلب تصحيح القيد المتعلق بالجنس بالإستناد الى اعتقاد المستدعي بانتمائه الى جنس مغاير للجنس المقيد في خانته، تكون المحكمة قد حلّت محل المشرّع فأباحت ما لم يبحه القانون وتجاوزت بذلك صلاحيتها المنحصرة في تطبيقه”.
مشاكل تناقض الشكل الخارجي مع بطاقة الهوية
وأشار طحّان إلى أن “الإلتباس في هوية الأشخاص يمكن أن يصعّب على العابرين جنسياً إتمام معاملاتهم. فمن الممكن أن يواجهوا تأخيراً في الحصول على أوراق ثبوتية مثلاً لحين التأكّد من هويتهم. لا سيما في حال كان الشكل الخارجي للشخص يخلق تناقضاً مع ما هو مدوّن في قيود الأحوال الشخصية”. وتصدر بطاقة الهوية بناءً على طلب من صاحب العلاقة وتتضمن المعلومات الشخصية المدونة في بيانات وقيود المديرية العامة للأحوال الشخصية. ويضيف طحّان “إن كل تعديل أو تصحيح في بيانات وقيود الأحوال الشخصية يجب أن يكون بناءً على قرار صادر عن القضاء المختص، بحيث يتم تنفيذ تلك القرارات وفقاً لمنطوقها في دوائر الأحوال الشخصية”.
نعود إلى المستشفى التي وُلد فيها “سام”. وجوه آباء وأمهات يحملون أبناءهم وتغمرهم نشوة الانتصار. لا يبالي أيًّا منهم بجنس مولوده، فبحسب ما يرددون دائمًا “كل شي من الله يا محلاه، أهم شي الصحة”. يكفي أن ننظر إلى حال عابري الجندر لندرك أن هذه العبارة اعتاد الناس تكرارها دون قصدها. أين “كل شي من الله يا محلاه” من خوف عابري الجندر من إظهار حقيقتهم أمام أسرهم خوفًا من طردهم من المنزل أو اعتبار المجتمع لهم أنهم “من غير كوكب، مقززين، مرضى نفسيين، بدهم علاج، راكضين ورا شهوتهم”. أين “كل شي من الله يا محلاه” من عابري الجندر الذين يهربون من “سجن أجسادهم” التي ولدوا فيها بلباس يعكس بعضًا من هويتهم فترهقهم نظرات الناس في الطرقات إليهم وكأنهم قد أجرموا بحق مجتمعهم. “كل شي من الله يا محلاه” تعني إمّا تقبّل أبناءنا مهما اختلفوا عنّا وإمّا أن لا ننجبهم من البداية.
اقرأ/ي أيضًا: بلبلة وتنمّر على مواقع التواصل الإجتماعي.. والسبب صورة بكعبٍ عالٍ!